للإمام الشافعى مقولة يحفظها أهلنا فى العراق عن ظهر قلب: ما دخلتُ بلد قط إلا عددته سفرًا إلا بغداد، فإنى حين دخلتها عددتها وطنًا.

صدق الإمام، بغداد وطن بمعنى الوطن، بمفردات الوطن التى نعرفها كمصريين، وملامح الوطن فى أعيننا مرسومة فى الحدقات، وشعارنا فى ديارنا إن ما شالتكم الأرض تشيلكم العيون، وفى بغداد يرحبون بحرارة حيّاكم الله، البيت بيتكم.
عندما تحط الرحال فى مطار بغداد الدولى برسمه القديم، تشعر بأنك هبطت واحة ظليلة، ونس، دفء، بين أهلك وناسك، لافتة وجوه الشبه بين العراقيين والمصريين، صعب تفرق بينهما إلا عند الحديث، بحكم اللهجات، على راسى يقولها العراقى محبة فى المصرى، تقدير واحترام، يحبون المصريين كثيرا.
لا تزال بغداد ساحرة، تسحر العابرين، وكما وصفها أبُوعُثْمَانْ اَلْكِنَانِى اَلْبَصَرِىّ المعروف بِالْجَاحِظِ يقول: رأيت المدن العظام بالشام والروم وغيرها فلم أجد مدينة أرفع سمكًا ولا أجود استدارة ولا أوسع أبوابًا ولا أجود فصلًا من مدينة أبوجعفر المنصور، كما كأنما صُبت فى قالب وكأنما أفرغت إفراغًا..
ولا تزال بغداد كأنما صبت فى قالب لم يسع غيرها ولا صب سواها.. جد بغداد متفردة، وأكثر ما يشتهر به طيب الذكر محمد مهدى الجواهرى بيت الشعر يا بغداد يا قلب العراق ووعيه وضَميره، لا زعزعتك رياح.
بيت شعر يعبر عن أهمية بغداد كمركز للوطن، وكمصدر للأمل والوعى، ورمزية مقاومة للتحديات.
لايزال سؤال الإمام محمد بن إدريس الشافعى لتلميذه الأثير يونس بن عبد اﻷعلى: أدخلت بغداد؟
قال: لا.. فأجابه: لم تر الدنيا ولا الناس..
عجبا لايزال السؤال يتردد صداه، والسؤال بسؤال يسألونك كـ مصرى فى كل محل نزلته: أرأيت بغداد؟
وتعجب من الإلحاح على طلب الإجابة بامتنان مقدما، تغبط السائل بالرد، والإجابة بغداد سلكت الطريق نحو الأمن والأمان، منسوب الأمن مرتفع فى النهر الجارى، بغداد تستعيد الحياة، تستحضر ألقها، روحها، عودة الروح تستشعرها فى وجوه الناس هنا مستبشرة بالغد.
لماذا السؤال، ولماذا الإلحاح على الإجابة؟، لأن مشروع العراق الجديد الذى أطلقه رئيس مجلس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى، مركزه ونقطة انطلاقه بغداد، العاصمة المتجددة، لاقت الجدية والشجاعة فى مواجهة مخلفات عقود مضت.
حجم المشاريع على تنوعها، وانتشارها على خارطة العراق، يبرهن على إصرار القيادة على استعادة العراق، روح العراق، وعودة الروح هو عنوان من عناوين عدة أطلقها ويطلقها السودانى فى فضاءات العراق، ما يجتذب إليه أرواحا شبابية ترنو إلى عودة مجد العراق.
السودانى فتح قصر الحكم على الشارع فى حوار متصل، ويجيب رئيس الوزراء عن أسئلة المواطنين يوميًا على الهواء خلال برنامج الوطن والناس الذى يعرض على قناة العراقية (الإخبارية)، ويستمع بإنصات وبتفهم إلى مشاكلهم، ومنطقه يقول إن المواطن مثقف وأكثر وعيًا حتى من بعض المتصدين للعملية السياسية ونحن واثقون من وعيه.