في خطوة تعكس الأهمية المتزايدة للسياحة الدينية كأحد أبرز روافد الاقتصاد السياحي، سجلت الدورة التدريبية المكثفة التي نظمتها غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة بالتعاون مع الكنيسة الأرثوذكسية في

مركز المنارة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، إقبالًا واسعًا من الشركات السياحية، وذلك ضمن مبادرة متكاملة تهدف إلى إحياء مسار العائلة المقدسة والترويج له كمنتج سياحي روحي فريد على مستوى العالم.
جاءت الدورة تحت رعاية قداسة البابا توا ضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وفي إطار رؤية سياحية متكاملة لإحياء المسار الذي يمثل كنزًا تاريخيًا ودينيًا وإنسانيًا لا يُقدّر بثمن، ويُعد من أندر أنماط السياحة الدينية التي تنفرد بها مصر.
كما تأتي في إطار الاهتمام الكبير الذي يوليه مجلس إدارة غرفة شركات السياحة برئاسة الدكتور نادر الببلاوي لتأهيل كافة الشركات للعمل في الأنشطة السياحية المختلفة لزيادة مردود القطاع السياحي على اقتصادنا القومي.
وتهدف الدورة إلى تأهيل الكوادر السياحية، خاصة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر تزويدهم بالمعرفة الدقيقة حول مراحل ومحطات المسار الممتدة من سيناء إلى الدلتا وصعيد مصر، فضلًا عن الخلفيات الدينية والتاريخية وآليات الترويج الاحترافي داخليًا وخارجيًا.
تاريخ وحضارة وقيم إنسانية
افتتحت الدورة التدريبية بمحاضرة بعنوان: رحلة العائلة المقدسة: دراسة تاريخية تأثيرات حضارية قيم إنسانية، قدّمها الأستاذ الدكتور إسحاق إبراهيم عجبان، أستاذ التاريخ القبطي وعميد معهد الدراسات القبطية.
بدأ الدكتور عجبان محاضرته بالتأكيد على أن مصر قد نالت بركة إلهية فريدة مع مطلع القرن الأول الميلادي، حين قدمت إليها العائلة المقدسة من أرض فلسطين، فلقيت في ربوع وادي النيل، وعلى روابي مصر ووديانها وضفاف نيلها العظيم، الأمن والأمان.
وقد استقبلت مصر، في خشوع ووقار، أعظم زائر في تاريخها، فنالت بركة فريدة تُوّجت بالآية الكتابية: مبارك شعبي مصر (إشعياء 19: 25).
وصف الدكتور عجبان هذه الرحلة بأنها من أعظم الأحداث التي شهدها التاريخ المصري، لما تركته من آثار روحية وحضارية وإنسانية عميقة، تلاها تراكم تراثي هائل في الفكر والثقافة والفن والتاريخ والآثار.
وأكد أن رحلة العائلة المقدسة أصبحت علامة مميزة لمصر، لا يشاركها فيها أي بلد آخر، فهي الأرض التي جمعت بين التنوع الروحي، والثراء الفكري، والزخم الحضاري، والإبداع الفني، والابتكار العلمي، مما منحها دورًا رائدًا في حماية قيم التعددية والتسامح والتعايش المشترك عبر العصور.
وأشار إلى أن الرحلة المباركة للعائلة المقدسة تستند إلى ثلاثة أبعاد رئيسية تجعل منها حقيقة راسخة: فهي حقيقة كتابية، تؤكدها نبوءات العهد القديم وسفر إنجيل متى في العهد الجديد؛ وهي
أيضًا حقيقة تاريخية موثقة في الميامر والمخطوطات القبطية، مثل ميمر البابا ثاؤفيلس، وميمر البابا تيموثاوس، وميمر الأنبا زخارياس، بالإضافة إلى ما ورد في السنكسار والدفنار وشهادات
المؤرخين والرحالة؛ وهي كذلك حقيقة أثرية تجسدت في المغارات والأديرة والكنائس التي تأسست على خطى هذه الرحلة، والآبار التي تفجرت مياهها، والأشجار التي ظللتها، والأحجار التي شهدت عبورها.
