«مفيش أي حاجة كانت توحى إننا هنعيش الليلة دى».. كانت الجملة الوحيدة التي استطاعت أم «عمر» – عمة الطفلة «لوجى» – أن تنطق بها قبل أن تدخل في نوبة بكاء، وهى تستعيد لحظة اختفاء الصغيرة، تلك التي لم تتجاوز العامين والنصف من عمرها، وخرجت

من بيتها في دهشور بالبدرشين جنوب الجيزة، بحثًا عن قطعة حلوى، لتغدو بعد ساعات داخل «جوال» مسموم بالكلور، تخفيه جارة الأم المتهمة بقتل الصغيرة لسرقة قرطها الذهبى، لمرورها بضائقة مالية- وفق اعترافاتها عقب القبض عليها من قبل أجهزة الأمن.
حكاية لوجي ضحية جارتها في البدرشين
خرجت الطفلة «لوجى» برفقة 3 من أولاد خالها الصغار في مهمة لا تتجاوز بضع دقائق، لجلب حلوى من محل البقالة القريب.. كانت الطفلة تمسك بيد قريبتها، بينما يتقدم الصغيران الآخران خطوات نحو باب المحل، حيث كانت «أسماء» – جارتهم وصاحبة محل البقالة – تراقبهم ببرود غريب، يخفى ما يُطبخ في النوايا.
بحسب شهادة «أم عمر»، فإن «أسماء»، التي تربطها صلة قرابة بالعائلة، كانت تعرف الطفلة وأولادها يكبرون «لوجى» بعامين فقط، «يعنى شايفاها زى بنتها، عمرها ما ضايقتها ولا شفنا منها حاجة تخوف»، تقول العمة، وهى تمسح دموعها بطرف حجابها الأسود، لـ«المصرى اليوم»، وتضيف: «لكن الطمع غيّر وشها وقلّب قلبها حجر».
كان السيناريو مدروسًا بعناية، طلبت «أسماء» من أحد الأطفال أن يذهب ويجلب لها كوب ماء من كولدير المسجد المجاور، بذلك، تُركت «لوجى» بمفردها، الطفلة لم تكن تدرك أن هذه اللحظة ستكون الأخيرة التي تُرى فيها وهي على قيد الحياة.
«البنت الصغيرة اللى راحت تجيب كوباية الميه رجعت ملقتش لوجى، جريت على عمتها وقالتلها: أسماء خدت لوجى»، تروى أم «عمر»، مؤكدة أن لحظات الفزع بدأت من هنا، و«البيت كله طلع يجرى يدور، لدرجة إن أمها كانت
بتصرخ: بنتى فين يا أسماء؟»، ردت عليها الجارة صاحبة محل البقالة، دون أن ترمش: «دورى عليها.. شوفى يمكن حد تانى خدها»، تقول العمة: «ثم ضحكت الجارة، ضحكت، والضحكة تلك كانت هي السكين الثانية في قلب الأم».
شهادة أسرة الطفلة لوجي ضحية البدرشين بعد العثور عليها
كاميرات المراقبة كشفت الحقيقة، لكنها أكدت ما كانت العائلة ترتاب فيه: «لوجى دخلت محل البقالة، ومخرجتش»، تقول العمة، أما «أسماء» فكانت تفتح «جوالًا» داخل المحل، تُغلقه على عجل، دون أن يعرف أحد أن الجوال يحتوى على جثمان الطفلة التي لم تبلغ الثالثة من العمر.
أغلقت صاحبة محل البقالة، وذهبت إلى شقتها في العقار محل سكنها، وقبلها حدثت مشادات بين العائلة وعائلة المتهمة، «كلهم كانوا بينكروا إنها عندهم»، يحكى عم الطفلة «محمد»، مضيفًا أن الشعور بالخطر بدأ يضغط على الجميع: «قلنا مش هنستنى 48 ساعة، دى طفلة صغيرة ومش منطق إنها تايهة في الشارع ولا حد شافها».
داخل الشارع الضيق، حيث لم تهدأ خطوات البحث ولا الصرخات، وصلت قوات الشرطة بعد العشاء، وتم استدعاء «أسماء» إلى مركز الشرطة، وهناك بدأت حلقات الشك تنسج حبالها حول رقبتها، لا سيما بعد اكتشاف تناقض أقوالها.
«قلنا للمباحث شوفوا الكاميرات، البنت دخلت وماخرجتش»، يقول العم، في هذه اللحظة، لم يكن أحد يعلم أن «أسماء» أخفت جثمان «لوجى» خلف بيتها، بعدما خنقتها داخل محل البقالة، وأغرقتها بالكلور، وأخفتها في جوال بلاستيكى متين، كانت تنوى التخلص منه لاحقًا.
«هى كانت ناوية من الأول تقتلها عشان حلقها»، تعاود العمة حديثها بألم، موضحة أن الطفلة كانت ترتدى قرطًا ذهبيًا في أذنيها الصغيرتين، وأن «أسماء» انتزعت الحلق بالقوة، حتى إنها «قطعت ودان البنت وخدت الفردتين».


