القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

الكنيسة القبطية تحتفل بمرور 1700 عام على مجمع نيقية: من رؤية يوساب إلى قيادة البابا تواضروس

بقلم الباحث عن الحق

في لحظات فارقة من التاريخ، تبرز شخصيات تحمل رؤية تتجاوز حدود الزمن، وتُحدث تحولات تظل آثارها ممتدة لعقود. من بين هؤلاء، يسطع اسم *البابا يوساب الثاني* ، البطريرك الـ115 للكنيسة

الكنيسة القبطية تحتفل بمرور 1700 عام على مجمع نيقية: من رؤية يوساب إلى قيادة البابا تواضروس

القبطية الأرثوذكسية، الذي في عام 1954 اتخذ خطوة جريئة وغير مسبوقة بإرسال أول بعثة كنسية إلى إنجلترا وأمريكا، واضعًا بذلك حجر الأساس للحضور القبطي في المهجر، وممهدًا لانفتاح

الكنيسة على العالم المسيحي الأوسع. لم تكن تلك البعثة مجرد زيارة، بل كانت إعلانًا عن بداية جديدة، وعن كنيسة لا تنغلق على ذاتها، بل تنفتح على الآخر، وتشارك في صياغة الحضور المسيحي العالمي.

واليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود، يقف *البابا تواضروس الثاني* ، البطريرك الـ118، على ذات الأرضية التي مهّدها سلفه، ليقود الكنيسة القبطية في حدث تاريخي غير مسبوق: *الاحتفال بمرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية* ، أول المجامع المسكونية، والذي تستضيفه مصر في قلب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بحضور رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية من مختلف أنحاء العالم.

هذا الاحتفال لا يُعد فقط مناسبة تاريخية، بل هو تأكيد على الدور المحوري الذي تلعبه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية اليوم في الحوار المسيحي العالمي، وعلى استمرارية الرؤية التي بدأها البابا يوساب الثاني، وتُترجم اليوم في قيادة واعية ومنفتحة يقودها البابا تواضروس الثاني.

بين عام 1954 و2025، تمتد خيوط الرؤية، وتتشابك خطوات المسيرة، لتُثبت أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليست فقط كنيسة مصرية عريقة، بل كنيسة عالمية، حية، وشاهدة على الإيمان عبر العصور.

البابا يوساب الثاني: رائد الانفتاح المسكوني ومؤسس الحضور القبطي في المهجر

في منتصف القرن العشرين، وتحديدًا في عام 1954، شهدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية حدثًا مفصليًا في تاريخها الحديث، حين أُرسلت أول بعثة رسمية تمثل الكنيسة إلى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. كان

هذا الإنجاز التاريخي ثمرة لرؤية البابا يوساب الثاني، البطريرك الـ115 للكنيسة القبطية، الذي أدرك مبكرًا أهمية الانفتاح على العالم المسيحي الأوسع، وضرورة مدّ جسور التواصل مع الكنائس الأخرى، خاصة في الغرب.

أول بعثة قبطية إلى الغرب

تكوّنت البعثة من ثلاثة رموز كنسية بارزة:

- *القمص مكاري السرياني* ، الذي عُرف لاحقًا باسم *الأنبا صموئيل* ، أول أسقف للخدمات العامة والاجتماعية.

- *الدكتور عزيز سوريال عطية* ، مدير معهد الدراسات القبطية، وأحد أعمدة البحث الأكاديمي القبطي في القرن العشرين.

- *القمص صليب سوريال* ، أحد الكهنة المخلصين الذين ساهموا في نشر الروح القبطية في المهجر.

لم تكن هذه البعثة مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت بداية فعلية لتأسيس الحضور القبطي في الغرب، حيث وضع البابا يوساب الثاني حجر الأساس لأول كنيسة قبطية في المهجر، في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة، لتكون منارة روحية لأبناء الجالية القبطية هناك.

انضمام الكنيسة القبطية إلى مجلس الكنائس العالمي

من أبرز إنجازات البابا يوساب الثاني أيضًا، إدخال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى *مجلس الكنائس العالمي* ، ما مثّل خطوة جريئة نحو الانخراط في الحركة المسكونية العالمية. بهذا القرار، فتحت الكنيسة القبطية أبوابها للحوار مع الكنائس الأخرى، مؤكدة على هويتها الأرثوذكسية، وفي الوقت ذاته، ساعية إلى الوحدة المسيحية المبنية على المحبة والفهم المتبادل.

من يوساب الثاني إلى تواضروس الثاني: مسيرة مستمرة

واليوم، بعد مرور أكثر من سبعة عقود على تلك الخطوات الريادية، تستضيف مصر مجددًا حدثًا عالميًا غير مسبوق: *الاحتفال بمرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية* (325م)، أول المجامع المسكونية في تاريخ الكنيسة، وذلك في مصر ، بحضور رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية.

وقد تزامن هذا الحدث مع *المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي حول الإيمان والنظام* ، الذي تستضيفه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأول مرة في تاريخها، في مركز لوجوس البابوي بوادي النطرون. وقد أكد قداسة البابا تواضروس الثاني، البطريرك الـ118، أن هدف المؤتمر ليس توحيد العقائد، بل ترسيخ المحبة والتفاهم بين الكنائس.

إرث متجدد

ما بدأه البابا يوساب الثاني من انفتاح ومسكونية، يواصل البابا تواضروس الثاني ترسيخه اليوم، لكن في سياق أكثر تعقيدًا وتنوعًا. فبينما كانت البعثة الأولى في 1954 تمثل بداية الحضور القبطي في المهجر، أصبح للكنيسة القبطية اليوم مئات الكنائس في أوروبا وأمريكا وأستراليا، تخدم ملايين الأقباط حول العالم.

كما أن مشاركة الكنيسة القبطية في الحوار المسكوني لم تعد مجرد حضور رمزي، بل أصبحت فاعلًا رئيسيًا في صياغة خطاب مسيحي جامع، يواجه تحديات العصر من تغير مناخي، وصراعات سياسية، وتحديات روحية.

الباحث عن الحق - أقباط متحدون
26 اكتوبر 2025 |