القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

الدائرة الاولي حريات....بالقضاء الادارى...تحجز قضية تسجيل الزى الكهنوتي للحكم

حياه حزقيا - شخصيات الكتاب المقدس

" والتصق بالرب ولم يحد عنه "

" 2 مل 18 : 6 "


مقدمة

يتفق الكثيرون " مع فيكتور هوجو " على أن نابليون خسر معركة ووترلو لا لشىء إلا لأن اللّه كان ضده ، .. كما يؤكد آخرون أن انسحاب الإنجليز من " دنكرك " فى الحرب العالمية الثانية قد تم بمعجزة إلهية ، ولو

أن هتلر هاجم انجلترا فى ذلك الوقت - ولم يتحول إلى روسيا - لكسب الحرب ، ولكن القدير كان قد رتـب له الهزيمة فانهزم،.. وعندما دخل ماك آرثر معاركه الضارية مع اليابان ، بعد تدمير الأسطول الأمريكى فى

بيرل هاربر ، لم يستند قط إلى قوة أمريكا العسكرية ، أو عبقريته كرجل من رجال الحرب العظام ، بل كان سنده الأعظم الالتجاء إلى القدير ، وقبيل خوض المعركة أرسل إلى راعى كنيسته يقول له : ها أنا أواجه

معركة قاسية مجهولة فأرجو أن تركع أمام اللّه وتصلى من أجلى فى نفس المكان الذى ركعت أنا فيه عندما انضممت إلى عضوية الكنيسة ، وحيث تعودت المثول فى حضرة الله هناك ، ونجح ماك آرثر مستنداً إلى ذراع

القدير ! ! ... كان الملك القديم حزقيا واسمه يعنى " الرب يقوى " قد وضع شعاراً عميقاً بسيطاً له ، هو أعظم شعار يمكن أن يضعه إنسان أمامه فى الأرض : الالتصاق بالرب ... وهو شعار مثير فى بساطته ، وقوته ،

فالالتصاق شئ يمكن أن يفعله الطفل الصغير وهو يلتصق بأمه أو يمسك بأبيه ، وهو فى قوته الشئ الوحيد الذى به يواجه الإنسان الأمور فى كل أوضاعها المختلفة فى الأرض ، ... وهو أقصرالطرق وأضمنها إلى النجاح والفلاح .

وها نحن لذلك نتابع قصة الملك القديم فيما يلى :

حزقيا والظروف السيئة التى أحاطت به :

لم تكن الطريق أمام حزقيا سهلة هينة ميسورة ، بل إن هذا الرجل القديم تفتحت عيناه على الخرائب والأطلال من كل جانب فى الداخل أو الخارج على حد سواء ، ... كان أبوه آحاز الملك الذى حكم يهوذا لمدة عشرين عاماً ،

وكانت من أسوأ السنين التى عرفتها البلاد ، ... فقد أغرقها فى الشر والوثنية ، إذ نبذ عبادة الله ، وأغلق الهيكل بعد أن دنسه ونجسه ، وعبر ابنه فى النار ، وعبد الآلهة الوثنية بكل ما اشتملت عليه عبادتها من شر

وشهوانية وقسوة ، ومن ثم توالت عليه ، وعلى شعب يهوذا ، الفواجع والكوارث ، إذ هاجمه الأراميون والإسرائيليون وعاثوا فى الأرض فسادا ، وقتلوا وذبحوا العشرات من الألوف ، وسبو لأنفلسهم سبايا لا تحصى ولا تعد ،

... ومع ذلك فقد أبى أن يستعين عليهم بالرب ، بل استعان بملك آشور ، فلم يعنه الملك الذي بعد أن قضى على أضداده ، تحول إليه ، ونكل به وبشعبه تنكيلا قاسياً بعد أن استولى على الكثير من كنوز بيت الرب والملك والرؤساء !! ..

إن قصة حزقيا تصلح أن تكون تعزية وتشجيعاً لأولئك الذين تتفتح عيونهم على الحرب والأنقاض ، حيث أفسد آباؤهم كل شئ وتركوا لهم تركة مثقلة قاسية ومع أنهم ليسوا مسئولين عما فعله الآباء ، لكنهم يستطيعون - بالاستناد إلى اللّه - السير فى أرض الخراب وإعادتها إلى المجد السابق ، إن كان لها مجد قديم ، أو ربما إلى ما هو أفضل من الماضى المجيد ، حتى ثبت إيمانهم فى الله ، واعتمادهم عليه !!