كما بيّن الدكتور عجبان التفرقة بين التراث المادي وغير المادي المتعلق بالرحلة، موضحًا أن التراث المادي يتمثل في الآثار الملموسة مثل المغارات والأديرة والكنائس، أما التراث غير المادي فيتجلى في الروايات الشعبية، والاحتفالات، والألحان، والعادات والتقاليد والفنون المرتبطة بنقاط المسار المقدس.
وأوضح أن هذه الرحلة تحمل في طياتها قيمًا روحية رفيعة، من أبرزها البركة الإلهية لشعب مصر، وتجسيد الصراع بين الخير والشر، حيث يظل الخير في نهاية المطاف هو المنتصر، رغم مطاردة الشر له. كما تعلّمنا من الرحلة حكمة الاتقاء من الشر، والإيمان بقوة التدبير الإلهي في مواجهة الشر الظاهر والخفي، والثقة بأن يد الله فوق جميع المؤامرات.
وأبرز الدكتور عجبان القيم الحضارية التي تجسدت في الرحلة، من خلال التأثير الفكري والعقائدي، وتأسيس الكنائس والأديرة، وظهور الطقوس والاحتفالات والألحان التي ارتبطت بالمواقع التي باركتها العائلة المقدسة.
أما على المستوى الإنساني والقيم الإنسانية، فقد أظهرت الرحلة قدرة العائلة على تحمل المشقات، واحتمال التجارب، والهروب من الاضطهاد، مما يدفعنا اليوم إلى التفكير في المتألمين واللاجئين والنازحين، ويعلّمنا أن نكون سندًا لمن هم في محنة، ويذكّرنا بأن الإنسان يجب أن يقف دائمًا إلى جانب أخيه الإنسان، في كل زمان ومكان.
تنشيط السياحة هدف مهم
ومن جانبه تكلم أ. نادر جرجس رئيس لجنة السياحة والتراث المصري بالروتاري عن مساهمة مسار رحلة العائلة المقدسة في تنشيط السياحة، فقال: إن مسار العائلة المقدسة يمثل مشروعًا وطنيًا ذو بُعد روحاني وثقافي وإنساني،
حيث يُجسد الرحلة التي قامت بها السيدة مريم العذراء والسيد المسيح، بصحبة يوسف النجار، والتي مكثوا خلالها في مصر لمدة تجاوزت ثلاث سنوات، مروا خلالها بأكثر من 25 موقعًا موزعة على 8 محافظات تضمنت: الفرما (شمال
سيناء) أولى المحطات بعد دخول مصر تل بسطا (الزقازيق) شربوا من بئر ماء هناك وسقطت الأوثان والأصنام سمنود (الغربية) حيث الماجور الجرانيت الذي خبزت في العذراء مريم وادي النطرون (البحيرة) موطن الأديرة القديمة
كنيسة أبو سرجة (مصر القديمة) المغارة التي مكثت في العائلة المقدسة المعادي (القاهرة) عبروا منها نهر النيل متجهين للصعيد جبل الطير (المنيا) من أقدس المواقع المسيحية دير المحرق (أسيوط) أُقامت العائلة المقدسة فيه أطول فترة.
وأوضح جرجس، أن الدولة المصرية، بالتعاون مع الكنيسة، تبذل جهودًا موسعة لتطوير مواقع المسار، تشمل ترميم الكنائس والأديرة التاريخية، وتحسين الطرق والبنية التحتية، وتعزيز التأمين للمناطق المستهدفة، وتأهيل الرهبان بلغات متعددة، وتوفير لافتات إرشادية للسائحين، والتعاون مع الفاتيكان لاعتماد المسار رسميًا كأحد مسارات الحج العالمية.
وأشار إلى أن البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان السابق، كان قد اعتمد الأيقونة الرسمية لمسار العائلة المقدسة وأدرج عددًا من مواقعه ضمن كتالوج الحج المعتمد لدى الفاتيكان في عام 2018، ما يمنح المسار شرعية دينية دولية ومكانة مرموقة على خريطة السياحة الدينية العالمية.
كما أن العلاقات الوثيقة بين الفاتيكان والكنيسة، وزيارة البابا فرانسيس لمصر عام 2017، شكلت نقاط تحول كبرى في دعم هذا المشروع الروحي، وترسيخ صورة مصر كأرضٍ مقدسة احتضنت الأديان السماوية الثلاثة.
