تحدثت فى المقالة السابقة عن الأخطار والاضطرابات التى واجهت السلطان أيْبَك: الخطر الأيوبى وما صاحبه من صراعات وحروب، وخطر ثورة العرب المزارعة التى امتدت إلى عامة الشعب وأقاموا دولة عربية مستقلة فى مصر الوسطى ومنطقة

الشرقية يحكمها الشريف حصن الدين حتى تولَّى الظاهر بيبرس أمور الحكم وقتله. أيضًا امتدت الصراعات بين المماليك البحرية والمماليك المعزية، وبدأت مؤامرات المماليك البحرية لخلع أيبك عن الحكم. لكن أيبك أسرع فى تدبير أمر قتل أقطاى.
فرّ أمراء المماليك البحرية: بيبرس، وقلاوون وسنقر إلى الشام بعد أن عرفوا بخبر موت زعيمهم أقطاي بيد المماليك المعزية بقيادة قطز. وقد آلت تلك الأحداث إلى انقسام المماليك إلى قسمين يتصارعان هما:
المماليك البحرية والمماليك المعزية، مما أحدث فوضى فى البلاد خاصة مع اقتراب الخطر المغولى من مصر والشام. أما المماليك الذين فرّوا إلى الشام بدأوا فى الإيعاز إلى أمراء البيت الأيوبى بالهجوم
على مصر؛ ولكن انتهى الأمر بهم بالإقامة فى بلاد الروم. وقد انتهت حياة أيبك بيد زوجته شجرة الدر التى علمت برغبة أيبك فى الزواج من ابنة حاكم الموصل. أما شجرة الدر فقد انتهت حياتها بيد زوجة أيبك الأولى.
السلطان المنصور نور الدين على (655-657هـ) (1257م-1259م)
السلطان الملك المنصور نور الدين ابن السلطان الملك المعز عز الدين أيبك حاكم الديار المصرية، وقد تعيَّن بعد موت أبيه عز الدين أيبك؛ وكان فى الخامسة عشرة بعد أن بايعه المماليك
المعزية ولقب باسم الملك المنصور. أما المماليك الصالحية فقد ساندوا علم الدين سنجر الحلبي ليصبح الأتابك (الحاكم العسكري). أدى ذلك إلى الصراع بين المماليك؛ يذكر المؤرخون: وسرعان ما
ظهر التنافس واضحًا بينهم، فقبض المماليك المعزية على الأمير سنجر الحلبى وسجنوه فى القلعة لأنه قبل تولى الحكم بعد مقتل أيبك. عندئذٍ اضطرب أتباعه من الصالحية وفرّوا إلى بلاد الشام
خشية القبض عليهم، غير أن المماليك المعزية طاردوهم وقبضوا على عدد كبير منهم.. وفى أثناء تلك الاضطرابات التى عمت البلاد بزغ نجم الأمير سيف الدين قطز كأقوى أمير مملوكى، وعمل على توحيد المماليك.
فى تلك الفترة التى اتَّسمت بالاضطرابات، بدأ الضغط الأيوبى على مصر يتصاعد؛ حيث تمكن المماليك البحرية الصالحية من تحريض المغيث عمر الأيوبي صاحب الكرك على غزو مصر، فاستجاب لهم ومدَّهم
بالسلاح، ومدَّ لهم يد العون فى الاستيلاء على مصر. ويذكر فى ذلك: وخرجت مجموعة من المماليك تبلغ ألف فارس باتجاه الحدود المصرية لغزوها والسيطرة على الحكم. ويبدو أن قطز كان الأسرع إلى
التحرك، إذ عندما علم بأنباء الزحف المملوكى الصالحى خرج من القاهرة على رأس قوة عسكرية لصد خطرهم، وتمكن من أن ينزل بهم الهزيمة عند الصالحية.. وأسر عددًا كبيرًا منهم.... جاءت هزيمة
المماليك الصالحية فى عام 655هـ (1257م)، ولكن لم تتوقف محاولاتهم فى الاستيلاء على مصر، ففى العام التالى قَدِموا لغزو مصر مرة ثانية، ليتصدى لهم الأمير قطز مرة أخرى عند الصالحية وأنزل بهم هزيمة مريرة.
ازدادت الاضطرابات فى مصر بسبب ما يمر بها من أحداث وصراعات، إضافة إلى اقتراب الخطر المغولى من البلاد: وهكذا بدت الدولة فى ظل حكم صبى قاصر وهى لم تزل فى دور التكوين، فى الوقت الذى اشتد فيه الخطر المغولى بزعامة هولاكو بعد أن وصل إلى
بلاد الشام عقب إسقاطه الخلافة العباسية، فعمَّ الاضطراب والقلق أرجاء مصر. وفى ظل ما كانت تتعرض له البلاد وجد الأمير قطز الفرصة مواتية لاعتلاء عرش البلاد؛ فعزل الملك المنصور فى عام 657هـ (1259م). و... ما زال الحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!