حزقيا والإصلاح العظيم الذى قام به :

ويعتبر حزقيا واحداً من أعظم المصلحين الدينيين فى التاريخ ، وكل إصلاح فى العادة يبدأ بظهور رجل من أبطال اللّه يقود حركة الإصلاح ، أو كما قال أحدهم : " إن النهضة التى حدثت فى قرية

سامرية - كما جاء فى إنجيل يوحنا - بدأت بامرأة تشهد عن يسوع وما فعل معها ، ونهضة يوم الخمسين ظهرت بقيادة بطرس بقوة الروح القدس ، والنهضات التى حدثت فى آسيا الصغرى وشمال اليونان فى

القرن الأول ، كانت ثمرة وعظ الرسول بولس ، وقد ألهب سافونا رولا فلورنسا ، وأيقظ لوثر أوربا ، وقامت نهضة الوسليين وهو ايتفيلد ، لتحول الحياة الدينية والأدبية فى إنجلترا تحويلا

كاملا ، وقام فنى بنهضته العظيمة فى منتصف القرن التاسع عشر ، وأشعل مودى النهضة فى الجزر البريطانية وأمريكا فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر !! .. وفى الحقيقة أن النهضات لا تبدأ

عشوائية ، بل يلزم أن يكون وراءها رجل ، ورجل للّه !! .. وهذا الرجل يلزم ، ودائماً ، أن يكون خاضعاً بالتمام للروح القدس ، ومحفوظاً فى النقاوة بسكنى الروح القدس ، وممتلئاً بالعاطفة

الملتهبة لخلاص النفوس ، وفاهما بالتمام لمشيئة اللّه ، وممسوحاً بمسحة القوة ، حتى ولو بدا وعظه وتعليمه بسيطين ، فإن الجماهير الغفيرة تقبل تحت الإحساس بذنبها ، إلى الاعتراف بالرب مخلصها .

وفى النهضة التى نشير إليها نجد رجلا استخدمه اللّه ليغير الحياة الدينية لأمته تغييراً كاملاً ، ولم يكن هذا الرجل إلا حزقيا ، الملك الذى يقف على رأس أمة ممزقة تعسة ضعيفة " ...!

ولعلنا نستطيع إدراك قلب الرجل الملتهب متى تبينا أنه لم يضع دقيقة واحدة فى القيام بحركة الإصلاح ، إذ بدأه فى السنة الأولى لتولى العرش ، وكان فى أوج القوة والشباب ، فى

الخامسة والعشرين من عمره ، ... لقد كان - كما يبدو - ضيق الصدر محزون النفس بما يفعل أبوه من شرور وآثام، ويبدو أن أمه" أبى بنت زكريا " هى التى كانت تغذى فيه هذا الضيق على الدوام

كما يبدو أن إشعياء كان له أيضاً دخل فى الأمر ، ولعل الأحوال السيئة التى باتت عليها المملكة جعلته يؤمن إيماناً سديداً بأن الكوارث التى حاقت بها ، لم تأت إلا لابتعاد الشعب عن اللّه.

وتستطيع أن تدرك هذا بوضوح من حديثه النبيل العظيم مع الكهنة واللاويين إذ يقول : " لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر فى عينى الرب إلهنا وتركوه ، وحولوا وجوههم عن مسكن الرب وأعطوا قفا ... فكان غضب الرب على يهوذا وإسرائيل .. "

إن اللّه دائماً فى حاجة إلى رجل ليصنع به الإصلاح العظيم ، ... ولقد أشرنا إلى يوحنا وسلى عندما انحطت انجلترا فى القرن الثامن عشر إلى أحط الدركات الخلقية ، إذ كانوا - كما يقولون - يجدون حانة للخمور مقابل أربعة بيوت

للسكن ، وانتشرت الدعارة وتزايدت الجرائم ، إلى أن أنهض اللّه له رجلا ، لم يكن صاحب عرش أو جيش أو ثروة أو سلطان ، إذ كان مجرداً منها جميعاً ، ولكنه كان يملك ما هو أعظم ، فقد كان يوحنا وسلى " رجل الله ، الرجل الذى

نادى فى إنجلترا ، بإنجيل المسيح ، ولقد ظل وسلى يتنقل فى انجلترا من مكان إلى مكان ما بين الشوارع والأزقة والمدن والقرى والمصانع والمناجم ، يعظ يومياً ما بين عظتين وخمسة عظات ، فعل مالا تفعله قوات العالم مجتمعة !!.

