قال الحكيم، أصحاب الغمّ والحزن فى الدّنيا ثلاثة، محب فارق حبيبه، ووالد ضلّ ولده، وغنى فقد ماله، ونسى الحكيم رابعهم، من صدمته أهوال الحرب، وشاهد بأم عينيه قهر الرجال، وقبر الأطفال جوعى، ونحيب ثَكْلَى فقدت وليدها.

قل لمن يحمل هماً إنّ الهمّ لا يدوم، مثلما يفنى السّرور هكذا تفنى الهموم.. يبدو أن حكيمنا عاش فى بحبوحة هانئا مسرورا، لم يعش حربا، ولم يجرب مهلكة، ولم يسمع أزيز صواريخ فرط صوتية، ولم يرتعب من تسرب إشعاعى!.
الحالة كرب لا تعالجها حكم ولا أمثال ولا أقوال مأثورة، والكرب (أو اضطراب الكرب التالى للصدمة) هو اضطراب نفسى قد يعانى منه الأفراد بعد تعرضهم لحدث صادم أو مؤلم، مثل الحرب.
لا يعتبر الكرب مجرد اكتئاب ما بعد الحرب، بل هو حالة أوسع تشمل مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية التى قد تظهر بعد الصدمة.
سكان هذه البقعة المنكوبة بالحروب، سيعانون طويلا، حالتهم كرب، يعانون ويلات الحرب ويكتوون بنيرانها المستعرة، منذ نشأة هذا الكيان الصهيونى سفاحا، والمنطقة تعانى متوالية مآسٍ، ما إن تهدأ حرب حتى تندلع أخرى، وحرب تجر فى أذيالها حربا، كتبت علينا الحروب، ومن كُتبت عليه حرب خاصها مجبورا.
عانينا كثيرا، وهن العظم واشتعل الرأس شيبا، وياما دقت على الرؤوس طبول حرب، حالتنا كرب، ونعيش كربا، المقلق ما ستعانيه الأجيال القادمة، من شبوا عن الطوق فصدمتهم الحرب، كمن حاصرته شاحنة مسرعة فى عرض الطريق تكاد تسحق عظامه.
نفسانيا، تكرار ذكريات مؤلمة للحدث الصادم (الحرب) وهى مذاعة ع الهواء مباشرة، يخلف كوابيس، أو ردود فعل عاطفية أو جسدية شديدة الوطأة عند تذكر ويلات الحرب فى الصباح الباكر أو عند الخلود إلى المهجع متعبا.
لن تفلح ميكانيزمات الهروب من تأثرات الحرب، كيف يتجنبها وينساها أو يتناساها أطفال غزة، كيف ينساها أو يهرب منها من هرب مذعورا من مسيرة تقصف رأسه العارى.
محاولة تجنب الأفكار، المشاعر، أو الأماكن التى تذكر الشخص بالحدث الصادم، يقينا ستفشل وابنه مقبور بين يديه.
الكرب أو ما بعد صدمة الحرب ستخلف حتما الشعور بالغضب العارم والرغبة الثأرية المحمومة، الخوف من الغد، الذنب، أو الشعور بالانفصال عن الآخرين، بالإضافة إلى صعوبة التركيز والشعور باليأس.
أعراض الكرب، منها سهولة الاستثارة، صعوبة النوم، والتهيج، وردود فعل مبالغ فيها للخوف أو المفاجآت.
أخطر تأثيرات القصف المفرط بالصواريخ فرط صوتية، الاكتئاب، قد يعانى الأشخاص المصابون بالكرب من أعراض تشبه الاكتئاب، مثل الحزن وفقدان الاهتمام بالحياة، يفقد الإنسان طعم الحياة، يزدرد سعادته، يكره أيامه، سوداوية تلون ناظريه.
الكرب الذى يخشى منه على شعوب المنطقة حالة أوسع تتضمن عوامل نفسانية مريعة، الميل للعزلة، ما يعرف بالتجنب، العيش فى الماضى، نستولوجيا استرجاع الذكريات، قد يكون الاكتئاب أحد أعراض الكرب، لكنه ليس بالضرورة جوهر الاضطراب.
مثل هذه الحرب، الكوارث الطبيعية، الاعتداءات، الحوادث الخطيرة، وغيرها من الأحداث التى تهدد البشرية، التعرض المتكرر للصدمة أكثر عرضة لتطور اضطراب الكرب التالى للصدمة.
المنطقة تحتاج إلى مصحة نفسانية تسع الكرة الأرضية، تقرر فيها علاجات ما بعد الحرب، العلاج السلوكى المعرفى (CBT) والعلاج بالتعرض هما من أكثر العلاجات فاعلية لاضطراب ما بعد الصدمة.
خلاصته، كما يقول الفنان الشعبى طيب الذكر حسن الأسمر، وفر دواك احسن يا طبيب.. مين اللى قال بدواك رح اطيب، قد يصف الطبيب الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب، لتخفيف بعض الأعراض، مثل الاكتئاب والقلق، وإذا كنت تعانى من أعراض الكرب، أعراض الحرب فمن المهم طلب المساعدة من إخصائى الصحة العقلية المؤهل لعلاج الكرب.