للشاعر اللبنانى الفذ إيليا أبوماضى بيت شعر فى قصيدة الشجاع يقول فيه:

وحياة أمدّ فيها التوقّى
لا توازى فى المجد بضع ثوان
الشجاع عندى من أمسى
يغنّى والدمع فى الأجفان
وبالدموع شيع أهالى قرية المصادرة التابعة لمركز بنى عبيد، بمحافظة الدقهلية، جثمان البطل خالد شوقى عبدالعال، الذى وافته المنية، متأثرًا بإصابته، حين افتدى بروحه المواطنين، فى حادث احتراق سيارة إمداد بالبنزين بمنطقة العاشر من رمضان.
ونعاه رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى، بعد أن قدم نموذجًا للبطولة والتضحية، وقررت وزارة البترول معاشًا استثنائيًا، وقرر رئيس جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان إطلاق اسم البطل على أحد شوارع المدينة، تخليدًا لذكراه وتكريمًا لموقفه البطولى الذى عبّر عن أسمى معانى الشجاعة والإخلاص.
فعلًا الجبناء يهربون من الخطر، والخطر يفر من وجه الشجعان، والشهيد خالد لم يفر من الخطر، واجه الخطر بقلب أسد، وضحى بروحه لإنقاذ عشرات الأرواح، لم يجبن ولم يفر بل قاد سيارته المشتعلة بعيدًا عن محطة البنزين، مضحيًا بروحه الغالية من أجل الواجب، متسلحًا بالفداء، مستبطنًا التضحية.
لم يدر فى خلده أن تُكتب عنه هذه السطور، ولا اسمه على شارع، ولم يطلب لنفسه وأسرته من بعده معاشًا، فقط الواجب والتضحية متسلحًا بالشجاعة أهم الصفات الإنسانية لأنّها الصفة التى تضمن باقى الصفات.
درس خالد، لابد أن يدرك الرجل حقيقة مهمة ألا وهى أن الرجولة أفعال وليست أقوالاً، ورجولة خالد فى فعله، وكم من ارتسم شجاعًا علينا بالقول، وإذا اختبرت شجاعته لم تواته، وبحث عنها لم تجبه، الشجاع مفطور على الشجاعة، إن الجبان يموت آلاف المرات، ولكن الشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة، وذاق خالد الموت، وغنم الشهادة، وسجل اسمه فى سجل الشهداء العظام.
لم أندهش من شجاعة الشهيد خالد، كم من شهداء أحياء بين ظهرانينا، شهداء هذا الوطن العظيم فى كل موقع، على الحدود شهداء أحياء، وداخل الحدود شهداء أحياء، وإذا نادى المنادى وحم الخطب كلنا شهداء، وطن خبر الشهادة، ويقدم كل يوم آيات من الشهادة، وشهادة خالد نموذج ومثال.
الشجاع من يخلق من اليأس أملاً، لأن اليأس فيه طعم الموت، ولأن الشجاعة معنى الحياة، أمثال خالد هم من يلونون حياتنا بالأمل، بشجاعتهم يهشون غربان اليأس من على شجر الحياة.
خالد السائق البسيط يهبنا أملًا، متى نفهم أن الرجولة هى الجلد على العمل وحمل المسؤولية والصمود فى وجه العقبات الجسام والبطولة فى الميدان وفداء الأوطان، وأن المجد الحقيقى ليس مكانه مخادع الغوانى وإنما المعامل والمصانع والحقول وميادين القتال.
إن الرجل (مثل خالد) سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها، وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين أقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها فى إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة.
هناك حكمة تقول: فعل رجل فى ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل، ومعناها أن الأفعال أقوى تأثيرًا من الكلام، فلو أن رجلاً مثل خالد فعل موقفًا أخلاقيًا يدل على الشجاعة مثلًا، سيكون تأثيره أقوى فى آلاف الناس من ألف محاضرة يلقيها بروفيسور عن الشجاعة.