خالد منتصر - الوطن
| 20 سبتمبر 2025

زادت معلوماتنا وزاد معها خوفنا؟

زادت معلوماتنا وزاد معها خوفنا؟
هل معقول عندما تزيد معلوماتنا إلى الحد الذى وصلنا إليه الآن يزيد خوفنا وينقص أماننا، يجيب يوفال نوح هرارى فى كتابه Nexus الشبكة: نعم، لكن لماذا نحن بارعون إلى هذا الحد فى جمع المزيد من المعلومات والقوة، ولكننا أقل نجاحاً فى اكتساب الحكمة؟.

لقد اعتقدت العديد من التقاليد عبر التاريخ أن بعض العيوب القاتلة فى طبيعتنا تغرينا بملاحقة قوى لا نعرف كيف نتعامل معها، ويذكر هرارى الأسطورة اليونانية عن فتى يكتشف أنه ابن هيليوس، إله الشمس، ورغبة منه فى إثبات أصله الإلهى، يطالب فايثون بامتياز قيادة عربة الشمس، ويحذر هيليوس فايثون من أنه لا يمكن لأى إنسان أن يتحكم فى الخيول السماوية التى تجر عربة الشمس، ولكن فايثون يصر على ذلك، حتى يستسلم إله الشمس، وبعد أن يرتفع بفخر فى السماء، يفقد فايثون السيطرة على العربة، وتنحرف الشمس عن مسارها، فتحرق كل النباتات، وتقتل العديد من الكائنات، وتهدد بحرق الأرض نفسها.

ويتدخل زيوس ويضرب فايثون بصاعقة، ويسقط الإنسان المتغطرس من السماء مثل نجم ساقط، ويحترق هو نفسه، بعد ألفى عام، تتكرر الحكاية بتفاصيل أخرى مختلفة، عندما كانت الثورة الصناعية تخطو خطواتها الأولى وبدأت الآلات تحل محل البشر فى العديد من المهام، نشر يوهان فولفغانغ فون جوته حكاية تحذيرية مماثلة بعنوان متدرب الساحر.

تحكى قصيدة جوته (التى اشتهرت لاحقاً كفيلم رسوم متحركة من إنتاج والت ديزنى بطولة ميكى ماوس) كيف يترك ساحر عجوز متدرباً شاباً مسئولاً عن ورشته ويعطيه بعض الأعمال المنزلية ليقوم بها أثناء غيابه، مثل جلب الماء من النهر.

يقرر المتدرب أن يجعل الأمور أسهل بالنسبة له، وباستخدام إحدى تعويذات الساحر، يسحر مكنسة لجلب الماء له. لكن المتدرب لا يعرف كيف يوقف المكنسة، التى تجلب بلا هوادة المزيد والمزيد من الماء، مما يهدد بإغراق الورشة.

فى حالة من الذعر، يقطع المتدرب المكنسة المسحورة إلى نصفين بفأس، فقط ليرى كل نصف يصبح مكنسة أخرى.

الآن تغمر مكنستان مسحورتان الورشة بالمياه. وعندما يعود الساحر العجوز، يتوسل المتدرب للمساعدة: الأرواح التى استدعيتها، لا أستطيع الآن التخلص منها مرة أخرى. يكسر الساحر التعويذة على الفور ويوقف الفيضان. الدرس للمتدرب -وللبشرية- واضح: لا تستدعى أبداً قوى لا يمكنك السيطرة عليها، يخلص يوفال نوح هرارى فى النهاية إلى أنه من الواضح أننا نحن البشر رفضنا الالتفات إلى التحذيرات، بمنتهى العناد والصلف، لقد أخرجنا بالفعل مناخ الأرض عن التوازن واستدعينا مليارات من المكانس المسحورة والطائرات بدون طيار وروبوتات الدردشة وغيرها من الأرواح الخوارزمية التى قد تفلت من سيطرتنا وتطلق العنان لطوفان من العواقب غير المقصودة.