فإذا كان وسلى قد فعل كل هذا فى القرن الثامن عشر بعد الميلاد ، واحتمل فى سبيل ذلك ، مالا يكاد يحتمله بشر ، فإن حزقيا فعل الشئ ذاته فى القرن الثامن قبل الميلاد ، ... لقد أدرك حزقيا قوة الكلمة الإلهية ، وأرسل الوعاظ والسعاة إلى جميع

إسرائيل ويهوذا ، ينادون بالعودة إلى الرب ، واستقبل الناس الكلمة ، كما يحدث فى النهضات ، ما بين ساخر وضاحك ، وبين مؤمن وتائب : " فكانوا يضحكون عليهم ويهزأون بهم إلا أن قوما من أشير ومنسى وزبولون تواضعوا واتوا إلى أورشليم " " 2 أى 30 : 10 و 11 "

وغير خاف أن العنصر الأول من عناصر الإصلاح ، لابد أن يكون شيئاً سلبياً ، إذ هو التطهـــر من كل دنس وشر ، ولا يمكن لأية نهضة أن تقوم ، ما لم تبدأ بالتوبة ، والتائب الأول هو رجل النهضة وخادمها ...

ولقد دعا حزقيا الكهنة واللاويين : " وأدخل الكهنة واللاويين وجمعهم إلى الساحة الشرقية وقال لهم : اسمعوا لى أيها اللاويون.

تقدسوا الآن وقدسوا بيت الرب إله آبائكم وأخرجوا النجاسة من القدس " " 2 أى 29 : 4 - 5 ".

وأى خادم لا يستطيع المناداة بالتطهير ما لم يكن هو قد تطهر وتقدس ؟ أوكما يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس : " فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح " " 2 تى 2 : 21 ".

وإلى جانب الخادم المطهر يأتى بيت الله المطهر ، ... وقد أخرج حزقيا الأصنام والنجاسات من الهيكل ، وطهر الأوانى المقدسة ، وأعد بيت الله للعبادة الطاهره النقية وهى حقائق تشير إلى ما ينبغى أن تكون عليه

الكنيسة، إذا رامت أن تغير العالم أو تصلحه وتنهضه ، .. ولقد أدرك حزقيا ، فى هذا كله أن الروح لابد أن يسبق الحرف ، وأن العبرة - كل العبرة - ليست بمجرد الطقس فى حد ذاته ، بل بماوراء الطقس من معنى ومغزى ، ومن

ثم نجده يتجاوز عن عمل الفصح فى وقته، إذ أن الميعاد قد فات ، وهو لا يمكن أن ينتظر إلى العام التالى ، لئلا تفتر المشاعر المتوثبة الملتهبة ، ولا مانع عنده من أن يعمل الفصح فى الشهر التالى ... إن حزقيا يدرك

جيداً أن اللّه لا يخدعه الطقس الخارجى أو المظهر الشكلى دون الحقيقة الداخلية المباركة العميقة !! .. وهذا حق ، وليس أدل عليه من أن قيافا صنع الفصح وأكله ، .. ثم صلب يسوع المسيح وهكذا ارتكب أكبر جريمة فى

التاريخ !! .. عمل حزقيا الفصح واشترك إسرائيل ويهوذا فى إقامته معا لأول مرة بعد سليمان ، وإذ أهمل الشعب هذه الفريضة ، نسى نظامها وشروطها ، ومع ذلك صلى حزقيا إلى الله وقد هيأوا قلوبهم لها ، فشفاهم الرب

متجاوزاً عن نقصهم وضعفهم ، ... ولا يجوز لنا أن ننسى أن لب الاصلاح والنهضة عند الملك القديم ، على أي حال ، كان الفصح ، ... وهو ذات الشئ فى كل نهضة واصلاح فى العصر الحديث ، لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا ،

...ولا نهضة إلا بالتبشير بيسوع المسيح وإياه مصلوباً ... عندما عاد " مودى " من رحلته الموفقة الأولى إلى انجلترا ، وتحدثت الصحف عن نجاحه هناك ، حدث أن امرأة كانت تسمعه يتكلم كثيراً عن الصليب قبل ذهابه ، وإذ

عاد ذهبت لتسمعه، فإذا بأول عظة يعظها أيضاً كانت عن دم المسيح ، فاقتربت منه المرأه وقالت له : كم أنا آسفة يامودى إذ سمعتك اليوم تتكلم عن هذا الموضوع المخيف ، لقد ظننت أنك أسقطته من وعظك ، والآن أعرف أنك

لا يمكن أن تكون واعظاً ناجحاً ، وإذا بمودى يجيبها : يا سيدتى : إذا لم يكن المسيح قد تكلم عن هذا الموضوع ، وكذلك أيضاً الرسل ، بل إذا لم يكن المسيح قد وعظ به ، فإنى أكون قد قرأت كتابى المقدس بكيفية خاطئة

هذه السنين الطويلة ، ولا أكون قد عثرت على مفتاح الكتاب ... ويكون الكتاب بجملته مغلقاً أمامى ، وإذا لم أعظ عن الصليب ، وأهملته ، فلا يكون هناك شئ بعد لأعظ عنه ، ... احذفى العقيدة المباركة عن الدم من الكتاب، ... وإذا بكل شئ ينهار!!..