برامج سياحية خارج الصندوق
وتأتى المحاضرة التالية لتشرح فيها أ.د. مارى ميساك الأستاذ بكلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، مقترحات لبرامج سياحية متنوعة لزيارة المحطات على مسار رحلة العائلة المقدسة حيث قدمت رؤية متكاملة ومبتكرة لتطوير البرامج السياحية الدينية في مصر، انطلاقًا من مسار العائلة المقدسة.
بدأت المحاضرة بعرض خريطة شاملة توضح المعالم التي زارتها العائلة المقدسة في مختلف أنحاء مصر، مشيرة إلى أن الهدف من تنوع هذه البرامج ليس فقط تعظيم الاستفادة من المحطات المباركة، بل دمجها أيضًا مع معالم سياحية غير تقليدية لا تدرج عادة ضمن المسارات المعتمدة حاليًا.
وشددت ميساك على أن مصر تزخر بكنوز سياحية لا مثيل لها في أي مكان آخر بالعالم، وهو ما يتطلب تصميم برامج سياحية مبتكرة. وأوضحت أن من الممكن تنظيم برامج قصيرة ليوم واحد تربط بين موقع على المسار ومعلم ثقافي أو حضاري قريب. فعلى سبيل المثال، يمكن دمج زيارة دير المحرق، حيث أقامت العائلة المقدسة لأكثر من ستة أشهر، مع مقابر مير ذات الطابع المصري القديم، لتقديم تجربة تجمع بين الدين والحضارة.
كما أشارت إلى محافظة المنيا، التي تحتوي على العديد من نقاط المسار، حيث يمكن دمج زياراتها بالأديرة الحديثة لإبراز التراث الرهباني والفن القبطي المعاصر. ويمكن تطبيق الفكرة نفسها في وادي النطرون والعلمين، عبر ربط الأديرة القديمة بالأخرى الحديثة.
وأكدت أن الهدف من هذه البرامج ليس فقط التنقل بين المواقع، بل تقديم تجربة متكاملة وفريدة للسائح. فمثلًا، في رحلات الغردقة التي تركز عادة على السياحة الشاطئية، يمكن إدراج زيارة لأديرة الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا، ويوم آخر
لزيارة متحف الغردقة، الذي يستضيف معارض مؤقتة للفن القبطي. وفي شرم الشيخ، اقترحت دمج زيارة لمنطقة سرابيط الخادم عبر الحافلات، ليشاهد السائح المناظر الخلابة للصحراء والجبال، مما يعزز شعور المغامرة ويضيف بعدًا ثقافيًا وروحيًا..
كما شددت على أهمية استثمار التكنولوجيا الحديثة، مثل تقنية التجول الافتراضي (VR)، لعرض مسار العائلة المقدسة بالكامل، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها مثل الفرما في شمال سيناء، والتي تعتبر من أولى
النقاط التي زارتها العائلة. كما يمكن الربط بين هذه المناطق وكنائس بورسعيد، وعرض منتجات المجتمع المدني مثل المشروع الترويجي التي قامت به مؤسسة مصر المباركة بثمان لغات وبالتجول الافتراضيVR ، بما يعزز
تجربة السائح المعرفية. ومن الأفكار العملية التي طرحتها ميساك لتخفيف إرهاق التنقل عن السائح، خاصة في أوقات الذروة، هو استغلال نهر النيل كوسيلة نقل سياحية. وأوضحت أنه يمكن تصميم برنامج سياحي متكامل يبدأ
من متحف محمد علي بالقناطر، ثم زيارة المتحف المصري، فمتحف الروضة، ومتحف أم كلثوم، وقصر المنسترلي، ومقياس النيل، وصولًا إلى كنيسة العذراء بالمعادي، التي شهدت انطلاق العائلة المقدسة جنوبًا عبر النيل.
ومن هناك، يمكن للسائح الانتقال بالأوتوبيس إلى منطقة مصر القديمة، ثم العودة مجددًا للمركب نحو حلوان لزيارة متحف ركن فاروق. وبذلك يتم المزج بين السياحة النيلية، والدينية، والثقافية، لتقديم تجربة غنية وشاملة..
