مأساة حقيقية كشفتها حكاية "فتيات كهف حلوان"، التي تصدرت التريند وأثارت جدلًا واسعًا بين المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعيش سيدتان وطفلة في شقة صغيرة قمن بعزل أنفسهن عن المجتمع الخارجي لمدة عام ونصف، ليتحول مسكنهن لكهف مظلم، يرتع فيه الخوف ويحاصره الرعب من الناس خارج جدران هذه الشقة الصغيرة.

فتيات الكهف مأساة شقيقتين في حلوان
وقعت المأساة منذ عام ونصف، وكان أبطالها شقيقتان تسكنان شقة صغيرة في حي المشروع الأمريكي بـحلوان في محافظة القاهرة، فقد واجهت الشقيقتان أزمة في حياتهما، فصارتا مطلقتين، وكانت معاناتهما شديدة من قسوة الحياة، فأصابهما مرض نفسي، وقررتا التحصن خلف أبواب شقتهما الصغيرة، لتصبح كهفا مظلما معزولا عن الناس.

الحياة القاسية أصابت الشقيقتان المطلقتان بحالة من الهلع الشديد والخوف الذي تسرب إلى حياتهما من مواجهة الناس والمجتمع، فأصيبت إحداهما بنوبات من الهلع والقلق، وتسرب المرض للشقية الثانية، لتعاني من نفس الأعراض المرضية التي تعاني منها شقيقتها، لتصدق مخاوفها وأوهامها وتقرر مشاركة شقيقتها العزلة.
بعد أسابيع أو شهور من إصابة الشقيقتين بالحالة النفسية من الهلع والخوف، قررتا الانعزال عن الناس، وبالفعل وبشكل تدريجي انقطعتا عن المجتمع الخارجي، ولم تكتفيا بذلك، لكنهما اتخذتا قرار الانقطاع التام عن الأهل وحتى عن أبنائهما، وتحولت الشقة الصغيرة إلى كهف يملأه الظلام والتراب.
مأساة طفلة وسيدتين عزلن أنفسهن عن الناس
لكن الغريب، والذي كشفه شهود العيان، هو وجود طفلة صغيرة، لا يتعدى عمرها 9 سنوات، كانت تعيش نفس المأساه مع الشقيقتين، اللتين أُصيبتا بـ المرض النفسي، أو حالة الهلع من المجتمع بسبب قسوة الظروف والحياة، والأكثر غرابة أن
هذه الطفلة كانت تعيش داخل هذا الكهف المظلم بلا مدرسة ولا طلبًا للعب، كباقي الأطفال في عمرها، لم تعش الحياة الطبيعية للأطفال، فقدت طفولتها وسط المرض النفسي، حتى أصبحت شاحبة، وجهها وجه طفلة وجسدها عبارة عن هيكل عظمي يتحرك.

لكن التساؤل المطروح والذي أجاب عنه شهود العيان من الجيزان، هو كيف كانت فتيات الكهف يعشن، وقد انقطعن عن كل سُبل الحياة، وتركن الناس خلفهن وقمن بعزل أنفسهن عن الناس؟
هنا كشف شهود العيان، وهم بعض جيران فتيات الكهف في حي المشروع الأمريكي بحلوان عن السر الذي أبقى الفتيات أحياء طيلة العام ونصف الماضية، فمع نفاد الطعام، كان الجيران يجلبون الطعام للسيدتين والطفلة، عبارة عن لقيمات صغيرة كانت تقدم لهن عبر نافذة صغيرة في شقتهن.
صدمة الجيران عند رؤية السيدتين والطفلة
لكن صدمة الجيران كانت عندما وقعت أعينهم على السيدتين والطفلة، فملامحهن صارت مثل الهياكل البشرية التي أنهكها الحرمان والإهمال، لم يتمكن الجيران للدخول إلى الشقة أو كسر الأبواب عليهن، لذا لجأ الجيران لأشقاء السيدتين، وعندما علموا بالأمر تدخل الأشقاء، وقاموا بكسر الباب، وظهرت المأساة القاسية، التي أرادت الشقيقتان أن تخفيهما عن الناس.

كانت الشقة مظلمة مملوءة بالغبار والأتربة، أما الروائح فكانت خانقة والحياة كئيبة، والوجوه شاحبة ليست بها حياة، هياكل عظمية متحركة، غابت عنها الحياة، لكنها لا تزال تنظر إلى الدنيا من منظور المرض النفسي، الذي كرسه قسوة الظروف.
وأثارت حكاية فتيات الكهف أحزان وغضب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تساءلوا عن سر ترك الأشقاء لشقيقاتهم المطلقات دون سؤال حتى أصبحتا تعانيان من المرض النفسي، ولماذا تركت السيدتين مع الطفلة حتى أصبحت هكذا؟
مأساة مجتمع يعاني من الظروف القاسية
وأكد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أن حكاية فتيات الكهف لم تعد شأنًا عائليًا أو حالة إنسانية فقط، ووصفوها بأنها "مأساة مجتمع يعاني من الظروف القاسية"، موجهين نداءات استغاثة، والمطالبة بتدخل عاجل من قبل وزارات التضامن والصحة والداخلية، لإنقاذ الأختين، وإعادة الطفلة إلى حياتها الطبيعية، التي فقدتها داخل جدران الشقة المظلمة، التي تحولت إلى "كهف" خانق ليس به حياة.