نجح حزقيا وكانت عناصر نجاحه : الواعظ الطاهر ، وبيت الله المقدس ، وكلمة الله الحية الفعالة ، ورسالة الدم االمسفوك ، وهى عناصر كل نهضة عظيمة عرفها التاريخ بعد ذلك ..

حزقيا والسياسة البشرية العقيمة :

ويبدو أنها حكمة الله الدائمة ، أن يتركنا لنجرب جهدنا البشرى الخائب ، وسياسة الذكاء أو التحالف مع الأشرار أو مهادنتهم ، ومن الحق أن حزقيا لم يبدأ بالتحالف مع ملك آشور ، بل هذه كانت التركة التى خلفها له

أبوه ، الذى كان يدفع الجزية لآشور ، وعندما اعتلى حزقيا العرش ضاق بهذا الوضع فاتفق مع الفلسطينيين والفينيقيين على أن يقوم جميعهم بالعصيان الشامل العام على آشور ، ووعدتهم مصر التى كانت فى ذلك الوقت دولة

قوية بالمؤازرة والمعونة ، وقد تحمس الشعب اليهودى تحمساً بالغاً لهذا العصيان ، ولكن إشعياء لم يكن موافقاً على هذه الحركة إذا لم يكن مطمئناً إلى الاستناد إلى أية قوة غير قوة الله ، ولكن الحماس الوطنى غطى

فى ذلك الوقت على صوت النبِى ، وقام الشعب بتحصين أورشليم حتى اضحت - كما قال أحدهم - أشبه بجبل طارق ، ... فى هذا الوقت كان سنحاريب مشغولا بإخضاع الممالك الشرقية ، ولما تم إخضاعها تحول كالسيل الجارف ناحية

الغرب ، فأخضع المدن الفلسطينية ، وعند عقرون التقى بجيش مصر فهزمه وأخذ يتحرك ناحية مدن يهوذا ، وأخذ يخضعها الواحدة تلو الأخرى ، ورأى حزقيا فشل سياسته ، فأرسل يعلن استعداده للتسليم بشروط الصلح ، ولندع

سنحاريب نفسه يصف الموقف فيما جاء من كتاباته التى اكتشفها رجال الآثار فى أوائل هذا القرن : " أما حزقيا ملك يهوذا الذى لم يركع أمام قدمى فقد حاصرت واستوليت على 46 مدينة من مدنه القوية وقصوره ومدنه الصغيرة

كما سبيت 150 و 200 شخصاً من الأشخاص صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً ، وحصلت على خيول وبغال وجمال وقطعان ماشية ، مما لا يحصى ولا يعد ، أما أورشليم عاصمته فقد بدت كالعصفور المحبوس فى قفص أمامى ، وقبل سنحاريب ما

قدمه حزقيا ، وكان ثمناً فادحاً ، جعله يقشر الذهب الذى على أبواب الهيكل ليرد الغزو ، وتراجع سنحاريب ، ونحن لا نعلم لماذا سمح الله بتسليم مدن يهوذا ، ولكنه يبدو أنه أراد أن يلقن حزقيا الدرس الذى يحتاجه

المؤمنون فى كل عصر وهو خطر التحالف مع الأشرار ، أو الاتكال على الجهـد البشرى الذى لا ينفع ، أو الدبلوماسية التى إن نجحت فإن نجاحها على الدوام ناقص مشوه مبتور ، ولا تستطيع أن تصل بالممسكين بها إلى بر الأمان والسلامة !! ..

حزقيا والاتكال على الله :

ونحن هنا أمام درس من أعظم دروس التاريخ وأصدقها وأبقاها على مدى الأيام ، لقد عاد حزقيا كالطفل الصغير يلوذ بأبيه ويلتصق به ، ولم يصنع أكثر مما يفعله الطفل الباكى الصارخ الذى يرتمى فى حضن أبيه !! .. لقد عاد سنحاريب ، بعد أن ترك أورشليم

، إلى محاصرتها من جديد ، .. وكان حزقيا والمدينة أشبه بالفأر فى المصيدة أو العصفور فى القفص ، أو السمكة فى الشبكة ، ... واستلم حزقيا رسائل التهديد : " فأخذ حزقيا الرسائل من أيدى الرسل وقرأها ثم صعد إلى بيت الرب ونشرها حزقيا أمام الرب ".