وفي إطار ربط المعالم التراثية بالمشروعات الحديثة، اقترحت الدكتورة ميساك زيارة شجرة المطرية وكنيسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين، المعروفة بجدرانياتها المرسومة على يد
فنان عالمي، ثم التوجه إلى كنيسة العذراء بالزيتون، موقع الظهورات الشهيرة، وختامًا بجولة في قصر البارون ومنطقة الكوربة، المعروفة بطرازها المعماري الفريد. وأشارت أيضًا إلى
إمكانية تنظيم زيارات في وسط القاهرة لربط المعالم التاريخية مثل حارة زويلة والمتحف الإسلامي ومتحف البريد، بالمشاريع الحديثة، بما يعزز القيمة السياحية والثقافية لهذه المناطق.
وفي ختام المحاضرة، شددت الدكتورة ميساك على أهمية التكامل بين مختلف الجهات المعنية بمسار العائلة المقدسة، سواء كانت مؤسسات حكومية أو جامعات أو منظمات مجتمع مدني.
وأكدت أن العمل بشكل فردي يؤدي إلى تبديد الجهود، في حين أن التعاون والتنسيق سيمكن من تقديم مشروع وطني متكامل. كما دعت إلى تنظيم دورات تدريبية متخصصة للعاملين في مجال
السياحة، وعقد لقاءات دورية مع المسؤولين لطرح الأفكار وتبادل الخبرات، بما يخدم الهدف الأسمى: تحويل مسار العائلة المقدسة إلى مشروع سياحي رائد يعكس تنوع وغنى الحضارة المصرية.
خدمات أساسية على المسار
والمحاضرة التالية قدمها أ.د. سامح جمال سعد سليمان أستاذ إدارة الفنادق ووكيل كلية السياحة والفنادق لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، بجامعة حلوان، بعنوان: رؤية مستقبلية لتنمية الخدمات في بعض المواقع على مسار رحلة العائلة المقدسة، حيث قدم تصورًا شاملًا لتطوير هذا المسار الحيوي وتحويله إلى منتج سياحي متكامل.
استهل الدكتور سامح كلمته بالتأكيد على أهمية المسار كفرصة سياحية فريدة على الأراضي المصرية، تمتلك مقومات جذب قادرة على دعم الاقتصاد القومي وزيادة الإيرادات، فضلًا عن إبراز تنوع السوق السياحي المصري من حيث المنتجات والأنماط السياحية.
وأشار إلى أن كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان شرعت في مناقشة إمكانية تناول مسار العائلة المقدسة كموضوع لرسائل ماجستير ودكتوراه، خاصة في مجالات تنمية الخدمات الفندقية والسياحية، داعيًا إلى تعميم هذه المبادرة على مستوى كليات السياحة في مصر كافة، لما في ذلك من إثراء علمي يسهم في النهوض بالمشروع.
وأوضح أن نجاح أي منتج سياحي يتطلب توفير عناصر خمسة أساسية هي: الإقامة، والطعام والشراب، ووسائل النقل، والخدمات الترفيهية، والمحال التجارية. لذلك فإن أي خطة لتفعيل هذا المسار يجب أن تراعي هذه العناصر، سواء من خلال إنشاء مرافق جديدة أو تطوير القائم منها.
وبيّن الدكتور سامح أن توفير أماكن إقامة ليس بالضرورة أن يشمل جميع النقاط الخمس والعشرين للمسار، خصوصًا أن العديد منها يقع ضمن محافظات كبرى كالقاهرة، وإنما الأهم هو توفير وسائل نقل مريحة وآمنة تسهّل انتقال
السائحين بين المواقع المختلفة. وأشار إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في نقص المنشآت الفندقية في مناطق الدلتا والصعيد وسيناء، ما يستوجب إعداد مخططات استثمارية واضحة تُعرض على كبار المستثمرين في مؤتمرات متخصصة، مع
تقديم تسهيلات تشمل الأراضي المتاحة والاحتياجات الأساسية. وأكد أن الفنادق المطلوبة لا يشترط أن تكون فاخرة، بل يمكن الاكتفاء بموتيلات بسيطة أو وحدات سكنية للإيجار بنظام آر بي إن بي (Airbnb)، بما يحقق الهدف المرجو بأسعار مناسبة.
