القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«.. وبذلك خرجت القدس» مدينة السلام (28)بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدثت المقالة السابقة عن مدينة القدس فى عهد السلطان عبد المجيد الأول، وحرب القِرم التى انتهت بتوقيع اتفاقية باريس وهزيمة الروس، ثم حكم السلطان عبد العزيز وإصلاحاته، وتحوُّل المدينة أيامه إلى ولاية مستقلة

«.. وبذلك خرجت القدس» مدينة السلام (28)بقلم  الأنبا إرميا

الحكم. وكانت الإشارة إلى زمن حكم السلطان عبد الحميد الثانى (1876-1909م) الذى شهد إقرار دستور البلاد وافتتاح مجلس المبعوثان (مجلس البرلمان)؛ ورفض السلطان عبد الحميد الثانى هجرة اليهود إلى فلسطين وشراءهم أى من أراضيها.

وفى تلك الأثناء، عمِل الكاتب النمساوى المجرى الناشط السياسى ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة، المعروف بـأبى دولة إسرائيل، على حفز اليهود إلى الهجرة صوب فلسطين، فى مساع لا تهدأ من أجل تكوين دولة يهودية؛

وفى مساعيه تمكن سنة 1896م من الوصول إلى إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية، حيث التقى بوصفه صحفيًّا عددًا من الشخصيات الرفيعة المستوى، وعلى رأسها الصدر الأعظم (أعلى منصب تحت السلطان العثمانى، له سلطة مطلقة، ويحمل ختم

السلطنة، ويعيّنه أو يعزله السلطان العثمانى فقط)، حيث قدم اقتراحًا أن يدفع اليهود الدين الخارجى للدولة العثمانية مقابل إقامة وطن لهم تحت حكمها. وفى سنة 1901م، تمكن هرتزل من لقاء السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى لكنه رفض عرضه.

وقد عُرض ملف وثائق القضية الفلسطينية فى رسالة هرتزل على السلطان عبد الحميد الثانى سنة 1896م، جاء فيها: ترغب جماعتنا فى عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه استرلينى، يقوم على الضريبة التى يدفعها

اليهود المستعمرون فى فلسطين إلى جلالته، تبلغ هذه الضريبة التى تضمنها جماعتنا مائة ألف جنيه استرلينى فى السنة الأولى، وتزداد إلى مليون جنيه استرلينى سنويًّا. ويتعلق هذا النمو التدريجى فى

الضريبة على هجرة اليهود التدريجية إلى فلسطين. أما سير العمل المفصل فيوضع فى اجتماعات شخصية تعقد فى القسطنطينية؛ مقابل ذلك يهب جلالته الامتيازات التالية: الهجرة اليهودية إلى فلسطين، التى ليست

فقط تكون غير محدودة، بل أيضًا تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة. ويعطَى المهاجرون اليهود الاستقلال الذاتى المضمون فى القانون الدولى: فى الدستور والحكومة وإدارة العدل فى الأرض التى تقرَّر لهم.

ويجب أن يقرَّر، فى مفاوضات القسطنطينية، الشكل المفصل الذى ستمارس به حماية السلطان فى فلسطين اليهودية، وكيف سيحفظ اليهود أنفسهم النظام والقانون بوساطة قوات الأمن الخاصة بهم. قد يأخذ الاتفاق الشكل التالى: يصدر جلالته دعوة كريمة إلى اليهود للعودة إلى أرض آبائهم؛ سيكون لهذه الدعوة قوة القانون وتبلَّغ الدول بها مسبقًا. وقد خُلع السلطان عبد الحميد الثانى بعد حدوث انقلاب بالبلاد.

وقد شهِد عهد عبد الحميد الثانى بَدء المذابح الأرمينية (1894-1896م) من مجازر وقتل مئات آلاف من الأرمن، وأيضًا اليونانيين والآشوريين. وفى سنة 1909م، تكررت المجازر فىقيليقية حيث شمَِلت مجزرة أضنة التى راح ضحيتها

قُرابة 30 ألفًا من الأرمن. إلا أن أصعب مذابح الأرمن كانت فى أثناء الحرب العالمية الأولى؛ تعرضوا لإبادة بشرية جماعية بعد قتل وتشريد، فى إحدى أضخم المجازر البشرية التى عرَفها التاريخ مع بداية القرن العشرين،

وتُعد هى الثانية بعد أشهر قضايا المذابح المعروفة بـهولوكست وكانت فى عهد السلطان محمد رشاد الخامس (1909-1918م). وقد قدّر الباحثون أعداد الضحايا الأرمن ما بين المليون والمليون ونصف المليون!! وفى عهد محمد رشاد

الخامس، تمكن القائد البريطانى Edmund Henry Hynman Allenby من الاستيلاء على مدينة القدس، عقب معركة حامية الوطيس مع القوات العثمانية التى كانت تحميها؛ وبذلك خرجت القدس من الحكم العثمانى سنة 1917م بعد أن ظلت تحته أربعة قرون (1517-1917م).

و.. وما يزال حديث القدس يأخذنا، والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
04 سبتمبر 2024 |