" 2 مل 19 : 14 " وسنقرأ القصة كلها من هذه الرسائل بل سنتعلم منها جميعاً كيف نبسط فى بيت اللّه أية أوراق يمكن أن تكون فاصلة فى أعظم المآزق التى نتعرض لها فى حياتنا على هذه الأرض !! .

لقد بدت أوراٍق سنحاريب المهددة لحزقيا أوراق : " شدة وتأديب وإهانة " ... ولعله يقصد بالشدة أنه وصل إلى يوم من أشد الأيام وأقساها التى مرت بحياته ، ... وحسن جداً فى الأيام الشديدة من الحياة ، أن نحمل أوراق الموت والإعدام ،

ونبسطها أمام اللّه ، فنكشف أمام عينيه خطر الحياة أو الاضطهاد أو الرضى أو التعب أو المعاناه ،... ليست كل أيامنا واحدة ، أو رخاء أو هدوءً أو أمناً أو سلاماً أو راحة ، ... إذ سرعان ما تتغير وتتبدل الأيام ، وتأتى أيام

سنحاريب القاسية التى نضعها أمام اللّه ، ... ولم يكن الأمر فى نظر حزقيا شدة فحسب بل تأديباً أيضاً ، ... ولعله أدرك أن مهادنة الأشرار أو الثقة بهم أو الاطمئنان إليهم تحمل معها كل الكوارث ، ... لقد دفع ما يقرب من نصف مليون

من الجنيهات ، فى محاولة التفاهم الأولى مع سنحاريب ، وقشر الذهب الذى على الهيكل ، لعل هذا يرضيه ، ... وكانت النتيجة أنه فتح شهيته أكثر للعدوان والابتلاع ، وهو يدرك الآن النتيجة الحتمية للمداورة مع الخطاة أو الاتفاق مع الأثمة.

وكان الأمر الثالث عنده " الإهانة " وهى إهانة لاسم اللّه الذى جدف عليه قبل أن تكون إهانة لحزقيا والأمة كلها ... لقد قرأ حزقيا أوراقاً قاسية ومذلة ومهينة !! ...

ذهب حزقيا بالأوراق إلى بيت اللّه ، ونشرها هناك أمام اللّه ، ولعلك تلاحظ كيف نشرها فى حضرة القدير ، .. لقد نشرها أولا وقبل كل شئ : متضعاً ، إذ مزق ثيابه وتغطى بمسح وركع فى حضرة اللّه ، والنفس المتضعة تكسب كل شئ فى حضرة

الله.. وعلى العكس ليس هناك شئ يمقته القدير مثل النفس المتعجرفة المتكبرة ، وشتان ما بين حزقيا المتضع، وسنحاريب الذى قال له اللّه : " من عيرت وجدفت ؟ وعلى من عليت صوتاً وقد رفعت إلى العلاء عينيك على قدوس إسرائيل" " 2 مل 19 : 22 " .

عندما أراد الرومانيون أن يصنعوا تمثالا للامبراطور قسطنطين ، كانت طلبته أن يصنعوا تمثاله ، وهو راكع على قدميه ، ... إن أى إنسان مهما قوى فى الأرض لا يزيد فى واقع الحال عن الصورة التى ذكرها

إشعياء : " هل تفتخر الفأس على القاطع بها أو يتكبر المنشار على مردده ، كأن القضيب يحرك رافعه ، كأن العصا ترفع من ليس هو عوداً " " إش 10 : 15 " ولا يجوز لإنسان ما أن يرفع عينيه تجبراً وتكبراً على

اللّه ... ونشر حزقيا الأوراق تائباً ، ... لقد ذهب إلى اللّه يعترف بحماقته فى محاولة التفاهم أو الاتفاق مع سنحاريب ، أو الاتجاه إلى المصريين أو غيرهم ضده ، أو كما أفصح ارميا بعد ذلك : " هكذا قال

الرب : ملعون الرجل الذى يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه ... مبارك الرجل الذى يتكل على الرب ويكون الرب متكله " .. ونشر حزقيا الأوراق مقراً بعجزه الكامل ، فهو لا يأتى

مستنداً إلى جيش أو قوة بشرية أو معونة تأتيه من هنا أو هناك ، بل هو مثل المرأة الماخض : " لأن الأجنة قد دنت إلى المولد ولا قدرة للولادة " ... وليس هناك إحساس بالعجز مثل هذا الإحساس على أنه كان

عظيماً وهو يقدم الأوراق إلى شريكه الأعظم ، الذى قال : " جدف على غلمان سنحاريب " ... وخير لنا أن ندرك أن اللّه شريكنا فى كل شئ ، وأنه من واجبنا أن نضع الأوراق بين يدى الشريك الذى معه أمرنا ... فى

