قبل سنوات قليلة، كان "الرز بلبن" مجرد طبق حلوى تقليدي، لكنه سرعان ما تحول على يد سلسلة محلات "بـ لبن" إلى ظاهرة تجتاح السوشيال ميديا، وتفتح لها أكثر من 80 فرعًا داخل مصر وحدها، ليتردد صداها في عواصم عربية وعالمية، فلم تكن "بـ لبن" مجرد مشروع تجاري، بل تحولت إلى حالة اجتماعية واقتصادية وإعلامية، تتصدر النقاشات من موائد الطعام إلى منصات التواصل الاجتماعي.


نشأة "بـ لبن"
انطلقت فكرة "بـ لبن" من قلب الشغف المصري بالحلويات الشعبية الأصيلة، وعلى رأسها "الرز بلبن" والبليلة وأم علي، ولكن بلمسة عصرية جذابة للشباب والعائلات، بدأت السلسلة رحلتها من الإسكندرية والقاهرة، معتمدة على فكرة تقديم الحلويات اللبنية في عبوات فاخرة ونكهات مبتكرة وغير تقليدية، وسرعان ما تحول هذا الطموح إلى مشروع ضخم، يجذب الأنظار وينتشر بقوة في أرجاء البلاد.
وفي غضون سنوات قليلة، استطاعت "بـ لبن" أن تفرض نفسها بقوة على خريطة صناعة الحلويات في مصر، محققة انتشارًا واسعًا وشعبية جارفة بفضل منتجاتها المبتكرة ونكهاتها
الفريدة، ولم تكتفِ السلسلة بتقديم الحلويات الشرقية الكلاسيكية، بل سعت باستمرار إلى تطوير منتجاتها وتقديم أصناف جديدة تلبي مختلف الأذواق، وقد كان لابتكارها في دمج
النكهات الشرقية الأصيلة مع لمسة عصرية، وتقديم حلويات مبتكرة مثل "القشطوطة" و"القشطوزة" و"الهبة"، دور كبير في جذب شريحة واسعة من العملاء، خاصة الشباب.
كما لعبت استراتيجية التسويق الذكية التي اتبعتها "بـ لبن" دورًا هامًا في انتشارها السريع، فقد اعتمدت على التواجد القوي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتفاعل المستمر مع العملاء، وتقديم عروض وخصومات جذابة،
مما ساهم في بناء قاعدة جماهيرية واسعة، وبمرور الوقت، توسعت سلسلة "بـ لبن" بشكل ملحوظ، وافتتحت العديد من الفروع في مختلف أنحاء القاهرة الكبرى والمحافظات الأخرى، لتصبح علامة تجارية بارزة في عالم الحلويات المصرية.
وقد حافظت السلسلة على هويتها المميزة، الأمر الذي عزز من مكانتها في السوق، حتى أصبحت "بـ لبن" واحدة من أبرز سلاسل الحلويات في مصر.

"بـ لبن" يعبر الحدود
لم يكن النجاح المحلي المذهل لسلسلة حلويات "بـ لبن" سوى نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع، حيث خطت العلامة التجارية المصرية خطوات واثقة نحو التوسع الإقليمي والعالمي، فبعد النجاح الكبير الذي حققته "بـ لبن" في مصر، والذي تجسد في الانتشار الواسع والشعبية الجارفة لمنتجاتها المبتكرة، لم تتردد إدارة السلسلة في التطلع إلى الأسواق العربية، لتشمل فروعها بنجاح عدة دول في المنطقة.
وبالفعل تمكنت "بـ لبن" خلال فترة وجيزة من ترسيخ أقدامها في أسواق استراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث افتتحت فروعًا لها في كل من المملكة العربية السعودية،
والكويت، والإمارات، وقطر، والأردن، وليبيا، وعُمان، وهذا التوسع العربي السريع لم يكن سوى خطوة أولى في طموحات "بـ لبن" العالمية، حيث أعلنت إدارة السلسلة عن نوايا جادة للتوسع نحو
القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما اعتبره الكثيرون في الأوساط الاقتصادية والتجارية دليلًا قاطعًا على نجاح "براند مصري" في تحقيق قفزات نوعية وتخطي حدود المحلية بنجاح.

