القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«حياة كريمة» فى «كفر السنابسة» بقلم حمدي رزق

بقلم حمدي رزق

تقريبًا بيت جدى الأكبر عاشور رزق كان يقع على خط التماس بين بلدتنا منوف، وكفر السنابسة، وتربط بينهما ترعة ثعبانية رفيعة، وطرق ترابية تتلوى بين الحقول الخضراء..

«حياة كريمة» فى «كفر السنابسة» بقلم حمدي رزق

الطريق بين مدينتى منوف وكفر السنابسة فحسب كيلومترات قليلة، خدت من جزمتى الكاوتش (باتا) راقات، كنا صغارا نذاكر دروسنا على هذه الطرق المتربة، ونرتاح عند الساقية تحت شجرة التوت الظليلة، نأكل ونتوضأ ونصلى العصر ونرتاح قليلا من وعثاء الطريق.

والدى (عثمان) بعد رحيل والده (عاشور) وتفرق أعمامه فى الحقول، ارتحل إلى (منوف)، ولكنى لم أرتحل عاطفيا، وظللت مواظبًا على زيارة شجرة الكفر العتيقة كلما استبدّ بى الشوق.. كنت أزورها أحيانًا فى صحبة، وأحيانًا وحدى كى أملى عينى من الخضرة التى أفتقدها قاهريًا.

وكرّت السنون كرّ حبات المسبحة بين أصابع رجل صالح، تقريبا نسيت الكفر الذى صار قرية، وتاهت منى معالم الطريق، ولم يتبق فى ذاكرتى المتصحرة سوى الاسم (كفر السنابسة) الذى أرجعته (بوابة الأهرام) لقبيلة عربية، فكلمة السنابسة ترجع إلى سنبس أحد بطون قبيلة طىء العربية القحطانية اليمنية.

واتشحت الكفر الخضراء بالسواد، وارتدت نسوتها ثياب الحداد، وخرجت الجدات من قعور بيوتهن تبكين فلذات أكبادهن، وعفرن الرؤوس بتراب السكة، وانتبذ الرجال مكانا يدارون فيه دموعهم المالحة، ومرّغت الأخوات وجوههن فى صدورهن، وباتت الكفر حزينة، وستحزن طويلًا على عرايس يا دوب خرطهن خراط البنات، خرجن من دورهن قبيل الفجر سعيًا للرزق الحلال فعدن فى أكفانهن، سبحان من له الدوام..

بصورة الأكفان صارت كفر السنابسة قرية الشهيدات، لدينا مدينة الشهداء وقطار الشهداء فى محافظة المنوفية، صار لدينا قرية الشهيدات ومدينة الشهداء.

كفر البنات، كانت قرية فى طى النسيان، تلتمس حاجتها من المدينة نورها منوف، وبكت منوف بنات الكفر، هن بناتها، وكان مشهد الجنازة مروعًا، لعلها الجنازة الأكبر فى تاريخ منوف وأجوارها.

تبحث عن معلومات عن الكفر المنسى فى غيابات الجب المسحور، لا تجد سوى معلومة تاريخها قبل ثلاثين عاما بإحصاء قديم متقادم عن عدد السكان ذكور وإناث (إحصاء 1996).

الشهيدات كتبن للكفر حياة، وسيكتب للكفر شهادة ميلاد على خارطة المحروسة محررة بدماء الشهيدات.

عطفة السيد الرئيس بتعزية مشفوعة بتعويض كريم، وتعزية السيدة الأولى فى عطفة إنسانية رقيقة، وحضور كبار المسؤولين للعزاء، مستوجب ترجمته تعويض القرية ما فاتها من فرص حياة كريمة، أفضل تعويض تدخل قوافل مشروع حياة كريمة من فورها، ويعاد

إعمار القرية (الكفر)، وتوفير الخدمات والمدارس والمشافى لأولادها، ويتبرع رجال الأعمال الكرماء من منوف وأجوارها بإقامة مصنع ومشغل لفتياتها على راس الغيط، عند الساقية القديمة، يحمونهن من مشقة الجرى وراء لقمة العيش فى مزارع السخرة.

تعويض الكفر بـحياة كريمة أفضل العزاء، وتعزية الأحياء من أهل الكفر عن الشهيدات فرض عين، مسح الدموع ليس بالتعازى، البكاء على رأس الميت، بالتعويض عليهم، وكفالتهم وكرامتهم، وإنارة بيوتهم، وتهيئة حياة كريمة للأسر الحزينة بإتاحة فرص عمل كريمة لبنات الكفر، أقصد كفر الشهيدات.. البقاء لله.

حمدي رزق - المصرى اليوم
30 يونيو 2025 |