ما ورد على لسان المذيعة هند الضاوي في برنامج «حديث القاهرة» المذاع على قناة القاهرة والناس، من ادعاء ( بأن سفر إشعياء كُتب في القرن الخامس عشر الميلادي .. بالتالي فهناك تدخل سياسي في مسألة صياغة النصوص الدينية لخدمة مصالح القوة الاستعمارية.
ان ما تدعيه المذيعة غير صحيح علميًا وتاريخيًا، ويُمثل طعنًا صريحًا في صحة أحد أسفار الكتاب المقدس دون أي سند علمي موثوق. وازدراءً للدين المسيحي، ومخالفة للقانون.
وفي ديسمبر 2025، عادت نفس التصريحات لتطفو على السطح مجددًا، وتُعاد تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار غضبًا واسعًا بين المسيحيين.
فلم يكن الأمر مجرد تكرار للخطأ — بل كان إصرارًا على الإساءة.
سفر إشعياء يُنسب تاريخيًا إلى النبي إشعياء بن آموص، الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، وهو ما تؤكده الدراسات الأكاديمية. والأهم من ذلك، أن لدينا أدلة أثرية قاطعة تنسف هذا الادعاء من أساسه.
وأبرز هذه الأدلة هي مخطوطات البحر الميت (قمران)، وعلى رأسها لفيفة إشعياء الكبرى، التي تحتوي على السفر كاملًا، وقد تم تأريخها علميًا إلى القرن الثاني قبل الميلاد. وهذا الدليل وحده كافٍ لإسقاط أي زعم بكتابة السفر في العصور الوسطى.
كما ان المقارنة بين نصوص قمران والنص المتداول اليوم تُظهر تطابقًا مذهلًا في المعنى والمضمون، بما يؤكد أن النص لم يتعرض لتحريف عبر القرون، بل نُقل بأمانة ودقة.
وحتى الآراء النقدية التي ناقشت وحدة سفر إشعياء أو مراحل تدوينه، لم تقل أبدًا إنه كُتب في القرن الخامس عشر.
وفي تقديري فإن إطلاق ادعاءات تمس عقائد دينية راسخة دون سند علمي يُعد مخالفة صريحة للقانون، ويشكل جريمة ازدراء الدين المسيحي، وتجاوز الحد المسموح به في الطرح، ويُصنف كهجوم مسيء على الكتاب المقدس والدين المسيحي الذي يؤمن به أكثر من ثلاث مليارات نسمة.
ويجب احترام معتقدات الجمهور، لا إثارة الجدل بمعلومات مغلوطة.
ونؤكد وبحق أن الادعاء بأن سفر إشعياء كُتب في القرن الخامس عشر هو ادعاء باطل تاريخيًا، مرفوض علميًا، وغير مهني إعلاميًا. والكتاب المقدس، بما فيه سفر إشعياء، ثابت نصيًا وتاريخيًا بشهادة المخطوطات والأبحاث الأكاديمية، وغيرها من الأدلة الدامغة — لا بالشائعات أو الآراء غير المستندة إلى دليل.
ونري أن تصريح المذيعة يُعد جريمة ازدراء الدين المسيحي مكتملة الأركان، وهذا ثابت من خلال تصريحها والتعدي بالقول وبطريق العلانية على الدين المسيحي.
ويستفاد ذلك من نص المادة (98 و) من قانون العقوبات، التي تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن.
ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يُعد ازدراء له. والازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في الديانات الإبراهيمية، أو الاعتداء على قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين، ومهاجمة العقيدة، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارًا.
إن حرية الاعتقاد والرأي مكفولة بمقتضى الدستور، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه. فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد، وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون.
وإن تصريح هذه المذيعة فيه أيضاً مخالفة لميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني، واستمرارها في ارتكاب المخالفات المهنية، وغير مسموح لها أو لغيرها ازدراء الدين المسيحي أو محاولة النيل من صحة الكتاب المقدس.
نحن نحتاج إلى ضبط الأداء الإعلامي، والتدقيق فيما يُقدم للمشاهدين واحترامهم، والالتزام بميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني، والبعد عن الأمور التي تحدث أي إثارة أو بلبلة. حيث خالف مثل هذا التصريح كود الأخلاق الذي نص على عدم الطعن في الثوابت الدينية، ومخالفة المادة (16) من لائحة الجزاءات والتي تنص على أن استخدام ألفاظ تؤذي مشاعر الجمهور مخالفة تقتضي توقيع الجزاء على المخالف.
والدستور المصري الصادر في 2014، في المادة 211 منه، أناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسؤولية وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على مقتضيات الأمن
القومي، وأوجب عليه القانون رقم 180 لسنة 2018 اتخاذ الإجراءات المناسبة اللازمة لبلوغ تلك الغايات، وخوَّله من الاختصاصات والسلطات، وأتاح له استخدام العديد من التدابير وتوقيع ما يراه ملائمًا من الجزاءات المعينة له في هذا المقام.
وطبقًا للمادة 211 من الدستور الصادر عام 2014 والمادة (94) من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام واللوائح الصادرة تنفيذا له، فإن هذا التصريح خالف ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني في باب أولاً المبادئ العامة في فقراتها أرقام (2، 4، 6، 9) والتي نصت على التالي:
1. الفقرة رقم 2: احترام القيم المجتمعية وآداب وتقاليد المهنة.
2. الفقرة رقم 4: احترام الوحدة الوطنية.
3. الفقرة رقم 6: احترام الكرامة الإنسانية وعدم الإساءة إلى أي فئة من فئات المجتمع.
4. الفقرة 9: تنص على احترام حقوق الجماهير مستمعين ومشاهدين.
كما تنص الفقرة الثانية في باب الواجبات، على عدم مخالفة الالتزام بالموضوعية في التناول، والتوا