طفلة تبحث عن حلوى فتنتهي جثة داخل جوال
الأسرة لم تنتظر كثيرًا بعد زيادة الشكوك، حاولت اقتحام شقة «أسماء» بعد ضغط من الأهالى، وكان الجوال موجودًا خلف العقار محل سكنها، داخل مكان مهجور، بجوار «مصرف صغير»، وتم فتحه بحذر، و«لقينا لوجى
وهدومها مليانة ميه، وريحة الكلور طالعة منها»، بحسب عمها «مصطفى»، الذي هرول بالجثمان إلى أقرب مستشفى، حيث تبين أن المجنى عليها لفظت أنفاسها الأخيرة، بعدما تعرضت للخنق، ثم تم إغراقها في سائل يحتوى على الكلور.
التحريات كشفت أن المتهمة تمر بضائقة مالية، وكانت تستدين من جيرانها مؤخرًا.. «جات لنا كلنا تطلب فلوس، من أم لوجى، ومنى أنا شخصيًا، ومن أولاد خالها، وكل واحد رفض، فقررت تاخد الحلق عشان تبيعه»، يقول «محمد»، عم الضحية، وقد بدا الغضب يسيطر على وجهه رغم محاولته التماسك.
«لوجي» كانت آخر العنقود، الفاكهة التي تضفي الحلاوة على المنزل، كما يصفها «رمضان»، عمها الأكبر، الذي لم يكن يصدق أن «خروجها من البيت لشراء لعبة» سيتحول إلى مأتم: «كأنها خارجة من بيتها عشان تروح القبر على طول، معرفناش حتى نودعها».
على مدار 5 ساعات كاملة، ظلت الأسرة تبحث في كل مكان. «فوق أسطح البيوت، جوه البيوت، عند الجيران، عند المحلات، في الترع، في كل حتة.. مفيش»، يقول «رمضان»، حتى جاءت اللحظة القاسية: «الكاميرات كشفت الحقيقة».
لماذا قتلت الجارة الطفلة من أجل القرط الذهبي؟
المشهد كان قاسيًا على الجميع، لكن الأقسى كان على إخوة «لوجى»- «روضة» 17 عامًا، و«محمد» 15 عامًا، و«يوسف» 12 عامًا، و«حمزة» 9 سنوات، جميعهم في حالة صدمة، يقول العم: «أخويا عبدالله ومراته قافلين الباب على نفسهم من ساعة الدفن، مش بيردوا على حد، ولا بيخرجوا، ولا بيأكلوا».
أما أولاد خالها، بسمة (10 سنوات)، ورحمة (5 سنوات)، ومسعد (10 سنوات)، فقد كانوا شهودًا على الخطة التي رسمتها «أسماء»، إذ كانت الطفلة «رحمة» هي التي ذهبت لجلب الماء، قبل أن تعود فلا تجد «لوجي»، «ومكنتش فاهمة يعني إيه البنت اختفت، قالت لأم لوجي: أسماء خدت لوجي.. وخلاص»، يقول عم المجنى علهيا، وهو يمسك يد الصغيرة التي لم تدرك بعد أن صديقتها قُتلت.


مشاهد جنازة مؤلمة لطفلة قتلتها جارتها
وكانت النيابة العامة قد قررت حبس المتهمة «أسماء» 4 أيام على ذمة التحقيق، ووجهت لها تهمة القتل العمد المقترن بالسرقة. في جنازة الطفلة الصغيرة، كانت النساء يلطمن الوجوه، والأمهات يحتضن أطفالهن بشدة: «كانوا بيزفوها كأنها للجنة»، تقول إحدى الجارات، وتضيف: «كان نفسي أقول لأمها إن ربنا هينتقم، بس لسانها كان ساكت والدموع بتتكلم».
الجيران توافدوا بالعشرات، منهم من لم يكن يعرف «لوجي»، لكن الجميع تأثر بقصتها. على باب المقابر، توقفت الجنازة لحظة، وعلت أصوات الدعاء: «اللهم اجعلها شفيعة لأبويها.. واجعلها طيرًا من طيور الجنة».
في منزل العائلة، الحزن يأكل الجدران، والذكريات تخنق الهواء، تقول العمة: «كانت لما تصحى الصبح أول حاجة تعملها تجري على حضني، وتقول لي: فين لعبتي؟».