تلك الأيام التى كثرت فيها الحروب بين أسبانيا وفرنسا ، حدث ذات مرة أن الأسبان حاصروا جيشاً فرنسيا حصاراً قاسياً ، وطلبوا من قائده التسليم ، وإذا بالقائد يمسك ورقة ويربطها فى سهم ويقذف

بالسهم ، وكان على العبارة : " لا يمكن أن نسلم ومعنا ملك " ونحن نستطيع فى كل الظروف أن نؤكد للعالم أن قوتنا فى الشريك الذى لا يمكن أن يتخلى عنا !! ... وآخر كل شئ أنه بسط الأوراق مصلياً ، وقد صلى

معه اشعياء ، ولم تكن صلاته فى الواقع إلا كشفا للأمور كلها ، ومع أن اللّه يعلم كل شئ ، ... لكنه يريدك أن تبسط المشكلة بنصها وفصها !! ... ومع أن اللّه فى كل مكان ، ويسمع ولو من أطراف الأرض ، إلا أنه

يسر كثيراً بالنفس التى تشــــق الطريق إليه وتركع بين يديه !! .. وإذا كان آخر ما تتجه إليه أفكار العسكريين فى حروب المستقبل استخدام الفضاء والكواكب الأخرى فى شن الهجوم على المواقع التى

يريدون اكتساحها فى الأرض ، ... وإذا كانت هذه هى آخر أحلام عباقرة الحروب فمن اللازم أن نذكرهم أن هذا ليس بالأمر الجديد على المؤمن ، ... لقد طلب حزقيا نجدة من عالم آخر غير عالمنا الأرضى ، فجاءته

نجدة السماء من العالم غير المنظور ، ... وضرب ملاك اللّه فى ليلة واحدة مائة وخمسة وثمانين ألفاً من جيش سنحاريب ، وإذا هم فى الصباح جثث هامدة ، وإذا بالطاغية يعلم أن : " الرب يقاتل عنكم وأنتم

تصمتون " ... وإننا نستطيع أن نغنى أغنية المرنم العظيم : " لولا الرب الذى كان لنا لولا الرب الذى كان لنا عندما قام الناس علينا إذا لابتلعونا أحياء ، عند احتماء غضبهم علينا إذا لجرفتنا المياه ،

لعبر السيل على أنفسنا ، إذا لعبرت على أنفسنا المياه الطامية ، مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة لأسنانهم ، انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين ، الفخ انكسر ونحن انفلتنا ، عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض " .. !! .

حزقيا والمرض القاتل الذى شفى منه :

وإذ نتحول من معركة سنحاريب ، إلى معركة أخرى دخلها الملك حزقيا ، وهى أيضاً معركة حياة أو موت ، .. بل هى - فى تتعبير أدق - معركة انتزاع الحياة من بين براثن الموت ، أو معركة إلغاء حكم الإعدام ، إن صح هذا التعبير ، ... وهى معركة تفجر عدة قضايا ما تزال تشغل الناس فى كل جيل وعصر ، وتثير سيلا من الأسئلة المحيرة ، والتى لابد من مناقشتها ، ولعل أهمها :

أولا : قضية العمر المحدود ، وقد درجنا على القول " العمر بيد اللّه " ، فإذا " كانت أيامه محدودة وعدد أشهره عندك وقد عينت أجله فلا يتجاوزه " " أيوب 14 :5"، فكيف يقال إن اللّه بعد أن حكم عليه بالموت ، عاد

فأطال عمره خمسة عشر سنة ، ومع أننا لا نستطيع أن نبلغ القصد الإلهى الأعلى ، إلا أن نفس الإطالة تؤكد أن العمر محدود ، وإن اللّه لا يترك حياة الإنسان تتخبط فى الأرض حتى يوقفها حادث عابر ، أو حظ عاثر كما

يقولون ، .. فما يبدو عابراً أو مصادفة أو شيئاً غير متعمد ، لو أدركنا الحقيقة لوجدناه يخضع لحكمة إلهية عظيمة ، ولعل خير مثال على ذلك ما حدث مع يهوشافاط وآخاب فى راموت جلعاد : " وأمر ملك آرام رؤساء

المركبات التى له الاثنين والثلاثين وقال : لا تحاربوا صغيراً ولا كبيراً إلا ملك إسرائيل وحده ، فلما رأي رؤساء المركبات يهوشافاط قالوا : إنه ملك إسرائيل فمالوا عليه ليقاتلوه فصرخ يهوشافاط ... وإن رجلا

نزع فى قوسه غير متعمد وضرب ملك إسرائيل بين أوصال الدرع فقال لمدير مركبته : رد يدك وأخرجنى من الجيش لأنى قد جرحت " " 1 مل 22 : 31 - 34 " .. لقد دافع اللّه عن يهوشافاط عندما صرخ ، وأطلق اللّه السهم غير المتعمد

