في قلب القاهرة، وعلى بُعد خطوات من محطة رمسيس، اشتعلت النيران في سنترال رمسيس، التابع للشركة المصرية للاتصالات، خلال دقائق، تحوّلت غرفة التحكم الرئيسية داخل المبنى إلى كتلة لهب، وتسببت في شلل شبه تام بخدمات الإنترنت والمكالمات الهاتفية والخدمات المصرفية في أنحاء متفرقة من العاصمة.

مشهد الحريق.. دقائق صنعت الكارثة
يروي شريف.م، أحد موظفي الصيانة بالمبنى، ما رآه نهار أمس كنت في الطابق الثاني، وفجأة شمينا ريحة شياط غريبة جاية من غرفة السيرفرات. افتكرنا إنه مجرد حمل زيادة أو فيشة اتحرقت، بس بعد أقل من دقيقة، سمعنا صوت فرقعة، وبعدها انفجار خفيف، وبدأ الدخان يطلع بكثافة.
ويتابع: جرينا على طفايات الحريق، لكن أجهزة الإنذار مشتغلتش، ولا حتى رشاشات المياه، حسب قولهم.
في المقابل، أشار أحد رجال الحماية المدنية إلى أن بلاغ الحريق وصل متأخرًا نسبيًا، وأن التأخير في الإخلاء ساعد على تفاقم الوضع. أغلب العاملين ما عرفوش يخرجوا بسرعة، لأن مفيش تدريب طوارئ أصلًا، وكأنهم بيتفاجئوا بالحريق لأول مرة.
20 ساعة من النيران.. ووجوهٌ أنهكها الدخان
بعد أكثر من عشرين ساعة من العمل المتواصل، كان المشهد خارج سنترال رمسيس صباح اليوم التالي أشبه بصورة من فيلم كوارث: رجال الحماية المدنية يجلسون على الأرض في صمتٍ ثقيل، أجسادهم منهكة، وملامحهم مطفأة من فرط الإجهاد. تغطي وجوههم طبقة من السُخام، وعيونهم محاطة بإطار من العرق والأسى.
يقول محمد عادل، أحد رجال الإطفاء الذين شاركوا في المهمة: من أول ما جالنا البلاغ الساعة أربعة العصر، والناس كلها نازلة على رجلها، عربيات الإطفاء دخلت واحدة ورا التانية، بس المبنى كان خانق.. في مواد مستخدمة في المكان بتخلي الدخان كأنك جوه علبة مغلقة، مقدرناش ندخل بسهولة، ومع ذلك محدش وقف.
ويضيف زميله، وقد جلس واضعًا خوذته على الأرض اللي شافه الناس من بره، مش زي اللي عشناه جوه.. نار فوق نار، وحرارة غير طبيعية، وكل ده وإحنا بنحاول ننقذ مكان لو وقع، البلد كلها هتتهز.
ويذكر أحد رجال الإطفاء كان في موظف كبير في السن وقع على السلالم. لو اتأخرنا دقيقة، كان مات من الاختناق. وإحنا نازلينه، الكهرباء كانت لسه ما انفصلتش كلها، والشرر حوالينا بس إحنا متعودين نعدي النار.
هؤلاء الرجال خاضوا معركة ضد الحريق دون أن يملكوا رفاهية التراجع أو الراحة.. مشهدهم المنهك خارج المبنى كان لافتًا لكل من مرّ بالمكان، حيث لم يكن أحدهم قادرًا حتى على الحديث، فقط أعينهم تبوح بكل ما جرى.