مما لا شك فيه أن جلسة الصلح العرفية التى شهدتها قرية الجلف مركز بني مزار بالمنيا ، جاءت أحكامها وقراراتها كالعادة معروفة مسبقاً ، وبما هو يرضى الجماعات المتطرفة أصحاب الكلمة العليا بالمحافظة ، لصالح الطرف الظالم الذى قام
على تحريض مجموعة من المتشددين بينهم أطفال وسيدات ، بالإعتداء على منازل أقباط القرية وقذفها بالحجارة وإضرام النيران بها ، بسبب انتشار شائعات تم ترويجها عبر مواقع التواصل الإجتماعي تتهم فيها أحد شباب القرية المسيحيين
وأسرته بإقامة علاقة مع فتاة مسلمة ، إلى جانب مزاعم كاذبة بخطفها وتهريبها داخل تابوت ، مما أصاب أقباط القرية بالخوف والهلع واللجوء إلى منازلهم وعدم القدرة على الخروج منها ، فى ظل غياب تام لقوى الأمن والشرطة والمسؤولين بالمحافظة .
عقدت الجلسة العلنية كما شاهدها الملايين فى سرادق كبير بحضور الموظف الحكومى عمدة القرية ، محكمين عرفيين والمئات من أهل القرية ، فى إهانة مباشرة للقضاء والدولة ، وسيناريو مكرر مخزى مخالف للقانون والدستور وفضيحة
عالمية تناولها الآلاف من المصريين المقيمين بالخارج ، انتحل فيها السرادق صفة " المحكمة " والمحكمين العرفيين صفة " القضاة " وعمدة القرية " ممثل الحكومة والجهة التنفيذية للأحكام الصادرة " إضافة إلى كاهن قبطي " ممثل
الأسقف الموجود فى زيارة خارج البلاد " وانتهت بقرارات " أحكام " مجحفة ظالمة فى حق الطرف القبطى المغلوب على أمره ، جاءت على لسان أحد المحكمين عبر مكبرات الصوت ، منها تغريم جد الشاب مليون جنيه غرامة مالية ، تهجير
والد الشاب وجده عقب بيع منزله ، دون التعرض إلى الذين قاموا بالاعتداءات على أقباط القرية والمحرضين لها وكيفية تعويض المتضررين ، والتى سيخضع لها الجانب القبطي بالإكراه نتيجة الضغوط الواقعة عليهم وإجبارهم على قبولها .
هذه الأحكام بالطبع أثلجت صدور قيادات أصحاب الكلمة العليا فى المحافظة من المتشددين والمتطرفين الذين دوى تصفيق أتباعهم وهتافهم بين أهالى القرية ، بل قاموا بالتجمهر فى مظاهرة عارمة فى حوارى وشوارع القرية
وسط شعارات وهتافات دينية عنصرية معلنين انتصارهم على الطرف الأضعف ، ضاربين بعرض الحائط قانون التظاهر وسط صمت الجهات الأمنية ، وفى المقابل نالت الجلسة العرفية الكثير من الاستنكار والإدانة من العديد من
الحقوقيين ، الأفراد ، بعض الأحزاب السياسية ، منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان ، لأنها فشلت فشلا ذريعا و أضاعت هيبة الدولة من قبل ، وأدت إلى تهديد السلم الإجتماعي ، نشر الفتن الطائفية كما حدث اليوم فى قرية الجلف .
لقد تلقي الأطفال من جلسة العار العرفية عدد من الدوس الكارثية منها عدم قبول الأخر وكاره له ، كافة الصفات التى تصنع منهم جيل متطرف إرهابي وعنصري ، لا وجود لقبطي بينهم ، لا يعترف
بالمواطنة و قانون ودستور الدولة ، فجلسات الصلح العرفية الغرض منها الصلح بين الأطراف المتنازعة بين العائلات بكل ود ومحبة وليست قانون ودستور على سيف طائفة معينة أو أقليات ، ورفضت
الحكومة العشرات من المطالب بألغاء مثل هذه الجلسات العرفية التى تطبق على الجميع كقانون ودستور ، ضمن قراراتها التهجير ، فمن الخطأ ان يطلق عليها " جلسات الصلح العرفية بل جلسات التهجير القسرية " .