كما دعا إلى الاستفادة من البعد التاريخي لمسار العائلة المقدسة، لا سيما في التنقلات التي تمت عبر نهر النيل، وذلك من خلال إدخال المراكب النيلية كوسيلة سياحية تجسد الرحلة الأصلية.
أما فيما يتعلق بالطعام والشراب، فقد شدّد على أهميتهما كسمة أساسية في تجربة السائح، لافتًا إلى تجربة بعض المتاحف المصرية التي بدأت بالفعل في دمج المطاعم والكافيتريات داخل مبانيها، ما يُضفي بُعدًا ثقافيًا يعرض التراث المصري من خلال الأكلات الشعبية. وأوصى بضرورة دراسة جودة وأسعار المطاعم المجاورة لنقاط المسار، بما يتلاءم مع نوعية السائحين وأذواقهم المختلفة.
وركّز الدكتور سامح على أهمية الخدمة وجودتها، معتبرًا إياها العامل الحاسم في نجاح أو فشل أي منتج سياحي. ورغم أنه لا يشترط أن تكون الخدمة فاخرة، إلا أنه لا بد أن تكون نظيفة، ذات جودة معقولة، وتُقدَّم بروح ترحيبية.
وأشار إلى أن بعض الأكشاك البسيطة قد تقدم وجبات متميزة إذا ما تم الالتزام بمعايير الصحة والنظافة، ما يغني أحيانًا عن الحاجة للمطاعم الراقية.
وطرح مجموعة من الأفكار القابلة للدراسة على المستوى الأكاديمي، يمكن أن تثمر عن توصيات واقعية تُقدّم للمستثمرين، مؤكدًا أن تكاتف مختلف أطراف المجتمع هو السبيل لتحقيق نتائج إيجابية.
وفي ختام كلمته، تناول الدكتور سامح مسألة الأسعار، مشددًا على أن نجاح هذا المنتج السياحي الجديد لا يمكن أن يتحقق بأسعار مرتفعة، بل لا بد من اعتماد أسعار معتدلة تحفّز السائح
على زيارة أكثر من موقع ضمن المسار، وتكون متناسبة مع قدرته الشرائية. فالتسويق الذكي لهذا المنتج يستلزم توفير خدمات بأسعار مدروسة، وتقديم تجربة جذابة ومتكاملة دون تحميل
السائح أعباء مالية كبيرة. وأكد أن مسار العائلة المقدسة يمثل منتجًا فريدًا يحتاج إلى سوق جديد وتسويق مبتكر وخدمات متجددة خارج الصندوق، لكي يحقق الانتشار المطلوب والعائد المرجو منه.
خطة تنمية مستدامة للمسار
ومن جانبها قدمت أ.د. سهى عبد الوهاب أستاذ الدراسات السياحية وعميد كلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، كلمتها بعنوان مقترح خطة للتنمية السياحية المستدامة لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر حيث عرضت رؤية نقدية
عميقة لواقع السياحة الدينية في مصر، وخصوصًا مسار العائلة المقدسة، مشددة على أهمية استقطاب كافة الجنسيات وأنواع السياح، لا سيما أن مصر تتميز بتنوع غني في أنماط السياحة. ورغم ذلك، تساءلت عن أسباب تعثر السياحة
أحيانًا، وطرحت مجموعة من الأسئلة من بينها: هل يُقاس نجاح القطاع السياحي بعدد السياح فقط؟ وهل وصولنا إلى 15 مليون سائح سنويًا يليق بمكانة مصر؟ وهل الطموح بالوصول إلى 30 مليون سائح يعكس نجاحًا حقيقيًا أم أنه مجرد
هدف رقمي لا يعكس القيمة الحقيقية للمردود السياحي؟ وأشارت إلى أن معيار النجاح لا ينبغي أن يُقاس بالكمّ، بل بالنوع، مؤكدة أن السياحة في مصر يجب أن تستهدف السائح الذي يقيم مدة أطول، وينفق أكثر، ويتفاعل مع المكان والمجتمع.
