د. خالد منتصر -الاهرام
| 16 يونيو 2025

أسئلة بين الأسد الصاعد والوعد الصادق.. بقلم د.خالد منتصر

أسئلة بين الأسد الصاعد والوعد الصادق.. بقلم د.خالد منتصر
إطلاق الأسماء على المعارك الحربية ليس اعتباطاً، ولا من باب اللعب بالألفاظ، أو يتم اختياره بضرب الودع، ولكنه يعكس أيديولوجية تفكير، ومنهج تعامل، وفلسفة حياة، الأسد الصاعد وهو الاسم الذى أطلقته إسرائيل على عملية ضربها للعمق الإيرانى، والوعد الصادق الاسم الذى أطلقته إيران على عملية ضرب تل أبيب بالصواريخ الباليستية، هما وصفان مستمدان من المرجعيات الدينية لكل طرف، إسرائيل تستدعى من التوراة، وإيران تستدعى من قصة المهدى المنتظر وعقائد الشيعة، الأول مستلهم من أحد الأسفار اليهودية، النص هو شعب كالأسد يقوم.. وكالليث يشرئب.. لا ينام حتى يأكل فريسته ومن دم ضحاياه يشرب، أما وصف الوعد الصادق فهو يحمل دلالات رمزية ودينية وسياسية مستلهمة من التراث الشيعى، وهى ليست عشوائية، بل تم اختيارها بعناية لعدة أسباب منها المرجعية الدينية والشيعية، فعبارة الوعد الصادق مرتبطة بالمهدى المنتظر فى العقيدة الشيعية،

حيث يُلقَّب الإمام المهدى بلقب الصادق الوعد أو يُشار إليه بـالوعد الإلهى الصادق بصفته المخلّص الذى سيعود لينتقم من الظالمين ويقيم العدل، استخدام هذا الاسم يوحى بأن العملية امتداد لخط المقاومة الإلهية والانتقام الإلهي، ما يضفى عليها طابعًا دينيًا مقدساً، ويمنحها وهجاً وجدانياً لشعب عقيدته بها قصص كثيرة عن التضحية، وطقوس عديدة فيها الكثير من الإحساس بالذنب لخذلان آل البيت، ومن المرجّح أن الاسم جاء كرد رمزى على اغتيال قاسم سليمانى، حيث كانت طهران قد وعدت بـانتقام قاسٍ بعد مقتله، وتسميتها بـالوعد الصادق أيضاً تعنى أن إيران أوفت بوعدها بالرد، وبالتالى تؤكد صدق تهديداتها السابق، والاسم أيضاً له بعد إعلامى وسياسى وليس دينياً فقط، فالاسم يحمل بُعدًا دعائيًا، وكأن إيران تريد أن تقول لحلفائها وأعدائها إن تهديداتها ليست مجرد كلام، بل أفعال، وبالتالى تعزز مصداقيتها أمام جمهورها الداخلى والخارج، رسالة لإسرائيل والغرب،

فالوعد الصادق قد يُفهم أيضًا كرسالة إلى إسرائيل بأن إيران لن تتراجع عن سياساتها فى دعم فصائل المقاومة، ولن تقف مكتوفة الأيدى أمام الهجمات على حلفائها أو أراضيها، خاصة أن حزب الله قد أطلق على عمليته ضد إسرائيل من قبل نفس الاسم، والسؤال الأهم بعد جدل التسميات والألقاب والصفات على تلك المعركة، هل من الممكن أن يُسقط الأسد الصاعد بتلك الضربة نظام الوعد الصادق، والذى ظهر فى خطاب نيتانياهو إلى الشعب الإيرانى والذى طالبه بالخروج لإسقاط النظام؟، الإجابة من وجهة نظرى أن سقوط النظام الإيرانى بسبب ضربة عسكرية إسرائيلية فقط هو أمر غير وارد فى السياق الواقعى والاستراتيجى الحالى، كل ما يمكن أن تفعله ضربة إسرائيلية هو ضرب منشآت نووية أو عسكرية حساسة قد تؤخر البرنامج النووى أو تُحرج النظام، وتُشعل توتراً شعبياً مؤقتاً إذا فُسّرت على أنها نتيجة فشل حكومى، وتحرج القيادة أمام الشعب إذا لم ترد أو بدا الرد ضعيفاً، وقد ردت إيران بالصواريخ الباليستية وأنقذ النظام ماء وجهه أمام الشعب، هذه الضربة لن تُسقط النظام، فالنظام لديه قبضة أمنية قوية جداً من الحرس الثورى وأجهزة الاستخبارات (مثل استخبارات الحرس والباسيج) قادرة على سحق أى احتجاجات بسرعة، وعادة الضربات الخارجية توحد الشعوب خلف حكوماتها، حتى المعارضون قد يرون أن الوقت ليس مناسباً لإسقاط النظام تحت قصف أجنبى، الدعم الخارجى للنظام مثل الصين وروسيا لن يتركا النظام يسقط بسهولة، لأنه عنصر مهم فى التوازن الإقليمى، وهناك من ناحية الرؤية التاريخية، فالتاريخ الإيرانى يُظهر قدرة كبيرة على امتصاص الصدمات، فقد رأينا أن حرب العراق (8 سنوات) لم تسقط النظام.

