في منشور لافت عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك، نشر المتروبوليت نقولا مطران إرموبوليس (طنطا) وتوابعها والمفوّض البطريركي للشؤون العربية خريطة تفصيلية لمسار لجوء العائلة المقدسة إلى مصر، مرفقة بشرح تاريخي وجغرافي للطريق الذي يُرجّح أنهم سلكوه خلال تلك الرحلة المفصلية في التاريخ المسيحي.
ويستند هذا الطرح إلى الرواية الواردة في إنجيل متى (2: 13-23)، التي تروي قصة هروب يوسف النجار والسيدة مريم والطفل يسوع إلى مصر، هربًا من أمر الملك هيرودس الكبير بقتل أطفال بيت لحم الذكور. ورغم الطابع اللاهوتي الواضح للنص
الإنجيلي، فإن عدداً متزايداً من المؤرخين وعلماء الآثار حاولوا خلال السنوات الأخيرة مقاربة هذه القصة من زاوية تاريخية وجغرافية، بالاعتماد على معطيات المكان، والسياق السياسي لتلك المرحلة، إلى جانب التقاليد المسيحية الراسخة في مصر.
ويُعرف هيرودس الكبير، الذي حكم بين عامي 73 و4 قبل الميلاد، بقسوته الشديدة، إذ لم يتردد في إعدام عدد من أفراد أسرته بدوافع سياسية. ورغم أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس لم يذكر حادثة مذبحة الأطفال صراحة، فإن سلوك هيرودس المعروف يجعل الرواية الإنجيلية منسجمة مع طبيعة تلك الحقبة المضطربة.
أما بشأن مسار الرحلة، فيرجّح الباحثون أن يوسف غادر بيت لحم سرًا ليلًا، بعد أن تلقى تحذيرًا في حلم، متجهًا بعائلته نحو الأراضي المصرية في رحلة شاقة تراوح طولها بين 500 و650 كيلومترًا. ويُحتمل أنهم
سلكوا أحد طريقين رئيسيين: الطريق الساحلي التجاري المعروف باسم فيا ماريس، الذي يمر من غزة على طول ساحل البحر المتوسط وصولًا إلى بيلوسيوم، أو الطريق الداخلي عبر إليوثيروبوليس (بيت جبرين) وبئر السبع،
ثم عبور سيناء وصولًا إلى شرق الدلتا. وكانت هذه الرحلة تستغرق ما بين ثلاثة إلى خمسة أسابيع، وفقًا لوتيرة السفر المعتادة آنذاك، والتي تراوحت بين 18 و25 كيلومترًا يوميًا سيرًا على الأقدام أو على ظهور الدواب.
ولا يحدد الإنجيل مدة إقامة العائلة المقدسة في مصر بدقة، مكتفيًا بالقول إنهم مكثوا هناك حتى وفاة هيرودس. وبما أن وفاته وقعت عام 4 قبل الميلاد، يُقدّر أن الإقامة امتدت من عام إلى ثلاثة أعوام. ويشير التراث
المسيحي المصري إلى مرور العائلة بعدد كبير من المواقع، من بينها بيلوسيوم، والمطرية قرب هليوبوليس القديمة، ومنف، وصولًا إلى دير المحرق قرب أسيوط، الذي يُعد أقصى نقطة جنوبية بلغتها الرحلة، ولا يزال قائمًا حتى اليوم.
وقد وثّق علماء المصريات ما يُعرف بطريق العائلة المقدسة، الذي يضم نحو 25 موقعًا داخل مصر. ورغم غياب الأدلة الأثرية القاطعة، فإن وجود مستوطنات يهودية ومراكز تجارية في هذه المواقع خلال القرن الأول قبل الميلاد وبدايات العصر الميلادي يمنح الرواية مصداقية جغرافية وتاريخية معتبرة.
وبعد وفاة هيرودس، تلقى يوسف إشارة في حلم بالعودة، لكنه فضّل عدم الرجوع إلى بيت لحم بعد علمه بحكم أرخيلاوس، فاختار الاستقرار في الناصرة بالجليل. ويُرجّح أن رحلة العودة سلكت مسارًا مشابهًا عبر غزة ثم شمالًا، واستغرقت بدورها عدة أسابيع، لتطوي فصلًا إنسانيًا وروحيًا عميقًا من تاريخ المنطقة.