وأوضحت أن السائح الذي نطمح إليه هو من يقدّر قيمة التجربة، ويبحث عن جودة في الخدمات وثراء في المحتوى الثقافي. ولفتت إلى أهمية دراسة نوع السائح واحتياجاته، بحيث تُصمم له البرامج والخدمات بما يناسب فئته العمرية، واهتماماته، وخلفيته الثقافية، مشددة على أن الرسائل التسويقية والمعلوماتية يجب أن تُقدّم لكل سائح بطريقة مختلفة، حسب جنسيته وفئته العمرية واهتماماته.
ثم تناولت أنواع السياح الذين قد يزورون مسار العائلة المقدسة، مشيرة إلى وجود السائح الديني الذي يأتي بدافع التبرك والتقوى، والسائح الروحي الذي يبحث عن السلام الداخلي
والتأمل، والسائح التعليمي الذي يزور من أجل الدراسة، والسائح الثقافي الذي يسعى لاكتساب المعرفة. وركّزت بشكل خاص على السائح الثقافي، لما له من أهمية اقتصادية وسلوكية،
فهو غالبًا من الجنسيات ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإنجلترا واليابان، ويتميز بإنفاقه المرتفع وتقديره للتراث، وهو النوع الذي يجب أن يستهدفه المسار.
وأوضحت أن السائح الثقافي يتطلب ثلاثة عناصر أساسية في رحلته، يمكن توفيرها من خلال مسار العائلة المقدسة، وهي: خدمات عالية الجودة، وتجربة فريدة، وتفاعل مباشر مع المجتمع المحلي.
وأشارت إلى أن تقديم خدمات عالية الجودة لا يعني فقط الفنادق الفاخرة أو العمالة المدربة، بل يتطلب انسجام الخدمات مع طبيعة المكان، كتوفير مرشد محلي يروي تجربته الحياتية، أو الإقامة في منشآت تتناغم مع
البيئة الثقافية والمعمارية للمنطقة. كما أكدت أهمية استخدام التكنولوجيا والمنصات الرقمية لتقديم محتوى جذاب وحديث، مثل تقنية التجول الافتراضي (VR) التي تُحفّز السائح على زيارة المواقع الفعلية بعد تجربتها رقميًا.
أما التجربة الفريدة، فتكمن في تقديم أنشطة غير تقليدية، كالمشاركة في الاحتفالات الشعبية المرتبطة بالمسار، مثل عيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر أو موالد السيدة العذراء، أو إحياء القصص التاريخية للأطفال من خلال فن الحكي (Storytelling)، أو تسليط الضوء على فن الأيقونات القبطية كجزء من الهوية البصرية والروحية للمسار.
وأكدت كذلك أن التفاعل مع المجتمع المحلي أصبح عنصرًا أساسيًا في اهتمام السياح المعاصرين، إذ يسعى كثيرون إلى معايشة الواقع الشعبي للمكان، وتذوق مأكولاته، والتعرّف على عاداته وتقاليده. واقترحت تقديم عروض فنية
تمثل حياة الناس حول المسار، وتنظيم ورش لتذوق الأطعمة أو المشاركة في إعدادها، فضلًا عن تسويق الحرف اليدوية الأصيلة التي تعبّر عن خصوصية المكان، معتبرة أن هذه المنتجات أكثر قيمة وصدقًا من التذكارات السياحية المعتادة.
وتناولت في ختام كلمتها مفهوم التنمية السياحية المستدامة، مشيرة إلى أنها لا تقتصر على الجانب البيئي فقط، بل تشمل أيضًا البعدين الاجتماعي والاقتصادي، مع ضرورة الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. وأوضحت أن التنمية المستدامة تمر بثلاث
مراحل مترابطة: التنظيم، والتخطيط، والتنفيذ. ويبدأ التنظيم بجرد شامل لما تمتلكه كل منطقة من مقومات وموارد، ويجب أن يتضمن التخطيط مشاركة مجتمعية فعلية، لتحديد المشروعات التي تحقق رضا المجتمع المحلي، مما يجعله شريكًا في حماية وتطوير المواقع
ودعت إلى ضرورة تكامل الجهود بين الحكومة، والمراكز البحثية، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية، والجهات الدولية المعنية، للوصول إلى منتج سياحي متكامل ومتناغم. ومن أبرز مخرجات هذا التعاون
المقترح: تأسيس قاعدة بيانات شاملة توضح الخدمات المتاحة ونوعية السائحين المستهدفين، وتطبيق القوانين البيئية، وتوفير تدريبات لأبناء المجتمع المحلي على الحرف اليدوية، لضمان دخل مستدام وتعزيز روح الانتماء.