بيد الجندى ليقضى على الرجل الذى كان لابد أن يموت فى المكان والزمان المعينين : " فمات الملك وأدخل السامرة فدفنوا الملك فى السامرة وغسلت المركبة فى بركة السامرة فلحست الكلاب دمه وغسلوا سلاحه حسب كلام

الرب الذى تكلم به " " 1 مل 22 : 37 و 38 ".. إن الكلب الذى يقف خصيصاً للحس الدم ، لا يترك مجالا لتصور الصدفة !! ... والقضية الثانية التى يفجرها مرض حزقيا هى تشابك الأسباب الإلهية بالأسباب الظاهرة البشرية ، ..

فمن المؤكد أن مرض حزقيا كان كافياً لقتله ، وكان اللّه صادقاً كل الصدق فى إبلاغه بالموت ، كالقول إن المسموم الذى يسرى السم فى جسمه لابد أن ينتهى إلى الموت ، وأغلب الظن أن خراجا قاتلا أرسل السم فى جسم

حزقيا ، غير أن المسموم يمكن أن يجد مجالا للنجاة ، إذا عمل مثلا مشرط الطبيب فيه أو استخدمت وسائل ناجحة فى الوقت المعين ... أو أن القضية - فى لغة أخرى - تشابك الإرادة الإلهية وحرية الإنسان ، ... وقد دخل

على المرض القاتل أمران بشريان لو تخلف واحد منهما أو كلاهما لمات الملك بدون أدنى شك ، وهذان الأمران هما : الصلاة الصارخة إلى اللّه ، واستخدام الوسيلة البشرية بوضع قرص تين على الدبل فيبرأ ، وكلا

الأمرين جزء من قانون اللّه الذى وضعه للناس ، فى قدرة الصلاة ، واستخدام الوسائل البشرية من أدوية أو أطباء ، أو كما قال واحد من أبرع الأطباء العالميين ، وكان جراحاً إنجليزياً : " أنا أجرى العملية

واللّه الذى يشفى " ، ... وهنا نفهم كيف يفعل اللّه كل شئ ، لأنه أمر فى قضائه الأعلى أن يجتاز حزقيا أبواباً ، وأمر أن تنطلق الحرية البشرية فى أوسع حدودها ، فإذا بحزقيا يصرخ أمام الله ، ويقبل اللّه صراخه

، ودموعه ، ... ويقبل الوسيلة التى هى فى حد ذاتها لا شئ ، ولكنها إعلان لنشاط الإنسان فى حدود طاعة اللّه ، ويجوز أيضاً القول إن حزقيا ساهم فى الشفاء باستسلامه لمشيئة اللّه ، فهو لا يملك إلا أن يصرخ

ويصلى ، وساهم أيضاً باستخدام الوسيلة البسيطة القاصرة فى حد ذاتها ، واثقاً من القدرة الكامنة خلفها !! والقضية الثالثة التى يثيرها المرض المشار إليه : هو : " هل للصلاة قدرة على أن توقف الإرادة الإلهية أو تغيرها ، كما يبدو من ظاهر الأمر " ؟ ..

والحقيقة أن الصلاة لا تغير إرادة اللّه ، بل بالحرى تتمها وتنفذها ، أو هى الجزء الفعال الخفى فى إتمام هذه الإرادة الصحيحة ، المجيدة المباركة ، ولو تخلف هذا فى قصة حزقيا لكان المرض كافياً لقتله ،

أعلن اللّه حقيقة المرض ، وترك للمريض مع ذلك استئناف الحكم الإلهى !! .. واللّه يريد فى القصة أن يفتح الباب بلا حدود أو سدود أو قيود أمام قدرة الصلاة العجيبة أمام اللّه ، ... لقد طلب حزقيا علامة ، وكانت

العلامة رجوع الظل الدرجات " التى نزل بها بدرجات آحاز عشر درجات إلى الوراء"، فرجعت الشمس عشر درجات من الدرجات التى نزلتها ، ... ومهما اختلف الشراح فى تفسير هذه المعجزة ، وهــل هى كسوف للشمس كما يعتقد

البعض ، أو هى رؤية صحيحة ، حدثت أمام العيون للمزولة التى كان يقاس بها الزمن فى ذلك التاريخ أو هو تغيير دوران الأرض ، كلها ، كما حدث يوم يشوع ، ؟ ... فإنها على أى حال معجزة كبيرة بالنسبة للإنسان ،

