القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

لماذا تريد أمريكا «التيك توك» وعندها «الفيسبوك»؟ (2) خالد منتصر

بقلم خالد منتصر

طرحنا سؤالًا فى نهاية المقال السابق، وهو لماذا لم تكتف أمريكا بالفيسبوك وأشباهه الأمريكانى، وتصر على امتلاك هذا التيك توك اللعين من وجهة نظرها؟، إذا كانت أرباح التيك توك مليارات، فالفيسبوك أرباحه هو الآخر مليارات، هذا الطرح

لماذا تريد أمريكا «التيك توك» وعندها «الفيسبوك»؟ (2) خالد منتصر

خاطئ وبعيد كل البعد عن الدقة والحصافة، وآسف أن أقول لك إنه طرح سطحى، حين نفكر من منطلق أن المنافسة على تلك التطبيقات مالية فقط، وتتعلق بالأرباح والمكاسب المادية، فالموضوع أكبر من ذلك، إنها قضية أمن قومى لأمريكا، وحفاظ على هوية،

ومحاولة منع اختطاف العقل الأمريكى والسيطرة عليه وتوجيهه عبر آلاف الأميال من بكين وشنغهاى، وهى أيضًا ليست قضية منافسة صناعية، ورغبة فى احتكار اقتصادى فقط، فعندما تعلم عدد وأسماء الشركات الأمريكية

العملاقة التى تصنع منتجاتها فى الصين ستطرح هذا الأمر جانبًا، فيكفى أن تعرف أن معظم أجهزة iPhone وiPad وMacBook تُصنَّع فى الصين من خلال شركات مثل Foxconn وPegatron، وأجهزة الـ Surface إنتاج ميكروسوفت وبعض ملحقاتها

تُصنع فى مصانع صينية، وأن تسلا التى يمتلكها أكبر داعم لترامب فى الانتخابات وأغنى رجل فى العالم وهو إيلون ماسك، تمتلك مصنعًا ضخمًا يُسمى Gigafactory Shanghai، ويُعد من أكبر مصانعها عالميًا لإنتاج السيارات

الكهربائية وتصديرها إلى آسيا وأوروبا، وهناك براندات شهيرة أمريكية معظمها يصنع فى الصين مع بعض المحاولات للهجرة إلى فيتنام والهند وإندونيسيا، مثل نايكى وليفايس، وهناك جنرال موتورز وكاتربيلر

وفورد... إلخ، إذن المسأله ليست رفضًا أمريكيًا لمشاركة الصين اقتصاديًا أو منع المنفعة، لكنها كما نؤكد دومًا معركة داتا، لنبدأ بالفلسفة التى يعتمد عليها كل تطبيق فى تجميع الداتا التى ستستخدمها البلد

المهيمن فى رسم الخريطة العقلية وإعادة رسمها من جديد كما تريد، فلسفة فيسبوك (Meta) تتلخص فى أنه بنى ليجمع معلومات تُصرِّح بها أنت بنفسك، اسمك، عمرك، أصدقاؤك، المدينة، العمل، التعليم، الصور، الإعجابات... إلخ،

بمعنى أنه يجمع بيانات هوية واضحة ومعلومات اجتماعية معلنة تبرعت أنت من تلقاء نفسك بالإفصاح عنها، أما فلسفة تيك توك فتعتمد على أن التطبيق قد بُنى ليعرف من أنت؟، دون أن تقول أو

تتعمد أن تقول شيئًا، ومن خلال الذكاء الاصطناعى يحلل كل ثانية من سلوكك، كم ثانية تشاهد كل فيديو؟، هل أعدت وكررت مشاهدته؟، هل توقفت فجأة؟، وأين توقفت؟، هل اتسعت حدقتا عينيك

أمام فيديو معين؟، ما هى الـ Body language وكيف تتحرك عيناك وإبهامك؟، تيك توك لا يهتم قوى بما تقول، ولا بالمحتوى مثل الفيسبوك، بل يهتم بما تفعل بدون وعى، وهنا تكمن قوته وخطورته،

يتسرب إلى مصارين الروح، وعمق العمق، هو ليس واعظًا اجتماعيًا، وكما يقول المثل البلدى لو قلت ريان يا فجل ح يذيع، المهم ح تذيعه إزاى، التيك توك الصينى مثل البوفيه الصينى فيه كل

الأكلات من الدود للخفاش!، فيسبوك يعتمد على دوائرك الاجتماعية، أى من هم أصدقاؤك ومتابعوك، وما يشاهدون، وما يفضلون، تيك توك يعتمد على تحليل اللاوعى، ما يشد انتباهك حتى لو لم تتفاعل،

هذه النقطة جعلت خوارزمية تيك توك توصف بأنها أقرب إلى خوارزمية دماغ الإنسان فى قدرتها على التنبؤ بما تريد أن ترى قبل أن تدركه أنت، التيك توك بمثابة مختبر سيكولوجى بحجم الكرة الأرضية فى الفضاء الافتراضى،

وليس مجرد شبكة اجتماعية للتعارف، التيك توك يتفوق فى طريقة تجميع البيانات، فهو يجمعها بدقة أعلى، ويحللها صوتيًا وإيقاعيًا ومرئيًا، وليس كالفيس بوك نص وصورة، ويعتمد على التحليل العصبى السلوكى، بيانات

فيسبوك تُخزن فى سيرفرات داخل أمريكا وأوروبا، وتخضع نسبيًا لقوانين، بيانات تيك توك مصدرها شركة صينية، تُدار من خلال سيرفرات فى سنغافورة وأمريكا (مع مراقبة جزئية من الصين سابقًا)، وهذا ما جعل واشنطن تعتبره

خطرًا أمنيًا، الفيسبوك يجمع بيانات أكثر من حيث الحجم، لكن التيك توك من حيث العمق والحساسية أفضل فى تجميع البيانات، هو ليس مجمعًا، لكنه محلل، لا يجمع مثلما يجمع الفلاح ثمار البطاطا أو لطع القطن، لكنه يجمع

كما يجمع النحل رحيق الزهور، يمتصه لينتج لنا منتجًا جديدًا مسكرًا من السكر، ومسكرًا من الخمر، الكاوبوى الأمريكانى ينتفض، وانتفاضته ليست من أجل المال فقط، ولكنها من أجل الحفاظ على عقل العم سام من استلاب التنين الأصفر.

خالد منتصر - المصرى اليوم
15 اكتوبر 2025 |