ترأس البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، صباح اليوم، الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مجلس الكنائس العالمي.
ونرصد في هذا التقرير أبرز ما جاء في كلمة البابا اليوم في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مجلس الكنائس العالمي
مصر والكنيسة القبطية
- أرحّب بكم جميعًا في مصر، وفي مركز لوجوس للمؤتمرات، في هذا المكان المقدّس بدير القديس العظيم الأنبا بيشوي، في برّية شيهيت المقدّسة بوادي النطرون، والتي كانت إشعاع وإلهام للحياة الرهبانية، وألهمت العالم منذ القرن الرابع الميلادي.
- حضوركم إلى مصر في ضيافة الكنيسة القبطية، وفي هذا المكان التي عاش فيها الآباء النساك، وأفرخت قديسين عظام من الآباء الرهبان، فيلكن الهامًا لنا جميعًا، في كيف كانت الحياة والعلاقة بين القديسين،
فالقديس اثناسيوس وعلاقته بالقديس أنطونيوس هذه التلمذة والصداقة الروحية، أثرت الكنيسة كلها بالروحانية والصلاة التي صاحبت حياة أنطونيوس وظهرت في نقاوة تعاليم أثناسيوس، والتي كانت ممزوجة بحياة التقوى.
- أدعوكم في هذا الوقت المبارك، وخلال وجودكم بيننا، أن تتعرفوا على كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، هذه الكنيسة العريقة التي تحمل إيمانها القويم وتراثها الآبائي العميق، إيمانًا قد رُوي بدماء الشهداء عبر الأجيال، وحُفظ بأمانة عبر العصور كوديعة مقدسة تسلمناها من الآباء الأولين.
- أدعوكم أن تتعرفوا على بلادنا مصر، أرض الكرازة المرقسية، التي احتضنت الإيمان المسيحي منذ فجر التاريخ، وشهدت ميلاد الرهبنة وازدهار اللاهوت والروحانية.
- إن مصر، بتاريخها العريق وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين، ما زالت تقدم للعالم شهادة حية عن الإيمان الثابت والمحبة الجامعة.
- من دواعي فخرنا وسرورنا أن نرحب بكم في كنيستنا القبطية وفي وطننا مصر، التي تتشرف اليوم باستضافة هذا الحدث الهام في مسيرة مجلس الكنائس العالمي.
- إن اجتماعنا هذا يُعد علامة مضيئة تؤكد أن مصر، ومعها منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ما زالت تشكل جسرًا حيًّا بين الكنائس، ومكانًا يحمل رسالة الرجاء والوحدة أمام أنظار العالم المسيحي أجمع.
مجمع نيقية
- كل مجمع كنسي عُقِدَ كانت هناك قضية أو مشكلة، وكان هناك حوار ومناقشة، وكان هناك قائد وإدارة، وكان روح الله القدوس هو روح القوة والمحبة والنصح والنجاح.
- آريوس كان يُعلّم بأن "الابن ليس مساويًا للآب في الجوهر بل مخلوق من الله وله بداية في الزمن" هذا التعليم هدد وحدة الإيمان المسيحي، وهذا ينبهنا إلى خطورة التفسير والتعليم المنفرد، دون العودة إلى الجذور، متمثلة في الأناجيل المقدسة وتعاليم الآباء القديسين، معلمي الكنيسة.
- كان لمجمع نيقية أثر بالغ في ترسيخ الأسس اللاهوتية للعقيدة المسيحية، وخاصة فيما يتعلّق بسرّ الثالوث الأقدس. فقد أكد المجمع وحدة الجوهر الإلهي بين الآب والابن والروح القدس، ووضع حدًّا للبدع التي أنقصت من ألوهية المسيح.
- أسّس مجمع نيقية لنموذجٍ جديدٍ في الحوار الكنسي المسكوني، إذ جمع أساقفة من شتى أنحاء العالم، وأرسى مبدأ أن الحق الإيماني يُحسم من خلال المجامع الجامعة لا الآراء الفردية.
- إن مجمع نيقية المسكوني لم يكن مجرد حدث لاهوتي، بل لحظة تاريخية أسست لهوية الكنيسة الجامعة. ففيه حُفِظ الإيمان المستقيم من الانحرافات والهرطقات.
- مجمع نيقية كان نقطة الانطلاق الحقيقية لشرح العقيدة المسيحية الأرثوذكسية بصيغتها الجامعة، ومثالًا دائمًا لدور المجامع في حفظ الإيمان الواحد المقدس الرسولي، الذي تسلّمناه من الرسل والآباء القديسين وحُفظ في كنيسة الله عبر الأجيال.
- يُعتبر مجمع نيقية المسكوني الأول حجر الأساس لتطور اللاهوت المسيحي في القرون اللاحقة، فقد وضع المفاهيم الدقيقة لعلاقة الآب بالابن، ورسّخ مبدأ المساواة في الجوهر الإلهي.