أسماء مثيرة للجدل سلاح "بـ لبن" التسويقي
منذ البداية، لعبت العلامة التجارية على وتر الابتكار ليس فقط في الطعم، بل في أسماء المنتجات، وهي نقطة قوّة صنعت جدلًا وضجة تسويقية غير مسبوقة، ومنذ اللحظات الأولى لانطلاقها، راهنت "بـ لبن" على كسر القواعد المألوفة في تسمية
الحلويات، وقدمت للجمهور قائمة بأسماء لم يعتد عليها، أسماء علقت في الأذهان وأصبحت حديث المجالس، ومن أبرز هذه الأسماء التي أثارت فضول ودهشة الجمهور: "الهبّة"، و"لهاليبو يح يح"، و"القشطوطة" و"القشطوزة" و"الأمبالية".
هذه الأسماء المثيرة للجدل أصبحت مادة دسمة للنقاش والسخرية والإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسم الجمهور بين من وجدها مبتكرة وخارجة عن المألوف، وبين من اعتبرها غريبة وغير
مناسبة لمنتجات غذائية وأيضًا غير مناسبة لقيم المجتمع، إلا أن اللافت في الأمر هو أن هذا الجدل والسجال لم يضر بالعلامة التجارية، بل على العكس، ساهم بشكل كبير في انتشارها وتذكر اسمها،
فقد وجدت "بـ لبن" في هذه الأسماء وسيلة دعائية قوية وغير مكلفة، حيث تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، وتداولوا صور المنتجات وأسمائها على نطاق واسع، مما خلق ضجة تسويقية مجانية وغير مسبوقة.
ولقد نجحت "بـ لبن" بذكاء في اللعب على وتر المفاجأة والغرابة، واستغلت قوة الكلمة والاسم في خلق علامة تجارية لا تُنسى، فبين الضحك والفضول، وجد الجمهور نفسه منجذبًا لتجربة هذه المنتجات التي تحمل أسماءً مثيرة للجدل، ليتحول هذا الجدل في النهاية إلى قوة تسويقية هائلة ساهمت في نجاح وانتشار السلسلة.

من قمة النجاح إلى اتهامات بالتسمم وإغلاق الفروع
وفي أوائل عام 2025، شهدت سلسلة حلويات "بـ لبن" تحولًا مفاجئًا، فبعد مسيرة صعود ونجاح واسع النطاق في مصر وامتداد عربي لافت، وجدت العلامة التجارية نفسها في قلب أزمة حادة بعد تداول أخبار واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي عن حالات تسمم يُزعم ارتباطها بتناول منتجاتها.
بدأت الشرارة الأولى للأزمة في المملكة العربية السعودية، حيث انتشرت أنباء عن نقل حالات تسمم إلى المستشفيات في الرياض، قيل إنها ناجمة عن تناول منتجات من أحد فروع "بـ لبن"، وسرعان ما تفاعلت الجهات الرسمية في المملكة مع هذه البلاغات، وأعلنت عن قرار احترازي بإغلاق عدد من فروع السلسلة بشكل مؤقت لحين انتهاء التحقيقات اللازمة للتأكد من سلامة المنتجات.
لم يتوقف تأثير هذه الأخبار عند الحدود السعودية، بل امتد بسرعة البرق إلى مصر، حيث بدأت تظهر شكاوى مماثلة من قبل مستهلكين في القاهرة والإسكندرية والجيزة ومحافظات أخرى، وتزامنًا مع تصاعد المخاوف والقلق بين المصريين، تحركت الجهات المعنية بشكل فوري، وأعلنت عن فتح تحقيقات عاجلة للوقوف على حقيقة هذه البلاغات والتأكد من سلامة منتجات "بـ لبن" في السوق المصري.
وقد اتخذت السلطات المصرية إجراءات احترازية مماثلة، حيث تم الإعلان عن إغلاق بعض فروع السلسلة داخل مصر بشكل مؤقت لحين انتهاء التحقيقات وظهور نتائج التحاليل اللازمة، وكان آخر هذه الإجراءات قرار المهندس عادل النجار محافظ الجيزة
بغلق 12 منشأة تجارية تابعة لسلسلة محلات "ب لبن" في مختلف أنحاء المحافظة، شملت فروعًا في أحياء العجوزة والعمرانية وجنوب الجيزة والوراق وإمبابة، بالإضافة إلى مدينة السادس من أكتوبر ومدينة الشيخ زايد ومركزي الحوامدية والبدرشين.
واستند قرار المحافظ إلى تقرير رسمي صادر عن مديرية الشؤون الصحية بالجيزة وإدارة مراقبة الأغذية، والذي كشف عن إدارة هذه الفروع بدون الحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة النشاط، وهو ما يعد مخالفة صريحة للقوانين واللوائح المنظمة
لعمل المنشآت الغذائية ويعرض صحة المستهلكين للخطر، كما أثبت التقرير نتائج تحاليل مكثفة أجرتها الإدارة على عينات من منتجات "بلبن"، والتي أظهرت بشكل قاطع أن المنتجات غير صحية تمامًا وغير مطابقة للمواصفات القياسية لسلامة الأغذية.

هل انتهت "الهَبّة"؟
"بـ لبن"، الذي كان رمزًا لعصر السرعة والإبهار والترند، يواجه الآن اختبارًا حقيقيًا، فبعد أن تصدر المشهد كـ "نجم شباك" في عالم الحلويات، تحول فجأة إلى متهم بالتسمم ومطارد بالإغلاقات داخل مصر وخارجها، فهل
ما يمر به مجرد كبوة جواد؟ أم أن قصة "يح يح" و"لهاليبو" قد وصلت بالفعل إلى نهايتها؟ فوحدها الأيام القادمة ونتائج التحقيقات ستكشف مصير هذه العلامة التجارية التي هزت عرش صناعة الحلويات في مصر والوطن العربي.