فكيف بضربة واحدة أو حتى حملة جوية محدودة تسقطه؟، النظام لن يسقط إلا إذا تراكمت الضربات العسكرية مع انهيار اقتصادى داخلى وشعبى عام (مثلما حدث فى الاتحاد السوفيتى)، أو إذا انقسمت النخبة الحاكمة (خامنئى + الحرس الثوري) داخلياً بسبب الضغوط، الخسائر حقاً ليست بسيطة، وأرى أن الأخطر من اغتيال القادة العسكريين، هو اغتيال العلماء المتخصصين، والذى يستغرق تكوين الواحد منهم حتى يصل إلى هذا المستوى الرفيع من الخبرة فى العلوم النووية، سنين وجهداً وخبرة وبعثات تعليمية، هذا المخ الذى تفجر برصاصة، كان يحمل من الأسرار والمعادلات ما يعتبر أهم من آبار النفط، من هم هؤلاء العلماء الذين اعتبر اغتيالهم أكبر خسائر إيران من خلال المعلومات الضئيلة المتاحة؟، أولهم فريدون عباسى - دَوانى، وهو رئيس سابق للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية (من 2011 حتى 2013)، ونائب برلمانى سابق (عضو فى البرلمانات الـ11)، برتبة عميد فى الحرس الثورى، الثانى محمد مهدى طهرانشى أستاذ فيزياء نظرية بجامعة شَهيد بهشتى، عمل بمعهد أبحاث الليزر والبلازما، رئيس سابق لفرع جامعة آزاد فى طهران وعضو مجلس امناء الجامعة، أحمد رضا ذو الفقّارى، أستاذ الهندسة النووية بجامعة شهيد بهشتى فى طهران، وهو خبير أساسى فى برامج الأبحاث النووية الإيرانية، إذن خطأ كبير أن نجزم الآن أن النظام الإيرانى قد سقط بسبب تلك الضربة، فالرد الصاروخى حتى ولو تأثيره محدودا على مستوى الضحايا أو الخسائر، فأثره المعنوى على الداخل الإيرانى وتماسكه ووقوفه خلف النظام أثر كبير وإيجابى، ويجعل من سقوطه أمنية صعبة، وأهم نقطة لفتت نظرى فى تلك الضربة المباغتة الأولى من إسرائيل لإيران، هى استهداف العلماء المتخصصين فى تطوير المفاعلات النووية والإشراف على تخصيب اليورانيوم وبرامج الطاقة النووية، وليس استهداف الملالى أو الرموز الشيعية الكبرى فى قم، مما يدل على أن إسرائيل تعرف مكمن الخطر الحقيقى عليهم، العلم والعلماء، فهى قد ركزت منذ أن تولى رئاستها فى بداية إنشائها عالم متخصص فى الكيمياء، ثم اهتمامها بالمعاهد العلمية ومراكز البحوث العلمية، وتخصيص ميزانيات ضخمة لها، ببساطة هى تعرف أن الخطر يطل عليها من نافذة المعمل، وليس من عمامة الإمام.