تحتفل الكنائس التي تتبع التقويم الغربي بعيد الميلاد المجيد في الخامس والعشرين من ديسمبر، في أجواء روحية مفعمة بالفرح والرجاء، يستعيد المؤمنون سر التجسد الإلهي بوصفه الحدث الفاصل الذي غير مسار التاريخ، معلنًا ميلاد السيد المسيح نورًا للعالم وبدايةً لرجاء الخلاص.
ويعد عيد الميلاد أحد أعظم الأعياد في التقويم الكنسي، حيث تتجسد فيه معاني المحبة والسلام من خلال القداسات والصلوات والترانيم التي توحد المؤمنين حول رسالة الميلاد القائمة على العطاء والرجاء وتجديد الإنسان.
تحرص الكنائس الغربية، على اختلاف طوائفها، على إحياء المناسبة بطقوس روحية تمتد منذ زمن المجيء وحتى ليلة العيد، حيث تضاء الشموع، وتزين الكنائس، وترفع الصلوات من أجل السلام في العالم، كما تكتسب الاحتفالات بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا بارزًا من خلال مبادرات العطاء والتضامن، تأكيدًا على أن الميلاد رسالة حية تتجاوز الطقس إلى الفعل.
في تمام الثامنة مساء يوم 24 ديسمبر، تدق أجراس الكنائس التي تتبع التقويم الغربي في مصر، إيذانًا ببدء قداس عيد الميلاد المجيد وفق التقويم الغريغوري، ويشمل ذلك كنائس الأقباط الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك، والسريان الكاثوليك والأرثوذكس، والكلدان، إلى جانب الكنيسة الأنجليكانية الأسقفية.
ويحتفل أبناء هذه الكنائس بالعيد يوم 25 ديسمبر وسط حضور كثيف من المصلين، في أجواء روحانية تميزت بالترانيم والصلوات ورسائل المحبة والسلام.
كما تقيم كنيستا الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس في مصر قداسات عيد الميلاد وفق التقويم الغربي، حيث يترأس البابا ثيؤدوروس الثاني، بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس، قداس العيد في كنيسة القديس نيقولاوس بالمقر البطريركي في منطقة الحمزاوي بالقاهرة.
قبيل انطلاق الاحتفالات، وجه عدد من رؤساء الكنائس رسائل روحية بمناسبة عيد الميلاد، ركزت على معاني التجسد الإلهي والرجاء والسلام.
وأكد البابا ثيؤدوروس الثاني، في رسالته، أن ميلاد المسيح ليس حدثًا تاريخيًا عابرًا أو مناسبة احتفالية فحسب، بل فعل إلهي فريد يحمل معنى أبديًا، ودعوة وجودية للإنسان للسير نحو التألّه بالنعمة. مشيرًا إلى أن تجسد الكلمة كشف القيمة الفريدة للإنسان وفتح طريق تجديد الخليقة.
وتوقف البابا ثيؤدوروس عند هروب العائلة المقدسة إلى مصر، معتبرًا إياها رمزًا للحماية الإلهية وملجأً للمتألمين، مؤكدًا أن مصر صارت "المذود الحامل للإله" وعلامة ضيافة كونية، داعيًا إلى ترجمة الإيمان إلى محبة عملية، لا سيما تجاه اللاجئين والأطفال المتألمين في القارة الأفريقية.
وحذر من تحويل عيد الميلاد إلى مناسبة استهلاكية، مؤكدًا أن العيد الحقيقي هو مقاومة روحية للمادية، وتجديد للحرية الداخلية، ومشاركة حقيقية في سر التدبير الإلهي، حيث يولد المسيح بالروح في قلوب المؤمنين.
وأشار إلى أن الكنيسة، بوصفها جسد المسيح وحاملة النعمة، مدعوة إلى إعلان رسالة العدل والسلام والمحبة، والعمل على تحويل الواقع الإنساني من خلال العبادة والخدمة، دون انسحاب من العالم بل بحضور فاعل فيه.
من جانبه، أوضح الأنبا نيقولا أبرز ملامح الملابس الطقسية التي يرتديها البابا ثيؤدوروس الثاني خلال قداس العيد، مشيرًا إلى أنه يضع تاجين بالتبادل، أحدهما يميزه وحده بين بطاركة الروم الأرثوذكس، لكون بابا الإسكندرية يحمل لقب "بابا" أي
"أبو النساك"، إلى جانب لقب البطريرك، بينما التاج الآخر هو الـ"ميترا" الشائع بين بطاركة العالم.
كما يرتدي بطرشيلين، أحدهما تحت الساكوس كغيره من البطاركة، والآخر فوق الساكوس، وهو امتياز خاص لبطريرك الإسكندرية منذ منحه لقب “قاضي المسكونة” عام 996م.
بدوره، وجه البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، رسالة ميلادية مؤثرة، دعا فيها المؤمنين إلى التأمل في ميلاد الطفل الإلهي الذي اختار المغارة، مؤكدًا أن الميلاد دعوة لطرح أثقال الحياة عند مذود بيت لحم، والفرح رغم قسوة المحن.
وشدد على أن المسيح جاء ضعيفًا في الظاهر لكنه يحمل قوة تُبدّد ضعف الإنسان، وجاء صامتًا لكن صمته أبلغ من كل خطاب، ليزرع الرجاء في قلوب المتعبين وينير ظلمات العالم.
واختتم رسالته بالصلاة من أجل الراقدين، والمرضى، والمتألمين، متمنيًا أن تعود هذه الأيام المباركة على الجميع بالخير والسلام، وأن يظل نور طفل المغارة مشعًا في حياة الكنيسة والعالم.



