Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الخامس من سفر ملوك الثانى للقس انطونيوس فكرى

9- إبراء نعمان من برصه


الآيات 1-7:- وكان نعمان رئيس جيش ملك ارام رجلا عظيما عند سيده مرفوع الوجه لانه عن يده اعطى الرب خلاصا لارام وكان الرجل جبار باس ابرص.و كان الاراميون قد خرجوا غزاة فسبوا من ارض اسرائيل فتاة صغيرة فكانت بين يدي امراة نعمان.فقالت لمولاتها يا ليت سيدي امام النبي الذي في السامرة فانه كان يشفيه من برصه.فدخل واخبر سيده قائلا كذا وكذا قالت الجارية التي من ارض اسرائيل.

فقال ملك ارام انطلق ذاهبا فارسل كتابا الى ملك اسرائيل فذهب واخذ بيده عشر وزنات من الفضة وستة الاف شاقل من الذهب وعشر حلل من الثياب.و اتى بالكتاب الى ملك اسرائيل يقول فيه فالان عند وصول هذا الكتاب اليك هوذا قد ارسلت اليك نعمان عبدي فاشفه من برصه.فلما قرا ملك اسرائيل الكتاب مزق ثيابه وقال هل انا الله لكي اميت واحيي حتى ان هذا يرسل الي ان اشفي رجلا من برصه فاعلموا وانظروا انه انما يتعرض لي.


هذه القصة حدثت غالبا فى أوخر أيام إليشع وغالبا كان هذا فى أيام ياهو الملك (بعد إصحاحات 7،6).

(أى بعد الأحداث التى وقعت فيها) وملك أرام = غالبا هو بنهدد. مرفوع الوجه = رفعه الملك وكرمه. أعطى الرب خلاصا لأرام = أى إنتصارا فى حروبها ضد أعدائها ولا يعقل أن يقال هذا إذ كان العدو هو إسرائيل فيكون معنى الكلام عدوا آخر غالبا هو أشور.

 أبرص = كان اليهود بحسب الناموس يعزلون البرص من الحياة العامة ولكن بالنسبة للأراميين فلا مانع عندهم من ذلك. النبى الذى فى السامرة = كان إليشع له بيت معروف ومكانه معروف ومشهورا وسط الشعب وليس مثل إيليا. فإنه كان يشفيه لاحظ أن فتاة صغيرة أسيرة شهدت لله. وسنرى الآن الملك على كرسيه فى خزى ممزق الملابس فالله قادر أن يعمل ويحول الصغار لشهود له.

 والله الذى سمح بغزوة أرام لإسرائيل لخطاياهم تأديبا لهم سمح لهذه الفتاة البريئة أن تسقط فى أيديهم أسيرة ولكن نجد الله قد حماها وتعهدها فى أرض السبى بل إستخدمها فى البشارة فكل الأمور تعمل معاً للخير.

ولكن من المؤكد أن أهل هذه البنت علموها أمور دينها وهى صغيرة وكان هذا سببا فى خلاص عظيم. فى (4). فدخل وأخبر سيده = دخل نعمان وأخبر سيده الملك بما قالته الفتاة وفى (5) نجد ملك أرام يرسل خطابا لملك إسرائيل وهذا يشير لعلاقات ودية بينهما فى هذه الفترة.

ولكن يبدو أن ملك إسرائيل كان قد نسى إليشع أو هو لم يصدق أن يصنع معجزة كهذه لذلك ظن أن ملك أرام يخطط لغزو إسرائيل ويطلب شيئا صعبا كشفاء نعمان حتى أنه حين يفشل فى علاجه يعلن الحرب عليه لذلك مزق ثيابه. ونلاحظ أن نعمان وملك أرام لم يخطئوا بأن يرسلوا لإستدعاء إليشع بل أعطوا كرامة للنبى بذهاب نعمان بنفسه وفى هيئة رسمية وذهبوا لملك إسرائيل أولا ثم ذهبوا للنبى فى مكانه وهم لم يذهبوا فارغين بل ومعهم هدايا.

