الاستقالة هو الفعل الرسمى الذى يقوم من خلاله الشخص بالتخلى عن وظيفته أو منصبه، وتكون الاستقالة إن قام شخص ما بترك منصب له أو عمل حصل عليه بالانتخاب أو بالتوظيف، بينما لا يعتبر ترك المنصب أو الوظيفة مع انتهاء الفترة المحددة استقالة منه.

فى حال الوظيفة، فعندما يختار موظف ما ترك عمله بنفسه فهو يعتبر استقالة، وذلك على عكس الفصل أو إنهاء العمل الذى يكون إما بانتهاء مدة العقد المحدد أو بقرار من الشركة بفصل الموظف.
الاستقالة ليست دارجة فى قاموس الدولاب الوظيفى المصرى، والاستقالة المسببة تحتاج بالضرورة إلى مراجعات قانونية لبحث الأسباب، بعيدًا عن الحالة المصرية التى لا تقبل عادة فكرة الاستقالة تترجم على نحو غير مرغوب، ويوصف صاحبها
بـ(البطر) على النعمة (الوظيفة)، استقالة الدكتورة غادة والى، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة (UNODC)، والمديرة العامة لمكتب الأمم المتحدة فى فيينا (UNOV)، جاءت مسببة، ولأجمل الأسباب.. بل أجملها على الإطلاق.
تقدمت المصرية الراقية باستقالتها من موقعها العالمى تلبية لاحتياج إنسانى، احتياج إلى الدفء الأسرى، التواجد بين أسرتها وأحفادها، تعلق على استقالتها قائلة: رُزقت بكل أحفادى أثناء عملى فى الخارج، إلى جانب رغبتى فى رعاية والدى فى هذه السن.
وصفًا، استقالة لأجمل الأسباب، قد يبدو القرار غريبًا بعض الشىء على عقلية البعض، ومستغربًا من قبل البعض، ولكنها أولويات، ولكل امرئ أولوياته، مهم فى لحظة مواتية ترتيب الأولويات.
أولويات الدكتورة غادة بعد أن حققت كل طموحاتها مصريًا وعالميًا، الوالد الحنون، والأحفاد اللطاف، الفراق ما لم تستطع عليه صبرًا، ففضلت الدفء الأسرى على وظيفة معتبرة تحرمها من متعة الحياة الأسرية، ليس أجمل من ابتسامة الحفيد، وليس أعظم من رعاية الوالد، وبالوالدين إحسانًا..
السيدة غادة تترك منصبًا يتشوق إليه الطامحون حول العالم، وبعد نجاح مشهود فى خمس سنوات كانت مثمرة، وتؤهلها للاستمرار بحسب الإجادة، أظنها سعيدة وليست نادمة، ولن تندم.
كانت جد سعيدة وفخورة وهى ترتقى منصبًا يمثل مصر والعرب والأفارقة، ولم يشغله أحد من قبل من هذه البلدان العظيمة، وكانت رأسها فى السما السابعة، وفى ظهوراتها
المتوالية كانت تتعاطى النجاح، والنجاح يجلب نجاحًا، والطموح لا حدود له.. لكن فى حياة الإنسان، لحظات مؤثرة، ساعتها يؤثرون على أنفسهم، من الإيثار، والإيثار فعل
التفضيل والتقديم لمصلحة الآخرين على مصالح الذات، أى تقديم الغير على النفس فى النفع والدفع عنه، وهو من أعلى درجات السخاء وأكمل أنواع الجود، ومنزلة عظيمة من منازل العطاء الإنسانى.
يأتى وقت يجب فيه إعادة تقييم الأولويات حتى لا يسرقنا الوقت، هكذا تقول، يقينًا هذا القرار ليس وليد اللحظة، والدكتورة غادة بدأت التفكير فيه قبل عام، وكان مستغربًا منها، كل من عملوا معها استغربوا قرارها، وبعد أن أرسلت رسالة لزملائها فى
المكتب و150 دولة تخطرهم بقرار الاستقالة وتسبب الأسباب، حاول بعضهم مراجعتها حتى الأمين العام أنطونيو جوتيريش، استغرب القرار، وتفهم القرار، والأولويات التى حتمت القرار الذى وُصف بأنه قرار شجاع من سيدة مصرية ضربت أروع مثال فى ترتيب الأولويات.
أجمل ما فى استقالة غادة والى، الأسباب، أجمل الأسباب، رعاية الوالد والأحفاد، لم تترك الباب مفتوحًا للتكهنات، العنعنات، وصرحت بالأسباب التى تدعو للفخر والاعتزاز.
إطلالة الدكتورة غادة والى عالميًا كانت مشرفة تمامًا، حملت رسالة مصرية إلى العالم، رسالة سيدة من وطن كبير، من مصر أصل الحضارة، مصر تحسن اختيار سفرائها حول العالم.
الدكتورة غادة والى، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، لفتت الأنظار عالميًا، لكن قلبها وروحها وعقلها فى مصر، تعيش الوطن على مدار الساعة، تعيش أسرتها لحظة بلحظة، وتفرح بانجازاته يومًا بعد يوم، وتبشر بنهضته، لا تمرر حدثًا أو منجزًا أو فرصة سنحت للإشادة بالمنجز المصرى العظيم.