يعبر عنوان المقال عن شرط فعلى لإكمال القوائم الانتخابية البرلمانية التى كُلّفتُ بالمشاركة فى تشكيلها عام 2015، حين كنت عضوًا باللجنة المحايدة للاختيار، ومتحدثًا رسميًا باسم الاتحاد المدنى الديمقراطى، وهو ائتلاف المعارضة المصرية آنذاك.

كنا نصمم أربع قوائم انتخابية باسم صحوة مصر، وكان الدستور يلزمنا إلزامًا أن تشمل كل قائمة تمثيلًا إجباريًا لفئات بعينها مثل: المرأة، والشباب، والمسيحيين، وذوى الإعاقة. أتذكر أن إحدى القوائم تعطل بسبب مقعد واحد كان ينبغى، بعد عمل كل تباديل وتوافيق التركيبة الدستورية، أن تشغله: أنثى، شابة، مسيحية، صعيدية، معاقة! أضفت يومها: وتربى قطًا سياميًا اسمه ريكو!.
وقتها بدأ البعض يتصل بآخرين على طريقة: متعرفش شابة مسيحية معاقة من الصعيد. كان الموضوع كوميديًا، فأنت هنا لا تختار بناء على الكفاءة بل فقط ترضى صفات مفروضة دستوريًا، دون أى ضمانة بأن من نختارهم يمتلكون مشروعًا تشريعيًا أو قدرة
تمثيلية. مما يُرضى الإجراءات، ويستف الأوراق حاليًا، ثم يدمر كفاءة التمثيل النيابى لاحقًا. وبسبب هذا نشأت ظاهرة زوجة فلان، فبعض من تخطهم الكوتة أصبحت زوجاتهم نائبات بدلًا منهم!، ناهيك عن باقى مغامرات التمثيل الأسرى، فهذا موضوع آخر.
لذلك فإن هذا التمييز، المسمى إيجابيًا، لم يفض إلى نتائج إيجابية تذكر لصالح الفئات المميزة، فوضع المرأة مثلًا لم يتحسن، فلم تشارك السيدات النائبات بقوانين تعكس أولويات المرأة المصرية عمومًا. وهذا لا يعود إلى ضعف فيهن بالضرورة، بل إلى منطق الاختيار ذاته، الذى لا يبدأ بالكفاءة، بل بالهوية.
كذلك تأتى فئة المصريين بالخارج، التى لا يُعرف لها دور تشريعى واضح أو احتياج فعلى للتمثيل داخل البرلمان فى ظل انقطاعهم عن تفاصيل الواقع المصرى اليومى، مما يثير تساؤلات مشروعة؛ فكيف يشاركون فى صياغة قوانين تمسّ الضرائب، والدعم، والخدمات، والتعليم، والبنية التحتية، وهم غير معنيين مباشرة بأى منها؟.
إن إدراج المصريين بالخارج ضمن الفئات التى يجب تمثيلها، دون تحديد طبيعة هذا الدور أو مبرراته الواقعية، يضيف عبئًا آخر على صُناع القوائم، ويعكس مجددًا أزمة خلط الهوية بالوظيفة، والرمزية بالكفاءة.
للإنصاف، لا تنفرد مصر بمبدأ التمييز الإيجابى، فقد أخذت به بعض الدول، فيما يسمى التمييز التصحيحى، لكن الفارق الجوهرى يكمن فى المنطق والحدود والتوازن. الهند، مثلًا، تُخصص
نسبًا محددة فى البرلمان والوظائف العامة لفئات تعرضت تاريخيًا للتمييز، مثل طبقة الداليت، لكنها تراجع هذا النظام دوريًا وتربطه بسياسات دمج وتعليم وتنمية. وفى رواندا،
تُخصص 30% على الأقل من مقاعد البرلمان للنساء، لكن هذا التخصيص لم يُلغِ معيار الكفاءة، بل ساعد فى دفع نساء مؤهلات لمواقع التأثير، حتى أصبحت رواندا الأعلى عالميًا فى نسبة
تمثيل النساء (وصلت النسبة لنحو 70%). أما فى نيوزيلندا، فخصصت مقاعد للماورى (السكان الأصليين)، لكن فى دوائر انتخابية خاصة، وتركت حرية الاختيار للناخب نفسه للتسجيل فى قوائمهم من عدمه.
إن تُراكم الفئات، فى الحالة المصرية، وفرضها دستوريًا داخل القوائم، دون مراجعة دورية أو تفعيل آليات قياس الأثر، ودون أن يكون التمثيل مشروطًا بحد أدنى من الكفاءة أو الرؤية، يُحول حُسن النوايا (التى كُتب بها الدستور) إلى خلل تشريعى مزمن.
فى ظل الوضع الحالى، يمكن تجاهل كل ذكر مسلم كبير السن وغير معاق، مهما بلغت كفاءته ومؤهلاته وإنجازاته، لصالح من تنطبق عليه المعايير الشكلية فقط، أى من أجل عيون ريكو!.
أعتقد أن أصدق من عبّر عن هذا الوضع هو الراحل نجيب سرور، لكن أخلاقيات الصحافة وقوانين الجنايات تمنعنى من كتابة بيت الشعر المقصود!، لذلك أكتفى بقول النائب الأردنى الراحل يحيى السعود، الذى صرخ ذات يوم تحت قبة البرلمان قائلًا: الله لا يسامحه اللى جاب الكوتة تحت القبة!.
إن كان لا بد من تمثيل الفئات المهمشة، فليكن عبر نظام يُوازن بين الهوية والكفاءة، ويرتبط بمشروعات تشريعية حقيقية، لأن التمييز الإيجابى حين يتحول من وسيلة دعم إلى آلية تعيين سياسى أعمى، يصبح أقرب إلى تمييز سلبى ضد الكفاءة، وضد المنطق، وضد الوطن.