ونلاحظ أن شفاء نعمان رمز لشفاء الأمم وهذه الفتاة الصغيرة التى نشرت الإيمان بعد أن تشتت الشعب إلى إرام تشير لتشتت المسيحيين من أورشليم ونشرهم المسيحية (أع4:8).

الآيات 8-14:- ولما سمع اليشع رجل الله ان ملك اسرائيل قد مزق ثيابه ارسل الى الملك يقول لماذا مزقت ثيابك ليات الي فيعلم انه يوجد نبي في اسرائيل.فجاء نعمان بخيله ومركباته ووقف عند باب بيت اليشع.

فارسل اليه اليشع رسولا يقول اذهب واغتسل سبع مرات في الاردن فيرجع لحمك اليك وتطهر فغضب نعمان ومضى وقال هوذا قلت انه يخرج الي ويقف ويدعو باسم الرب الهه ويردد يده فوق الموضع فيشفي الابرص.اليس ابانة وفرفر نهرا دمشق احسن من جميع مياه اسرائيل اما كنت اغتسل بهما فاطهر ورجع ومضى بغيظ.

فتقدم عبيده وكلموه وقالوا يا ابانا لو قال لك النبي امرا عظيما اما كنت تعمله فكم بالحري اذا قال لك اغتسل واطهر.فنزل وغطس في الاردن سبع مرات حسب قول رجل الله فرجع لحمه كلحم صبي صغير وطهر

سبع مرات = رقم كامل ومقدس. فغضب نعمان = بعد أن ترك قصر الملك ذهب ووقف بباب النبى وظن هذا تنازلا كبيرا منه خصوصا أن إليشع لم يخرج لإستقباله ولكن غالبا إليشع لم يخرج ليس بسبب الكبرياء لكن هو أراد أن يظهر له أن الذى يشفيه هو الله وليس إليشع فنعمان إنتظر ممارسات سحرية مثلما يفعل كهنة بلاده وأن يضع إليشع يده على موضع المرض ولكن إليشع أراه أن الله هو مصدر النعمة.

بالإضافة إلى أن نعمان بحكم مركزه فهو رجل متكبر ولكى يحصل على نعمة من الله يجب أن يتواضع وتنكسر كبرياؤه وهو فعلا رجع ووقف بتواضع أمام النبى فقد شفى من كبريائه. ونهر أبانة= هو نهر بردى الحالى وهو يمر وسط دمشق وفرفر = غالبا هو نهر الأعرج الذى يخرج من جبل الشيخ وهما أنهار كبيرة بالمقارنة بنهر الأردن. وقد أظهر نعمان طاعة فى أنه إستجاب لتعليمات إليشع. ومن الناحية الرمزية:-

فالبرص يشير للخطية والإغتسال فى الأردن يشير للتطهير من الخطية فى المعمودية. ولقد تشكك نعمان من الشفاء بهذا الأسلوب السهل والمعمودية فى منتهى السهولة فتغطيس المعمد فى ماء المعمودية يشفى من برص الخطايا الأصلية والتى صنعها الإنسان وهكذا التوبة والإعتراف المعمودية الثانية. وهو خلاص مجانى لكل من يريده لذلك رفض إليشع الهدية والمعمودية تعطى ولادة جديدة.. لاحظ قول إليشع فيرجع لحمك إليك وتطهر آية 10.

إن أنهار دمشق بعظمتها التى تسقى أرض شعوب وثنية أقصى ما تستطيعه هو تنظيف الجسد أما نهر الأردن الذى يسقى أرض الله يشفى البرص. وكان أمر الله أن يغتسل نعمان فيه.

line

الآيات 15-19:- فرجع الى رجل الله هو وكل جيشه ودخل ووقف امامه وقال هوذا قد عرفت انه ليس اله في كل الارض الا في اسرائيل والان فخذ بركة من عبدك.فقال حي هو الرب الذي انا واقف امامه اني لا اخذ والح عليه ان ياخذ فابى.

