القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

يرشقون نوافذَ القطارات! مقصلةُ الفرص الجميلة! بقلم فاطمة ناعوت

بقلم فاطمة ناعوت

علامة التعجب فى عنوان المقال كان يجب أن تكون ألف علامة وعلامة لتكافئ حجمَ الدهشة والذهول والألم! اقرأوا هذا الخبر ثم تألموا معى: رشق عربة النوم المُطوّرة بالحجارة فى أول رحلة لها على خطّ الصعيد!،

يرشقون نوافذَ القطارات! مقصلةُ الفرص الجميلة! بقلم فاطمة ناعوت

عجبٌ من الذين يخربون ملكيات عامة، وخصوصًا: حُلم الاهتمام بالصعيد المنسى!، لماذا ولصالح مَن؟! لكن الأعجبَ أن الأمر مرَّ مرور الكرام؛ وكأن رشقَ نوافذ القطارات وتصديع زجاجها باتَ أمرًا عاديًا

مألوفًا ومن طبائع الأمور فى مصر! أمرٌ كهذا لو جرى فى دولة مثل اليابان مثلًا، وهذا مستحيلٌ قطعًا، لانفجرت الثوراتُ فى كل الطرقات، ولضجّتِ الشاشاتُ بالخبر الجلل، ولأُجريت أبحاثٌ وشُكّلت لجانٌ،

وعُقدت مؤتمراتٌ وانبرى خبراءُ نفسيون وتربيون يدرسون السبب وراء هذا السلوك المشين، ولأعاد كلُّ أبٍ وأمٍّ النظر فى منظومة تربية أطفالهم الأخلاقية (لأن من يأتون هذا الفعل الشاذ أطفالٌ أبرياء! ولسبب مجهول!).

بدأت تلك الظاهرة حين كان الأهالى يرشقون قطارات الجنود الإنجليز أيام الاحتلال البريطانى لمصر كنوع من المقاومة. ورحل الاحتلالُ منذ عقود، لكن الأهالى فيما يبدو لم يخبروا أطفالهم بعد! منذ قرأتُ

الخبر أمس الأول وأنا فى حال يأسٍ وإحباطٍ أظلم الأمل فى عينى! وكاد عقلى ينفجرُ بالسؤال الحائر: لمـــــاذا؟! لصالح مَن؟! شىء جميل قدّمه الوطنُ لنا، فلماذا ندمره بأيدينا؟! نتنفسُ الصعداء حين

ننجزُ شيئًا جميلا فى بلادنا فى لحظة عُسر اقتصادى، فبدلًا من الفرح به والحفاظ عليه، نُدمّره يوم ميلاده؟! ثم نشكو الحكومات التى لا ترانا ولا تترفقُ بنا ولا تهتم بنا، ونتباكى على حظنا العسر حين

نقارنُ بيننا وبين المواطن السويسرى واليابانى والسويدى! لكننا ننسى عامدين أن نعترف بأن مواطن تلك الدول الراقية لا يدمر منشآته العامة، بل يربى أطفاله على أن الحفاظ على الملكيات العامة هو ألف

باء الفضيلة والمواطنة والدين والأخلاق!!!! إنها مِقصلةُ الفرص الجميلة! ما أن رفرف الحلمُ بجناحيه على قضبان الجنوب، حتى انقضّ عليه حجرٌ أعمى، حَسِبَ أن فى وجه القمر لطخةً يجب أن تُمسَح برشقٍ

بحجر. قطارٌ جديد، نظيف، ناعمٌ كحُلمٍ، عصىٌّ كرجاء، يتسلّل إلى رئة الصعيد ليزرع فيه شيئًا من الحُسن، شيئًا من؟: نحن نستحق. لكنه لم يُكمل يومه الأول... ارتطم بالحقيقة القديمة: بعضُ القلوب لا تزال

تسكن الكهوف، وبعضُ الأيادى لا تجيد سوى رشق الطوب، وبعضُ العقول تكره النور وترتجف من أن يُضىء عتمتَها. رشَقوه بالحجارة! لماذا؟! رشَقوا الحُلمَ فى مُقلته، ثم راحوا يرقصون حول صراخه كأنهم أبطال!

متى صار التخريبُ بطولة، وتدمير الذات لهوًا ولعبًا؟! إنما هو انتحار مجانىّ، وطَعنٌ الذات بيد الذات! أولئك الصِّبية العابثون لم يصدّعوا زجاج نافذة فى قطار جديد أنيق يزهو فى خُيلاء ميلاده، بل

صدّعوا أملًا جفّتِ الحلوقُ فى المناداة به: الصعيد مُهمل! نظرةً للصعيد أيها السادة. وحين مدّت الدولةُ له يدًا، عاجَلها بعضُ أبنائه بقطع تلك اليد! أىُّ لعنةٍ هذه؟! أىُّ منطق يُبرر أن يهاجمَ

الفقيرُ فرصتَه فى الخلاص؟ أن يَخدشَ صورة نفسه حين تسطعُ مشرقةً؟ أيها الصعيدىُّ النبيل، الذى تشربت نخوتَه الأرضُ فصارت طِيبةُ عاصمةُ الحضارة والجمال... أتُرضيك مثل هذه الأفعالُ المشينة؟! هذا

الاغتيال للجمال؟! أيروق لك أن يهربَ القطارُ من جنباتكم وتعود سُحب الإهمال لتبسط خيمتها فوق مدنك الطيبة؟ أيروقك أن يتبدد أملُ الاستحقاق، لأن حجرًا أحمق سبق يد الشكر؟! التخريبُ ليس مزحة أولاد

ولا لهو لاهين، ولا: دول عيال صغيرين بتلعب. بل هو خيانةُ جيلٍ لجيل، وكَسرُ مرآةٍ كانت على وشك أن تُريَنا أنفسَنا فى هيئةٍ أجمل. التخريب يعنى أن أبًا وأمًّا انشغلا وتغافلا عن تربية طفل أن يكون صالحًا وإنسانًا سويًّا متحضرًا!

تأملوا تقريرًا يقول: كشف رئيس رابطة قائدى قطارات السكة الحديد أن القطارات تتعرض بشكل يومى لاعتداءات بإلقاء الحجارة بمداخل المحطات التى تتمركز فيها المساكن العشوائية

والمدارس والأسواق وتزداد ظاهرة التعدّى أثناء الدراسة، ويرشق الطلابُ القطار بوابل من الطوب والحجارة. وأكمل: لو قلنا فى يوم مفيش خساير، هيكون تكسير 8 ألواح زجاج. رشق

القطارات بالحجارة يُعرّض الركاب وسائقى القطارات للخطر، عطفًا إلى التلفيات التى يتم إصلاحها من ميزانية السكك الحديدية، ما يشكل عبئًا على ميزانية الصيانة الدورية. تصوروا!.

السؤال: كيف سيمارس أولئك الأشقياءُ هوايتهم الآثمة مع المونوريل؟ هل ستطاله حجاراتهم فى عليائه؟ أم سيلجأون إلى تطوير أدوات التخريب لتشمل النبال والسهام والقاذفات الطائرة؟

غاضبةٌ من كلّ أب وأم لم يربيا أطفالهما على أن الفضيلة تبدأ من الصلاح والتحضُّر وصناعة الجمال، لا من الشر والإيذاء وتخريب الممتلكات العامة واللهو الرخيص والعبث. اغرسوا فى أطفالكم حسَّ الجمال، بدلًا من أن تزرعوا فى يده حجرًا.

فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
09 يونيو 2025 |