وصغيرة جداً بالنسبة للقدرة الإلهية ، ومهما كانت المعجزة فى نظر الإنسان ، فهى لا شئ أو أقل من لا شئ ، أمام اللّه جلت قدرته !! ... واللّه يمكن أن يهز الكرة الأرضية كلها عند صرخة واحد من أولاده فى ضيق أو

مأزق!! ... وفى هذا تشجيع دائم للإنسان ليقتحم المستحيل أو الطريق المسدود ، ... وهى صوت يكرر أمام الموت الثابت المؤكد قول المسيح لمرثا قديماً : " ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد اللّه " ؟ ... ما أروع وأعظم

استئناف حكم الموت أمام الجلال الإلهى ! حيث يصلى الإنسان صلاة حزقيا الملك ، أو حيث يصرخ إيليا إلى الرب : " وقال أيها الرب إلهى : أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها " ؟ ! " 1 مل 17

: 20 " ، أو حيث تترك الشونمية ابنها مسجى فى البيت ، إلى اليشع الذى يعيده مرة أخرى إلى الحياة !! .. يا أبناء اللّه فى كل جيل وعصر : ليست هناك حدود إلى الأبد أمام إيمان أصغر أبناء اللّه ، فعليكم بالصلاة فى كل مشكلة ومأزق !! ..

وهكذا اجتاز حزقيا باب الموت ، الذى دخله أمامه فى يوم وليلة مائة وخمسة وثمانون ألفاً من جنود سنحاريب ملك آشور .

حزقيا وغيمة الغروب :

وجاءت الغيمة الغريبة التى طالما لفت الكثيرين من الأتقياء من ملوك يهوذا عند الغروب ، ونحن ما نزال نلح فى السؤال : لماذا يصر الكتاب على ذكر هذه الغيمة التى خيمت على حياة حزقيا والتى وصفها كاتب سفر

الأخبار " وهكذا فى أمر تراجم رؤساء بابل الذين أرسلوا إليه ليسألوا عن الأعجوبة التى كانت فى الأرض ، تركه اللّه ليجريه ليعلم كل ما فى قلبه "2 أى 32 : 31 " .. لقد جاء هؤلاء من بابل موفدين من قبل الملك لتهنئة

حزقيا على شفائه ، وأعجب به الظل الراجع فى المزولة !! ... وأراهم حزقيا مجده وكنوزه وعظمته !! .. وعادوا إلى بابل وعيونهم مفتوحة على هذه الكنوز، حتى يأخذوها ويسلبوها فى يوم من الأيام !! ... وقد أوضح الكتاب

هذه الحقيقة ليؤكد أكثر من مغزى ومعنى ، أولهـــا وأهمها : أن الترك الإلهى لأقوى مؤمن فى الأرض ، أشبه بالتيار الكهربائى الذى ينتهى من السلك فى نفس اللحظة التى يعزل فيها التيار عنه فنضحى فى الحال لعبة

الشيطان مهما كانت قوتنا واختبارنا السابقين ، ونحن، نرى هنا كيف يفشل الإنسان الذى : " تركه الرب ليجربه ليعلم كل ما فى قلبه " ... كما أن الغيمة فصلت الرجل الذى أخذ بالإعجاب بنفسه بعد الأعجوبة الكبرى ،

ومركز القوة الذى وصل إليه ، ... وهى للأسف تجربة الناجحين عندما يأخذهم الشيطان بالغرور والكبرياء ، وقد نسو للحظة دموع الألم والفشل والقنوط التى كانوا عليها ، ... لقد عاد الرجل من أبواب الموت ، وهز

اللّه من أجله الأرض كلها ، وارجع الشمس إلى الوراء ومن مثله بين الناس ؟!! .. وفى ظل الغيمة دخل الرجل فى الحماقة القاسية إذ فتح كنوزه أمام اللص الذى يسيل لعابه ، وطرح القدس للكلاب ، والدرر أمام

الخنازير التى تدوسها بالأقدام ، وترجع لتمزقه !! ... مسكين حزقيا إنه واحد منا جميعاً أمام ذاك الذى " السماء ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب حماقة فكم بالحرى سكان بيوت من طين الذين أساسهم فى

التراب ويسحقون مثل العث " !! ... وهو واحد منا نحن الذين نحتاج على الدوام لحكمته وسنده وقوته وعونه ورحمته صارخين مع موسى : " إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا " ومـــع داود : " لا تطرحنـــى من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منى "

الكويت تعلن وقف إصدار تصاريح عمل للعمالة المصرية

تنويه : المواضيع والمقالات في هذا القسم تمت إضافتها بواسطة الاعضاء وليس إدارة الموقع .. اذا لاحظت موضوع او مقال لايليق او يتعارض مع إحترام الحريات والأديان.. من فضلك إخبرنا بذلك و إتصل بنا لعمل اللازم.