- من خلال قانون الإيمان، حُددت أبعاد العقيدة المسيحية الجامعة التي تمس جوهر الثالوث الأقدس، فصار هذا القانون المرجعَ الإيمانيَّ الأوّل الذي حفظ وحدة الكنيسة، ورسّخ أساس الإيمان الأرثوذكسي المستقيم، الذي ظلّ ينير للمؤمنين جيلًا بعد جيل.
- يعد مجمع نيقية المسكوني الأول من أهم الأحداث المفصلية في تاريخ الفكر المسيحي واللاهوت الكنسي، إذ شكّل نقطة تحول في تحديد معالم الإيمان القويم وصياغة العقيدة الجامعة التي توارثتها الكنيسة عبر القرون.
- إن استحضار ذكرى مجمع نيقية ليس مجرد احتفال بالماضي، بل هو دعوة متجددة للثبات في الإيمان الرسولي، وللانفتاح على الحوار البنّاء الذي يجمع الكنائس في مسيرة نحو الوحدة الحقيقية، القائمة على الحق والمحبة.
- يُشكّل هذا المؤتمر فرصة للتأمل في أمانة الكنيسة في حفظ الإيمان النيقاوي، وتأكيد رسالتها في عالم يشهد تعددية فكرية وثقافية.
الحوار اللاهوتي
- ثمة سؤالٌ جوهريٌّ يفرض نفسه: لماذا نتحاور؟ لابد أن يكون قصدنا ورسالتنا واضحَيْن قبل الانخراط في أي حوارٍ لاهوتيٍ، حتى لا يتحول الحوار إلى جدلٍ أو مجرّد تبادل آراءٍ بلا هدف.
- من القضايا اللاهوتية والكنسية التي تكتسب أهمية خاصة في زماننا الحاضر، مسألة الحوار بين الكنائس. فكما اجتمع الآباء في نيقية بروح الشركة للوصول إلى تعبير إيماني جامع، كذلك تُدعى الكنيسة اليوم إلى حوار يقوم على الفهم المتبادل والاحترام المتبادل في إطار الإيمان الواحد.
- إن الغاية الأساسية من الحوار هي معرفة الآخر وفهمه، والسعي لاكتشاف كيف يعبّر كل تقليد كنسي عن الإيمان المشترك بطريقة مميّزة، تعبر عن غنى التراث.
- الحوار الحقيقي لا يقوم على فرض الرأي أو الدفاع عن الذات، بل على الاستماع المتبادل، الذي يتيح للآخر أن يعبّر بحرية وانفتاح عن إيمانه، في ضوء الحق المعلن في المسيح، الذي هو الطريق والحق والحياة"(يو 14:6)
- يُعدّ الحوار اللاهوتي بهذا المعنى مسيرة نحو الفهم المشترك لقضايا الإيمان، وليس سعيًا لإلغاء الاختلافات أو إذابتها، بل للتعرّف على عمق الإيمان الواحد الذي يوحّد الكنيسة الجامعة. فكما عبّر أحد الآباء المعاصرين: "الحوار ليس تنازلًا عن الإيمان، بل شهادة للحق في روح المحبة"
- إن الحوار اللاهوتي يقوم أولًا على فن الإصغاء، لأن الاستماع هو الطريق إلى الفهم المشترك. فحينما يُعطى لكل طرف المجال ليعبّر بحرية وانفتاح عن إيمانه، تُفتح أمام الكنيسة آفاق جديدة للتقارب والوحدة. ومن هنا، لا يُراد بالحوار إلغاء الاختلافات أو إنكار التنوع، بل التعرّف على الآخر.
- الحوار لا يعني التنازل عن الإيمان أو التفريط في العقيدة، بل هو شهادة للحق في روح المحبة، وسعي مستمر نحو تحقيق الوحدة التي صلّى المسيح من أجلها.
الوحدة المسيحية
- هدف الوحدة المسيحية هو هدف نبيل، أن نكون حقًا واحد في المسيح، ونكون أعضاء في الجسد الواحد. هذه الوحدة التي صلي لأجلها إلهنا الصالح "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يو 17: 21).
- أين نحن الآن ومجمع نيقية والوحدة المنظورة؟! نحن نؤمن أن الوحدة الحقيقية هي وحدة في الإيمان ويكون واقعها أن نكون في شركة كاملة في الأسرار الإلهية "رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَ" (أف 4: 5)
- نحن نؤمن أن الطريق إلى الوحدة ليس سهلًا، فالخلافات التي نشأت بعد نيقية فصلت الكنيسة، وظلت لسنوات كثيرة وحتى إلى يومنا هذا، ولن تحل هذه الخلافات إلا بالحوارات اللاهوتية.
- لقد رأى الآباء أن الحفاظ على وحدانية الجسد الواحد هو دعوة إلهية ومسؤولية كنسية، تُمارس في روح المحبة والوداعة والاتضاع، مقرونة بمعرفة الحق والتعليم المستقيم.
- في مجمع نيقية الأول وقف الآباء صفًّا واحدًا دفاعًا عن الإيمان الرسولي ضد بدعة آريوس، مؤكدين أن وحدة الإيمان هي الضمانة لوحدة الكنيسة الجامعة.



