القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

المماليك البحرية.. والمماليك المُعزية .. بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدثت المقالة السابقة عن المماليك فى العصر الأيوبى، حيث لجأ الأمراء الأيوبيون إلى تكوين قوى خاصة بهم من المماليك؛ فازداد نفوذ الأتراك جدًّا فى البلاد، فقد كانت لهم القدرة على مساندة السلطان الصالح نَجم الدين أيوب

المماليك البحرية.. والمماليك المُعزية .. بقلم الأنبا إرميا

ليصبح حاكم مِصر. ويَعتبر بعض المؤرخين الملكة شجرة الدر أول سلاطين الدولة المملوكية بينما يعتبرها آخرون آخر من حكم مِصر من السلاطين الأيوبيين. ثم حكم عز الدين أيْبَك التركمانى مِصر بعد أن تزوجته شجرة الدر وتنازلت له

عن العرش بعد ثلاثة أشهر من حكم البلاد. كما اختلف المؤرخون فى رؤيتهم للسلطان أيبك فيصفه البعض بضعف النفوذ، وأن الأمراء لم ينتخبوه إلا لكى يتمكنوا من عزله متى شاءوا، بينما يراه آخرون سلطانًا امتاز بالسياسة والحزم والشجاعة.

واجه أيْبَك الخطر الأيوبى، حيث تقاتل الجيش الأيوبى والمماليك بمدينتى بلبيس والصالحية، انتهى بهزيمة الأيوبيين وعودتهم إلى الشام. وهكذا، ظل الصراع بين الفريقين حتى تدخل الخليفة العباسى

المستعصم، وعُقد الصلح بينهما سنة 1253م (651هـ)، وفى نفس العام واجه السلطان أيْبَك ثورة شعبية من العرب الذين استوطنوا مصر منذ الفتح العربى لها، وبمرور الأيام صاروا مزارعين مستقرين وعرفوا

باسم العرب المزارعة. ويذكر عنهم: ويبدو أن هؤلاء العرب احتقروا المماليك، ورفضوا أن يخضعوا لحكمهم بسبب أصلهم غير الحر، واعتبروا أنهم أحق بالملك منهم، وقد اتخذ رفضهم شكل ثورة مسلحة تزعمها

الشريف حصن الدين بن ثعلب. والواضح أن أسباب الثورة تعود إلى دافعين رئيسيين: الأول سياسى، والثانى: اقتصادى. فمن حيث الدافع السياسى، يلاحظ أن ثورة العرب هدفت إلى القضاء على حكم المماليك

وإعادة مصر إلى حظيرة الحكم العربى الحر. أما من حيث الدافع الاقتصادى، فإن المماليك تعسفوا فى تحديد أثمان المنتجات الزراعية، وتلاعبوا بأسعارها؛ مما انعكس سلبًا على أوضاع المزارعين الاقتصادية.

انتقلت الحركة الثورية إلى عامة الشعب فالتفوا حول الشريف حصن الدين الذى أقام دولة عربية مستقلة فى مصر الوسطى ومنطقة الشرقية، وأرسل فى طلب مساعدة الملك الأيوبى الناصر يوسف، حاكم الشام، لكنه لم يتلق أى مساعدة منه بسبب مفاوضات الصلح التى كان

يجريها مع أيبك آنذاك. وقد استخدم المماليك العنف والقوة فى قمع ثورة العرب، إذ قام أيبك بإرسال حملة عسكرية بقيادة أقطاى الذى تمكن من التغلب على الثوار فى بلبيس. ولكن ظل الشريف حصن الدين يحكم مصر الوسطى حتى تولى الظاهر بيبرس أمور الحكم وقتله.

ازداد نفوذ المماليك البحرية ومكانة زعيمهم فارس الدين أقطاى بعد التغلب على الفرنجة، ومن بعد ذلك قمع ثورة العرب، مما جعل أقطاى يقتطع ثغر الإسكندرية لنفسه، ولم يتمكن أيبك من

معارضته؛ كما زاد طلب المماليك البحرية من أجل الحصول على المنح والاقطاعات، وبدأت المؤامرات لخلع أيبك عن الحكم. وقد قام أقطاى بمهاجمة السلطان أيبك وتحقيره، ورغب أقطاى فى السلطنة

وسانده أتباعه من المماليك البحرية ملقبين إياه بالملك الجواد. ثم خطب أقطاى لنفسه وابنه المظفر تقى الدين أيوب حاكم حماة، وطلب من أيبك أن يسكن قلعة الجبال حيث مقر الحكم مبررًا ذلك

بأن زوجته من بنات الملوك. أدرك أيبك خطر أقطاى وتطلعه إلى حكم البلاد، فدبر أمر قتله فى القلعة مستعينًا بالمماليك التابعين له والذين عرفوا بالمماليك المُعزية نسبة إلى لقبه الملك

المُعز؛ وقد تم له ما أراد إذ قتل أقطاى بيد المماليك المعزية بقيادة قطز؛ بينما فر عدد من أتباعه، ومنهم الأمراء: بيبرس وقلاوون وسنقر، إلى الشام بعد أن عرفوا بخبر موت زعيمهم. أدى ذلك

الحادث إلى تقسيم المماليك إلى قسمين يتصارعان، هما: المماليك البحرية والمماليك المُعزية، مما أحدث فوضى فى البلاد خاصة مع اقتراب الخطر المغولى من مصر والشام. و... وما زال الحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
21 مايو 2025 |