القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

فلسفة الريلز .. بقلم خالد منتصر

إغراءات السوشيال ميديا تتجدد يومياً، ابتكارات تتوالد سرطانياً وتخلق تنافسات على جذب المستهلك الذى يصبح سلعة فى نهاية الأمر، ومن ضمن تلك الإغراءات التى تفاجأ بها كلما دخلت لكتابة بوست على

فلسفة الريلز .. بقلم خالد منتصر

حسابك أو صفحتك أو وضع فيديو، إغراء الريلز، اصنع ريلز وسنزود لك مشاهداتك ومتابعيك.. إلخ، الريلز ليست مجرد مقاطع قصيرة للترفيه، إنها منطق جديد للحياة فى زمن السرعة واللهاث، وفلسفة حديثة تختزل

لك العالم ونفسك أيضاً فى ثوانٍ، لكن ما هى الفلسفة خلف الريلز، وكيف تقرأ العالم من خلال تلك الآلية ذات الإيقاع اللحظى؟ أولاً فلسفة زمن الومضة، اللقطة، لا الثرثرة، أو الزمن المترهل، حياتنا

الرقمية أصبحت مجزّأة إلى ثوانٍ، المحتوى صار سناك عقلى، دليفرى سريع، ممتع، وسهل الهضم، المشاهد يُكافَأ بجرعة الدوبامين المثيرة كل بضع ثوانٍ، معنى الحياة أصبح يُقاس بالـRetention Rate لا بالعمق،

الـRetention Rate هو معدل الاحتفاظ بالمشاهد من تلابيبه، من قفاه، هو نسبة الأشخاص الذين يكملون مشاهدة الفيديو حتى آخره أو حتى وقت معيّن منه، الخوارزمية تسأل: هل الفيديو قادر يشدّ انتباه المشاهد؟،

إذا كان معظم المشاهدين قد غادروا بعد 3 ثوانٍ، إذن الفيديو ضعيف، إذا أكملوا 80-100%، إذن الفيديو ممتاز، لو 100 شخص شافوا ريل، وأكمل 70 منهم لآخر ثانية، المعادلة تصبح أن الـRetention Rate = 70%، وكلما ارتفع

هذا المعدّل، يزيد انتشار الفيديو، وتعطيه الخوارزمية دفعة أكبر، مع الريلز يذوب معنى التاريخ، فهو سرد بلا سردية، وأحداث بلا تاريخ، الريلز شطب على مقولة ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود، صارت

أنا مرئى، إذن أنا موجود، كل شخص مخرج وبطل ومعلق، الذات تتحول إلى براند وعلامة تجارية، القيمة تُقاس بعدد المشاهدات لا بعمق التجربة، الإنسان يتعلم أن يعيش ليصوِّر، لا أن يصوّر لأنه عاش،

الهوية تُنتَج فى الكاميرا ومن خلال العدسة وبمهارة السيلفى، أكثر مما تُنتَج فى الذات وفى الداخل وبمهارة العمق والحكمة الإنسانية والخبرة الحياتية، أنت عبد للخوارزميات، فالخوارزمية تقرر ما

تشاهده، وتقرر ما يصبح شهيراً، وما سينساه الناس، الذوق الجمعى لم يعد يصنعه الناس بل الذكاء الاصطناعى، التريند هو الدين الجديد، الطاعة والانسحاق والذوبان والاندماج هى النجاح، فى الزمن

الرقمى أنت لست حراً كما تتوهم، الحرية الرقمية مجرد وهم منسّق جيداً، صارت البساطة هى التفاهة، نعيش فى وهم أننا نعرف ونحن نجهل أننا لا نعرف، صارت الخصوصية سلعة تباع فى سوق السوشيال ميديا،

والاستباحة شعار المرحلة، البيت والشعور والطفل والمرض.. إلخ، كل منها محتوى قابل وصالح للنشر والمكسب، العاطفة تتحول إلى Proof of Engagement، الذى يحدده دليل التفاعل، اللايك والكومنت والشير والتفاعل

بعد المشاهدة، اللايك وحده لم يعد كافياً، اعمل Content.. وإلا ستموت رقمياً، هذا هو الصراخ من حولك طوال الوقت، إنه زمن أصبحت النجاة فيه للأكثر ضجيجاً، إننا نعيش عصر الوباء، كورونا الهوس بجذب الانتباه، وفوبيا الانقراض الرقمى.

خالد منتصر - الوطن
02 ديسمبر 2025 |