ووجه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صرخة للمجتمع، للتعامل مع المرض النفسي وحالة الهلع التي يعاني منها البعض بسبب الظروف القاسية التي يواجهونها دون تدخل من العائلة والمجتمع لعلاج هذه الحالات، لتصبح مأساة فتيات الكهفي في حلوان جرس إنذار للتعامل مع الحالات النفسية المصابة بالهلع بتقديم العلاج الصحيح لها.

عبرت البلوجر منى أحمد عن مخاوفها قائلة: "فتيات كهف حلوان.. مأساة خلف الأبواب المغلقة، تحولوا لحم علي عظم... انطفأت الشمس في حياتهن، وامتنعن عن لقاء البشر، حتى تحوّل البيت إلى عالم من الظلام والغبار.
ومعهما طفلة لم تتجاوز التاسعة من عمرها، وجدت نفسها سجينة نفس المأساة، بلا طفولة ولا مدرسة ولا ضحكات.. ومع نفاد المال والطعام، بدأت بعض الأيادي تمد لهن لقيمات عبر نافذة صغيرة... شقة تحوّلت إلى مقبرة
للأحلام، تملؤها الأتربة والظلمة والروائح الكئيبة، ووجوه غابت عنها الحياة.. المطلوب تسلم الطفلة إلى أحد الأشقاء، لتعيش حياة طبيعية، تعود إلى المدرسة، وتتنفس هواء الطفولة من جديد، حتى يشاء الله شفاء والدتها وخالتها".
حكاية فتيات الكهف جرس إنذار للمجتمع
وكشف بعض شهود العيان أن "حكاية فتيات الكهف جرس إنذار صاخب لما يمكن أن يصنعه المرض النفسي حين يُترك بلا علاج.. مأساة حلوان صرخة إنسانية تستحق أن تُسمع، الأهل والأشقاء حاولوا معهم كثيرًا دون جدوى أو إنقاذهن".
وعبرت البلوجر عبير لطفي عن حزنها قائلة: "فتيات كهف حلوان.. مأساة خلف الأبواب المغلقة... أختان مطلقتان انهكهما المرض النفسي، وانسحبتا من الحياة حتى صارت أجسادهما هياكل بشرية.. محدش حبسهم يا جماعة، هما
بنفسهم قفلوا على روحهم بسبب المرض النفسي والخوف والوسواس التي سيطرت عليهم، رفضوا يقابلوا الناس ولا حتى أهلهم. إخواتهم حاولوا معاهم كثيرًا، لكن من غير فايدة، وفي الآخر اضطُروا يكسروا الباب علشان ينقذوهم".
وعلقت البلوجر مي موسى قائلة: "على الجهات المختصة والمعنية سرعة التدخل والإنقاذ بارك الله فى الجميع.وكل من يمد يد المساعدة فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يري.والله يحب المحسنين".

حكاية فتيات الكهف تتكرر
وكشف البلوجر محمد أشقر عن مأساة أخرى قائلًا: "عندنا واحده قفلت على أختها كده فى غرفه في بيت غير مأهول للسكن، حتى دمرتها وأصابها المرض النفسي، وحاولنا نوصل لحل مع أختها نوديها مصحة خاصة أو مستشفى، أختها رفضت
ولسه معاناتها مستمرة حتى هذه اللحظة، أكل لقيمات كل كام يوم. لا نظافة لا يوجد حمام لم تستحم منذ 3 سنوات أو أكثر، نظافة الغرفة وريحتها تثير الاشمئزاز. لا علاج فقط مهدي يطحن ويضاف بالأكل عندما ترسل لها وجبه كل كام يوم".

وعبرت أسماء سمير عن حزنها فقالت: "وصلنا لمرحله بشعة من عدم صلة الرحم بجد إزاي كده مفيش أخوات يسألوا على بعض المدة دي كلها، لطفك بيهم يا رب...".
وقالت البلوجر سالي الزهار: "المرض النفسي لا يقل قسوة عن الأمراض الخبيثة يتسلل فى صمت وبالتدريج إلى أن يتمكن من الإنسان وفجأة يصبح له السيطرة على زمام الأمور".