أود أن أهنئ إخوتنا المسلمين فى مصر والعالم بحلول عيد الأضحى، الذى احتُفِل به منذ أيام قليلة، كما أهنئ أقباط مصر بعيد حلول الروح القدس الذى احتفلت به الكنيسة القبطية يوم الأحد الماضى؛ مصلين إلى الله أن يحفظ مصر وشعبها بكل خير وسلام.

تحدَّثت فى مقالة سابقة عن الصراعات بين المماليك البحرية والمماليك المُعزية، الأمر الذس سبَّب فوضى فى البلاد، فى الوقت الذى ازداد فيه اقتراب الخطر المغولى من مصر والشام. كما أشرنا إلى موت أيبك بيد زوجته شجرة
الدر التى تم قتلها تباعًا، وتولى السلطان الملك المنصور نور الدين حكم الديار المصرية، بينما أصبح علم الدين سنجر الحلبى الأتابك. وقد أدى ذلك إلى زيادة الصراعات بين المماليك، وانتشار الاضطرابات فى البلاد، حيث
بدأ الضغط الأيوبى على مصر يتصاعد. وجاءت هزيمة المماليك الصالحية بيد الأمير قطز الذى وجد الفرصة مواتية لاعتلاء عرش البلاد، فعزل الملك المنصور فى عام 657هـ (1259م) بعد أن حكم مصر سنتين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يومًا.
السلطان الملك المُظفَّر قطز
(657- 758هـ) (1259- 1260م)
هو السلطان سيف الدين قطز بن عبدالله المُعزى، ولُقب بـالسلطان الملك المُظفَّر؛ وقد تولَّى حكم مصر بعد خلع السلطان المنصور، فى الوقت الذى اقترب فيه خطر المغول وتهديداتهم من
بلاد الشام. فقد وصل إلى مصر رسولٌ من حاكم حلب والشام، الملك الناصر صلاح الدين يوسف، يستغيث بمصر لمساندته فى قتال التتار، فأقام الأمير قطز مجلسًا فى دار السلطنة بقلعة الجبل،
حضره القضاة والفقهاء والأعيان واتفقوا على مواجهة الخطر المغولى؛ فيذكر ابن التغرى: ولم يتكلم السلطان بكلمة فى المجلس، لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه؛ فلهج الناس بخلع المنصور
وسلطنة قطز، حتى يقوم بهذا الأمر المهم. واتفق ذلك بعد أيام، وقبض قطز هذا على الملك المنصور على وتسلطن. وركب بشعار المُلك، وجلس على كرسى السلطنة وتم أمره. وهكذا، حكم الأمير قطز البلاد.
والمغول بدأوا كمجموعة من القبائل الرُّحَّل فى هضبة منغوليا شمالى صحراء جوبى، وكانت هذه القبائل فى حرب دائمة مع التتار الذين يجاورونهم. وقد استطاع الشاب تيموچين أن يوحد أهالى أقاليم آسيا الشرقية شمالى بلاد الصين تحت لوائه، وتربَّع
على العرش بعد اختياره إمبراطورًا من قبل القبائل المغولية؛ واتخذ لنفسه اسم جنكيز خان ويعنى فاتح العالم. وقد وضع جنكيز خان نصب عينيه هدفين هما: التوسع فى الجنوب على حساب الصين الشمالية، ومطاردة أعدائه الذين هربوا نحو غربى منغوليا والصين.
وبالفعل انتصر جنكيز خان على إمبراطور الصين، واى وانج، واستولى على عاصمة الصين بكين، كما استولى أيضًا على إقليم ما وراء النهر وازدادت مملكة جنكيز خان توسُّعًا.
ويذكر عدد من المؤرخين أن الخليفة العباسى الناصر قد راسل جنكيز خان ليحضر لديه من أجل مهاجمة الدولة الخوارزمية، ويذكر: ومهما يكن من أمر فقد كتب الخليفة العباسى المذكور إلى جنكيز خان بالعبور إلى
البلاد الإسلامية عارضًا عليه استعداده لمهاجمة الدولة الخوارزمية من الغرب، إن هو هاجمها من الشرق، ولكن رغم وصول هذه الرسالة إلى المغول فإنها لم تكن السبب فى غزو جنكيز خان للدولة الخوارزمية. إذ
فى الوقت الذى وصلت فيه كان جنكيز خان قد توسع فى فتوحاته جهة الغرب، حتى تاخمت بلاده حدود الدولة الخوارزمية، واستطاع أن يعقد معاهدة تجارية مع الخوارزميين، لذلك لم يعِر رسالة الخليفة أى التفاتة.
إلا أن الأمور بين المغول والخوارزمية لم تسِر بسلام؛ بل وقعت الخلافات والفتن حتى أصبحت الحرب أمرًا واقعًا، وتمكَّن جنكيز خان من السيطرة على إقليم ما وراء النهر، والسيطرة على العاصمة خوارزم فى عام 618هـ (1221م). و... ومازال الحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!
* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى