في فجرٍ بارد، بينما كانت شوارع اللبيني بفيصل شبه خالية إلا من صدى خطوات عابرة، توقفت مركبة "توك توك" أمام العقار رقم 16.
لم يلفت المشهد في البداية انتباه أحد، لكن بعد ثوانٍ قليلة، تحول الهدوء إلى فزع جماعي حين ألقى السائق جسدين صغيرين على الأرض ثم انطلق مسرعًا واختفى في عتمة الشارع.
أهل المنطقة هرعوا نحو المكان، لم يتخيلوا ما رأوه. الطفل الأول، سيف، كان جثة هامدة، جسده ساكن وملامحه تحمل أثر صدمة لم يفهمها أحد.
أما شقيقته جنى، فكانت بالكاد تتنفس، تتشبث بالحياة بأنفاس متقطعة، قبل أن تهمس بكلمات خافتة أفصحت فيها عن عنوان منزلها ثم فقدت الوعي تمامًا، ونُقلت إلى المستشفى بسرعة، لكن القدر لم يمهلها كثيرًا ولفظت أنفاسها الأخيرة هناك.
الخبر نزل كالصاعقة، طفلان يُلقي بهما مجهولون في الشارع. من؟ ولماذا؟ وكيف انتهى بهما الحال هكذا؟
رجال المباحث بقسم الهرم حضروا فورًا إلى المكان، وبدأت التحريات من لحظتها الأولى. وبينما كانوا يجمعون الأدلة ويفتشون كاميرات المراقبة، جاءهم بلاغ من رجل بدا عليه الانهيار الكامل عرف نفسه بأنه والد الطفلين.
بصوت مبحوح قال: "مراتي خدت العيال من حوالي عشرين يوم، وقالت رايحين لأهلها". الرجل -ويعمل فرد أمن - أكد أنه ظل يبحث عن أسرته في كل مكان طرق أبواب المستشفيات، وسأل الأقارب والجيران، لكن دون جدوى وعندما تأكد أن زوجته لم تذهب إلى بيت أهلها كما قالت، حرر محضرًا رسميًا بالواقعة مطلع الشهر الجاري في قسم الهرم
التحريات كشفت أن الزوجة وتعمل خادمة تركت منزلها نهاية الشهر الماضي ومعها أبناؤها الثلاثة: سيف، جنى، ومصطفى الذي لا يزال مصيره مجهولًا حتى اللحظة.
سيف، الطالب في المرحلة الإعدادية، وجنى شقيقته الأصغر رحلا في مشهد غامض لم يستطع أحد تفسيره بعد. أما مصطفى، الطفل الثالث، فهو الخيط الوحيد الذي لم يُعثر عليه بعد، ومعه ربما مفتاح اللغز.
رجال الأمن بدأوا على الفور في فحص كاميرات المراقبة المحيطة بمكان الحادث لتتبع خط سير التوك توك الذي ألقى الطفلين، كما تم تعميم أوصاف السائق على جميع النقاط الأمنية في محيط فيصل والجيزة.
وفي الوقت نفسه، تكثف فرق البحث جهودها للعثور على الزوجة الغائبة، التي تحوّلت من "أم مختفية" إلى "مطلوبة رئيسية" في جريمة هزّت الرأي العام.
حتى الآن، لا أحد يعرف الحقيقة الكاملة:هل كانت الأم ضحية أم كانت جزءًا من مؤامرة قاسية؟، هل اختُطف الأطفال أم أن وراء الحادث قصة أكثر ظلامًا مما يتخيله أحد؟.
كل الاحتمالات مطروحة، والتحقيقات ما زالت جارية لكن ما هو مؤكد أن شارع محمود حربي لن ينسى تلك الليلة، الليلة التي استيقظ فيها على جثتين صغيرتين تُركتا ببرود أمام باب الحياة.