فقال نعمان اما يعطى لعبدك حمل بغلين من التراب لانه لا يقرب بعد عبدك محرقة ولا ذبيحة لالهة اخرى بل للرب عن هذا الامر يصفح الرب لعبدك عند دخول سيدي الى بيت رمون ليسجد هناك ويستند على يدي فاسجد في بيت رمون فعند سجودي في بيت رمون يصفح الرب لعبدك عن هذا الامر.فقال له امض بسلام ولما مضى من عنده مسافة من الارض.


هنا نرى نعمان الذى تطهر ليس فقط من البرص بل من وثنيته:-

1. رجوعه إلى إليشع (آية 15). هوذا قد عرفت أنه ليس إله فى كل الأرض إلا إله إسرائيل. هو آمن بالله فالإغتسال فتح عينيه مثلما فتح الإغتسال فى بركة سلوام عينى المولود أعمى فآمن بالمسيح أنه إبن الله. لقد أعطاه الإغتسال إستنارة (سر المعمودية).

2. هو عاد كل المسافة من الأردن إلى الكرمل حيث إليشع ليقدم الشكر = والآن فخذ بركة أى خذ الهدية فأتبارك أنا. هنا هو يشبه الأبرص الذى عاد من وسط 10 برص شفاهم المسيح (لو 12:17-19). وفى مثل السيد المسيح كان الذى عاد سامريا غريب الجنس مثل نعمان وبرجوعه للمسيح حصل هذا السامرى على الخلاص.." إيمانك خلصك" وهكذا نعمان.

3. رفض نعمان أن يقدم ذبائح لإله آخر غير يهوة بل سيصنع مذبحا من تراب إسرائيل ليقدم ذبائح ليهوة عليه. لذلك يطلب حمل بغلين من التراب لأنه إعتبر أن أرض إسرائيل أرض الرب هى أرض مقدسة فهذا الذى إحتقر الأردن هو الآن يقدس تراب إسرائيل.

4. نجد لنعمان هنا ضعفة إيمانية آية (18) فهو يطلب إستثناء من إليشع أنه عند عودته لدمشق فهو كرئيس للجيش يجب عليه أن يقدم سجودا لآلهة أرام فى بيت رمون وهو يرى أنه غير قادر على المجاهرة بأنه سيمتنع عن ذلك. ونجد إليشع بحكمة يقول له إمض بسلام فهو ترك له حرية القرار حينما رآه مترددا فهو لا يستطيع أن يوافقه على عبادة وثنية وبعد أن أعلن إيمانه بالله ولا يستطيع إرغامه كقائد جيش وحديث الإيمان بالله أن يتغير تغييرا فجائيا.

بل إليشع ترك التغيير لله مع الوقت. وهل نلوم نعمان على هذه الضعفة ولا نلوم إسرائيل الذى يعبد الله والبعل.

5. رفض إليشع للهدية درس لهذا المؤمن الجديد بأن أولاد الله يحتقرون ماديات العالم ويظهر له أن الشفاء هو من إله إسرائيل وهو مجانى

line

الآيات 20-27:- قال جيحزي غلام اليشع رجل الله هوذا سيدي قد امتنع عن ان ياخذ من يد نعمان الارامي هذا ما احضره حي هو الرب اني اجري وراءه واخذ منه شيئا. فسار جيحزي وراء نعمان ولما راه نعمان راكضا وراءه نزل عن المركبة للقائه وقال اسلام.

فقال سلام ان سيدي قد ارسلني قائلا هوذا في هذا الوقت قد جاء الي غلامان من جبل افرايم من بني الانبياء فاعطهما وزنة فضة وحلتي ثياب.فقال نعمان اقبل وخذ وزنتين والح عليه وصر وزنتي فضة في كيسين وحلتي الثياب ودفعها لغلاميه فحملاها قدامه.

