القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

بورسعيد تنعي القمص بطرس الجبلي بطل المقاومة الشعبية

كتب الصحفي حمدي جمعة على صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك” منشورًا مؤثرًا ينعى فيه القمص بطرس الجبلاوي، راعي كنيسة مارجرجس ببورسعيد، وأحد أبطال المقاومة الشعبية الذين خلدوا أسماءهم في ذاكرة الوطن والمكان، قائلًا:

بورسعيد تنعي القمص بطرس الجبلي بطل المقاومة الشعبية

“شايف حضرتك صورة الكارنيه ده؟ من فضلك اقرأ بياناته وتأملها كويس… ده مش مجرد كارنيه، ده وثيقة نادرة لفرد من أفراد المقاومة الشعبية اللي تم استبقاؤه في بورسعيد بعد نكسة 67. والمفاجأة؟ حامل الكارنيه مش مواطن عادي، ده القمص بطرس الجبلاوي، راعي كنيسة مارجرجس، الكنيسة اللي بتقع في شارع محمد علي، بين حي الأفرنج وحي العرب”.

بكلماته العفوية الممزوجة بالألم والفخر، يستحضر جمعة صورة رجل دين لم ينغلق على صومعته، بل انفتح على الوطن بكل جوارحه. فالقمص بطرس لم يكن فقط كاهنًا يرتدي زيه الكهنوتي ويؤدي صلواته، بل كان جزءًا حيًّا من نسيج المدينة المقاوم، يؤدي دوره في صفوف المقاومة الشعبية جنبًا إلى جنب مع أبناء الوطن من المسلمين والمسيحيين، في وقت كانت فيه بورسعيد تواجه تبعات الاحتلال والهزيمة.

ويضيف الكاتب: “الأب بطرس كان من أهم القيادات الطبيعية في بورسعيد. رجل محبوب من الجميع، وكانت تربطه صداقة وثيقة بالمرحوم الشيخ إبراهيم العتمة، مأذون بورسعيد التاريخي. وكانت جلساتهما معًا تُضرب بها الأمثال في الود والإنسانية، فلم تكن تخلو من الضحك والنكات اللاذعة التي كانت تعبّر عن روح مصرية خالصة لا تعرف الطائفية، بل تسخر منها”.

ومن المواقف الطريفة التي رواها الكاتب، قصة عزاء شهده القمص بطرس، حيث كان الشيخ العتمة يتلو الدعاء على المتوفي، ثم اختتمه كعادته بالدعاء للمتوفين من المسلمين، قبل أن ينتبه فجأة لوجود القمص بطرس

الجبلاوي بين الحضور، فاستدرك مبتسمًا: “اللهم ارحم موتى المسيحيين كمان، علشان أبونا بطرس موجود معنا”. كانت لحظة دافئة تحمل روح الدعابة والمحبة والتسامح الديني الحقيقي الذي طالما تميزت به المدينة الباسلة.

وروى الكاتب أيضًا كيف كان القمص بطرس، بعد فوزه في انتخابات مجلس محلي المحافظة، يجلس على كرسي متواضع على رصيف الكنيسة ليستقبل طلبات الناس، مراعاةً لمشاعر أولئك الذين قد يتحرجون من دخول الكنيسة، مؤكدًا على احترامه للجميع وحرصه على خدمة الناس دون تفرقة أو حرج.

لكن رغم هذا التاريخ المضيء، جاءت نهاية القمص الجبلاوي على نحو لا يليق برمز وطني مثله، كما أشار الكاتب بأسى بالغ. حيث يقول: “الغريب، والمؤلم، أن القس بطل المقاومة الشعبية والقائد الطبيعي عاش آخر أيامه مغتربًا ومقهورًا… والسبب؟ واحد من أبنائه استورد عام 2010 كرتونة بمب، وسط شحنة ألعاب أطفال. الكرتونة اتصادرت، واتعمل محضر رسمي، وكان الأمر في ظاهره بسيطًا”.

غير أن تطورات القضية أخذت منحى دراماتيكيًا حين نشرت جريدة “الشروق” خبرًا في صفحتها الأولى، كتبه الصحفي صابر مشهور، نقل فيه أن المحامي نبيه الوحش تقدم ببلاغ ضد نجل وكيل مطرانية بورسعيد، متهمًا إياه بتهريب “سفينة سلاح” من إسرائيل. وبين ليلة وضحاها، تحوّلت كرتونة البمب إلى “سفينة تهريب سلاح”، وتحوّلت الاتهامات الموجهة إلى ابنه إلى وصمة طالت سمعة الأب المقاوم.

“رجل عاش عمره يدافع عن بلده، ويتحرك في كل شبر من أرضها لخدمة ناسها، اتقهر من التهمة، واتسحق تحت عبء الظلم”، يقول الكاتب. لم يحتمل القمص الجبلاوي هول ما نُسب إليه وعائلته، فاختار أن يعيش آخر سنواته بعيدًا عن المدينة التي أحبها، بعيدًا عن المذبح والكنيسة، بعيدًا عن جلسات الصداقة مع الشيخ العتمة، ليرحل في غربته حزينًا ومنكسرًا.

وفي نهاية منشوره، يكشف الكاتب أن خبر وفاة القمص بطرس الجبلاوي جاءه من صفحة حفيدة نائب بورسعيد التاريخي حامد الألفي، حيث كتبت السيدة Hala Elalfy: “القسيس، بطل المقاومة الشعبية، وصديق آبائنا… توفي في غربته”.

ويختتم جمعة كلماته بألم: “أعزي نفسي، وأعزي كل بورسعيدي، وكل مصري وطني، في وفاة القمص بطرس الجبلاوي، الرجل الذي عاش للوطن، ومات بعيدًا عنه”.

وطنى
09 يوليو 2025 |