بسبب التغير المناخي والجفاف المستمر، سجلت بحيرة طبريا- تقع شمال فلسطين المحتلة- هذا العام انخفاضًا غير مسبوق في منسوب مياهها، هو الأدنى منذ ما يقرب من 100 عام، وفقًا لموقع «mako» العبري، وانخفض مستوى البحيرة في فبراير الماضي بمقدار 1.5 سم، وذلك بعد شتاء خالٍ تقريبًا من الأمطار، خاصة في شهري ديسمبر 2024 ويناير 2025.

ومنذ ذلك الحين، يتراجع منسوب المياه يوميًا بمعدل سنتيمتر واحد، بفعل التبخر الطبيعي وسحب المياه، ما أدى إلى فقدان 3.36 مترًا من الخط الأحمر العلوي، مقارنة بـ74 سم فقط في العام الماضي.
خطر الخط الأحمر يقترب من منطقة ذات أهمية استثنائية
تسود المخاوف على الأوساط البيئية والعلمية من بلوغ منسوب المياه الخط الأحمر السفلي، الذي لا يفصله عن الوضع الحالي سوى 86 سنتيمترًا فقط، وفي حال الوصول إلى هذا الخط، تُصبح البحيرة مهددة بفقدان توازنها البيئي، وهو ما سيؤثر سلبًا على استدامة المياه ويفتح الباب أمام احتمالات الكارثة.
وتقع بحيرة طبريا شمال فلسطين المحتلة، بالتحديد شرق منطقة الجليل، وتُعد أدنى بحيرة مياه عذبة مكشوفة على سطح الأرض، حيث تقع على عمق 213 مترًا تحت مستوى سطح البحر، وتمتد على مساحة 166 كيلومترًا مربعًا، ويمنحها هذا الموقع الجغرافي
المميز أهميةً بيئية واقتصادية كبيرة في المنطقة، ما يزيد من خطورة أي تقلب في مستويات المياه، من منظور اقتصادي بالنسبة للمستوطنين اليهود، أما بالنسبة لكثير من العرب فالخطورة تعود إلى اعتقاد ديني بأن جفافها من علامات الساعة الكبرى.
أرقام تضع الجميع في حالة تأهب
تشير بيانات رسمية نشرتها شبكة «CNN» نقلًا عن مركز طقس العرب، إلى أن منسوب المياه الحالي يبلغ نحو 211.3 مترًا تحت مستوى سطح البحر، وبينما لم تصل البحيرة بعد إلى الخط الأسود الحرج (214.2 مترًا)، فإن اقترابها التدريجي من هذا الحدّ، أعاد للأذهان ما حدث في عام 2011، حين بلغت البحيرة أدنى مستوى لها، قبل أن تتعافى تدريجيًا بفضل أمطار استثنائية في السنوات اللاحقة.
ويرجع الانخفاض الحاد في منسوب المياه إلى مجموعة من العوامل المعقدة، أبرزها ندرة الأمطار خلال الموسم الماضي، والاعتماد المفرط على مياه البحيرة لسد الاحتياجات السكانية والزراعية للمستوطنين في إسرائيل، إلى جانب
تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة، التي تؤدي إلى زيادة معدلات التبخر، ورغم بعض التحسن الذي شهدته البحيرة خلال سنوات 2019 و2020 بفضل مواسم مطيرة، فإن التذبذب الكبير في مستويات المياه جعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتابع الموقف عن كثب.

شريان حياة اقتصادي.. بجانب النشاط السياحي والموروث الديني
لطالما مثلت بحيرة طبريا مصدرًا رئيسيًا للمياه العذبة، حيث كانت في العقود الماضية تؤمّن نحو ثلث احتياجات السكان من المياه، قبل الاعتماد بشكل موسع على مشاريع تحلية المياه، كما تلعب دورًا اقتصاديًا محوريًا، من خلال تغذية المشاريع الزراعية المحيطة، ما يساهم في إنتاج وتصدير محاصيل استراتيجية مثل الفواكه وزيت الزيتون.
إضافةً إلى ذلك، تُستخدم مياه البحيرة في الري المنتظم، ما يدعم الاقتصاد الزراعي ويوفّر فرص عمل للمستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتُعد البحيرة أيضًا نقطة جذب سياحي بارزة، لما
تحمله من أهمية دينية وتاريخية، إذ ارتبطت بأحداث دينية في المسيحية واليهودية والإسلام، إلى جانب كونها مكانًا مفضلًا للأنشطة الترفيهية كالإبحار وزيارة المنتجعات، فآلاف الزوار، من داخل فلسطين
وخارجها، يزورون المنطقة سنويًا، أما من الناحية البيئية، فرغم تراجع معدلات الصيد، لا تزال البحيرة تضم أنواعًا متعددة من الأسماك، مثل البلطي، ويتم منح تراخيص محدودة للصيادين لحماية التوازن البيولوجي.
قلق ديني متجذر لدى المسلمين
ما يُضفي على الأزمة بُعدًا آخر هو القلق الديني، خاصًة لدى المسلمين، بشأن اقتراب جفاف بحيرة طبريا، إذ ورد ذكرها في أحاديث نبوية ضمن علامات الساعة الكبرى، فقد نُقل في الحديث الشريف قول المسيح الدجال عن البحيرة
سائلًا جماعة من الصحابة وصلوا إلى موقعه في جزيرة جنوب شبه الجزيرة العربية: «أما إن ماءها يوشك أن يذهب؟» وتُشير روايات بعض الكتب، مثل «البداية والنهاية» لابن كثير، إلى أن جفاف البحيرة يرتبط بمرور يأجوج ومأجوج
عليها، إذ يشرب أولهم كل ما فيها حتى إذا ما وصل إليها آخرهم قال إنه كان فيها يومًا ماءً، ما يجعل أي انخفاض كبير في منسوبها مثار قلق واستنفار روحي لدى البعض، باعتباره مؤشرًا على اقتراب الأحداث الأخيرة في آخر الزمان.