وأشارت إلى أهمية تقييم الأثر البيئي لأي مشروع قبل تنفيذه، منعًا لتدهور البيئة المحيطة. ولفتت إلى ضرورة توزيع الأدوار بين الدولة، والقطاع الخاص، والمجتمع المحلي، حيث تقوم الدولة بتطوير البنية
التحتية، ووضع المخططات الاستثمارية والخدمية، وتسهيل الإجراءات للمستثمرين، وتزويدهم بمعلومات دقيقة عن الفنادق والمستشفيات والخدمات البنكية، ومسارات النقل، بما يمكّنهم من المساهمة الفعالة في تنمية المسار.
أما القطاع الخاص، فعليه أن يقدم برامج مبتكرة ومتنوعة تناسب مختلف الأسواق، كما أوضحت الدكتورة ماري ميساك، لضمان الإبداع والربحية في آن واحد. كما نوّهت الدكتورة سهى إلى
بعض التحديات القائمة، ومنها ضعف معرفة بعض المرشدين السياحيين بمعلومات دقيقة عن المسار، بسبب تركيزهم على الحضارة الفرعونية، مما يستدعي تعاونًا مع الكنيسة لتدريبهم
وتأهيلهم. وأضافت أن من التحديات أيضًا تدني مستوى النظافة، وقصور أعمال الصيانة في عدد من المواقع، مؤكدة أن تلافي هذه العقبات ضرورة ملحة لإنجاح هذا المنتج السياحي الفريد.
فرصة ذهبية لتعزيز العوائد السياحية في مصر
أوضح الأستاذ هيثم عرفة، عضو مجلس إدارة غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة، أن السياحة الدينية تمثل فرصة ذهبية لتعزيز العوائد السياحية في مصر، لما تحمله من خصائص تجمع بين الاستدامة والعائد المرتفع والتأثير الإنساني والثقافي العميق.
وأشار إلى أن مسار رحلة العائلة المقدسة يُعد من أبرز المشروعات القادرة على جذب شرائح جديدة من السياح الروحيين حول العالم، لما يتميز به من بعد ديني وروحي فريد، قادر على إبراز الهوية القبطية المصرية على الساحة الدولية، وتعزيز مكانة مصر كمقصد روحي عالمي
وأكد عرفة أن هذا النمط السياحي لا يقتصر على البُعد الاقتصادي فقط، بل يسهم بشكل مباشر في تنمية المجتمعات المحلية المحيطة بالمواقع الأثرية الواقعة على طول المسار، كما يسهم في زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، مُقدرًا العائد المحتمل من هذا المشروع بما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار سنويًا.
ولفت إلى أن البيانات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية تشير إلى أن نحو 27% من إجمالي عدد السياح عالميًا، أي ما يقرب من 1.4 مليار سائح، يندرجون تحت فئة السياحة الدينية، وهو ما يعكس حجم الفرصة المتاحة لمصر للاستفادة من هذا السوق الكبير.
وفي ختام كلمته، شدد هيثم عرفة على أن مسار العائلة المقدسة ليس مجرد مشروع سياحي، بل هو رسالة حب وسلام تنطلق من أرض مصر إلى العالم، تعكس روح التعددية والتسامح، وتُعيد إحياء جذور التواصل الحضاري والديني. كما اعتبر أن هذا المشروع يؤسس لمنتج سياحي فريد ومستدام، من شأنه أن يضع مصر في قلب خريطة السياحة الروحية العالمية، بما يليق بعراقتها وتاريخها الديني والثقافي العميق.
أما شركات السياحة أغلبها كانت تتسأل أين الحملات الترويجية لهيئة تنشيط السياحة لهذا المنتج الفريد وماهي الأماكن التي يسمح بها أمنياً بتواجد السياح فيها حتى لا تتضارب مع البرامج السياحية..؟ وتبقى الإجابة معلقة .