و لما وصل الى الاكمة اخذها من ايديهما واودعها في البيت واطلق الرجلين فانطلقا.و اما هو فدخل ووقف امام سيده فقال له اليشع من اين يا جيحزي فقال لم يذهب عبدك الى هنا او هناك.فقال له الم يذهب قلبي حين رجع الرجل من مركبته للقائك اهو وقت لاخذ الفضة ولاخذ ثياب وزيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوار.


فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك الى الابد وخرج من امامه ابرص كالثلج.

لاحظ أن جيحزى يحلف بإسم الرب وهو ينوى الكذب والخيانة = حى هو الرب وفى (21) نزل من المركبة = أعطاه نعمان هذا التكريم لأنه تلميذ إليشع ولكن تلميذ إليشع هذا خدعه. وفى (26) الم يذهب قلبى.. = الله أعلم إليشع بما حدث فكأنه رأى وسمع ما فعله جيحزى. أهو وقت = بل هو وقت كرازة بالله وسط الأراميين الوثنين هذا هو الفارق بين الخادم الحقيقى الذى يهتم بخلاص النفوس وبين الخادم الذى يهتم بمكسبه المادى أولا.

 لأخذ الفضة والثياب = وهذه أخذها. وزيتون وكروم.. هذه التى كانت نيته متجهة لشرائها بوزنتى الفضة، لقد رأى إليشع ما فى قلب جيحزى. وفى 27 فبرص = هو إشتهى ما لنعمان فأخذ أيضا برصه. عجيب أن جيحزى تلميذ إليشع يكون بهذه الصورة عوضا أن يكون قديسا بينما أن رجال نعمان الوثنيين كانت مشورتهم صالحة وكانوا أفضل منه كثيرا.

نعمان هذا يشير لقبول الأمم للمسيح بينما جيحزى هذا يشير لليهود الذين رفضوا المسيح فلصقت بهم خطيتهم فهم لم يستفيدوا من إمكانيات دم المسيح. وكان اليهود من خاصة المسيح من شعبه ومن لحمه وعظامه ورفضوه كما أن جيحزى كان خادم إليشع الملتصق به ولم يستفد من قداسته. وخطايا جيحزى متعددة:-

1. محبته للمال ومحبة المال أصل كل الشرور.
2. أدان معلمه النبى العظيم داخل قلبه وحسبه أخطأ إذ رفض الهدية فهو حسب نفسه أحكم من معلمه.
3. حسد هذا الأعمى الغريب إذ حصل على هذه النعمة مجانا.
4. وسارق إذ أخذ الهدية التى كان يجب أن يعطيها لسيده.
5. شوه صورة سيده أمام الغرباء فهو أظهر صورته كمن ندم على كرمه وكان هذا كفيلا بأن يرتد نعمان عن إيمانه.

6. أخفى ما أخذه وكذب على إليشع وكثرة الخطايا سببت له عمى فهو لم يدرك أن إليشع الذى يعلم كل شىء قادر أن يكشف خداعه. وهذه الحقيقة أن إليشع قادر أن يعرف كل شىء أدركها حتى الأعداء (2 مل 12:6) فهذه الحقيقة عرفها الوثنيين لكن لم يدركها جيحزى لجشعه.

فالخطايا والأغراض الخبيثة داخل القلب تسبب عمى القلب عن إدراك ما يدركه أبسط الناس بل أن حتى كذبته كانت ساذجة فهل غلامان من بنى الأنبياء يحتاجان وزنة من الفضة (3000 شاقل وثمن العبد 30 شاقل) بسبب كل هذا وقع عليه عقاب شديد كما حدث مع حنانيا وسفيرة اللذان كذبا على الروح القدس هو كسب وزنتى فضة ولكنه خسر صحته وكرامته وسمعته وربما خلاص نفسه، وإلتصاق البرص به وببيته للأبد وهذا ما دعى بعض المفسرين أن يقولوا أن عائلته قد إنقرضت سريعا.