هذا هو عنوان المقال الذى كتبه Peter A. Alivizatos، البروفيسور فى كلية الطب فى دالاس، وهو من أصل يونانى، يصف فيه د. مجدى يعقوب الذى نحتفل بعيد ميلاده الثامن والثمانين، أقتبس منه هذه العبارات إهداءً لهذا القديس الملاك الذى علَّمنا كيف يكون العطاء.
يقول د. بيتر: شهد النصف الثانى من القرن العشرين ظهور وانتصار جراحة القلب، أحد أساطير تلك الفترة هو السير مجدى يعقوب (1935: -)، الجراح الرائد، والعالم، والحرفى البارع، وفاعل الخير. أسس «يعقوب» زراعة القلب فى المملكة المتحدة، وقدّم مجموعة متنوعة من المفاهيم الجديدة والعمليات الجديدة، يركز عمله الأخير على أمراض القلب الجزيئية.
تسلط هذه الذكريات الشخصية الضوء على شخصيته وبراعته الجراحية وإنجازاته وتكريماته العديدة. التقيت مجدى يعقوب فى غرف الاستشارة الخاصة به بالقرب من شارع هارلى فى وسط لندن فى أواخر يوليو 1982، بعد الانتهاء من عام من جراحة القلب للأطفال فى مستشفى جريت أورموند ستريت المرموق للأطفال المرضى، استقبلنى بطريقة بسيطة وودية وهو جالس خلف مكتب كبير خالٍ من الأوراق.
بعد أن عرفته بشكل أفضل لاحقاً، أود أن أقول إنه كان عليه أن يستقبلنى فى مكان ما واختار هذه الغرفة الفارغة تقريباً، كان الأمر أفضل على هذا النحو، لأننى تمكنت من
التركيز على مظهره دون أن يتشتت انتباهى بشهادة أو صورة معلقة على الحائط، وكان الانطباع مذهلاً، وكأن فرعوناً ما قد قام من القبر! نفس الجلد الداكن، ونفس النظرة
القديمة الهادئة فى وجه نبيل تماماً، أعطت انطباعاً بأن محاورى قد عاش ورأى كل شىء قبل ثلاثة آلاف عام.كجراح، أُعجبت بأصابعه الدقيقة بشكل استثنائى، مع مرونة وبراعة غير عادية.
وبعد طرح سؤالين أو ثلاثة أسئلة روتينية، سألنى: متى يمكننى البدء، وكان الجواب: «على الفور!»، وبعد يومين التقيت بفريقه فى المستشفى الخاص، وهو مبنى كبير مكون من طابقين تم تحويله لاستيعاب مرضاه الأجانب، تم تعزيز النكهة «العالمية» من
خلال التدفق المستمر للزوار الأوروبيين والأجانب، الذين كانوا يقضون ما بين ستة أشهر إلى عام مع السيد، وبالإضافة إلى الأجواء العائلية فى هذه المنشأة الصغيرة، كان إعجاب الجميع بمجدى لافتاً، على الرغم من التأوهات الصغيرة حول المواعيد.
مجدى يعقوب (يُشار إليه بين زملائه باسم «م. ى») مصرى وقبطى مسيحى (مواليد 1935)، جاء إلى إنجلترا ليتدرب كجراح فى عام 1962، عمل فى البداية مع السير راسل بروك، المشهور بإجراء عمليات شق
الصمامات الرئوية فى مستشفى جاى، أشهر تلاميذ السير راسل، بعد ذلك اللورد بوك، هما دونالد روس، جراح جنوب أفريقى وزميل كريستيان بارنارد، ومجدى يعقوب، وكما كتب روس، فإن رئيسهم، على
الرغم من عبقريته فى تطوير الأفكار الجديدة، لم يكن جيداً من الناحية الفنية بشكل خاص. وينتمى إلى نفس الفئة أوين وانجنستين، الأستاذ الشهير فى جامعة مينيسوتا، وشومواى، وألفريد بلالوك.
ومن جامعة جونز هوبكنز الأستاذ دينتون كولى، وهذا يؤكد تعليقاً بليغاً لأحد الزملاء الأمريكيين: إن الجراحين العظماء لا يتمتعون بأيدٍ جيدة، بل لديهم «الشجاعة».وفى نهاية الستينات، تقدم مجدى بطلب للحصول على وظيفة فى مستشفى رويال برومبتون التاريخى.
لسوء الحظ بالنسبة لبرومبتون، بدلاً من العبقرية الناشئة اختاروا جراحاً إنجليزياً يحمل اسماً تاريخياً، وهكذا فقط فى عام 1973 تم تعيين مجدى استشارياً فى مستشفى هيرفيلد، غرب لندن، والذى كان أيضاً مصحة بسبب موقعه فى البلاد.
تم بناء Harefield خلال الحرب العالمية الأولى، وهو عبارة عن مجمع من المنازل الصغيرة المتصلة بممرات طويلة، فى هذه البيئة البسيطة التى عفا عليها الزمن، كان على مجدى يعقوب أن يقدم مساهمات كبيرة فى جراحة القلب، ومن ثم إنشاء أكبر خدمة لزراعة القلب والرئة فى العالم، مع أكثر من 2500 حالة حتى نهاية حياته المهنية.
وبطبيعة الحال، لم يكن بوسع أحد أن يتنبأ بصعوده النيزكى، ولا حتى الأشخاص الذين عمل معهم. اقترح ذات مرة على السير بيتر موريس، أستاذ أكسفورد الشهير والمرجع فى زراعة الكلى، أن يقوما معاً بإنشاء برنامج فى هيرفيلد، ربما يكون
الأكبر فى العالم، فقط ليتلقى رد موريس المتعالى: «هل أنت جاد يا مجدى؟ هل يمكنك أن تتخيلنى فى هيرفيلد؟».فى هيرفيلد، أظهر مجدى بسرعة كبيرة أنه جراح عبقرى، ولم يتردد فى تطبيق تقنيات جديدة أو التشكيك فى التقنيات الراسخة، لقد
كان أيضاً ماهراً بشكل لا يُصدَّق، قالت أقرب زميلاته هناك، استشارية أمراض قلب الأطفال روزمارى رادلى سميث: «معظم الجراحين الجيدين ماهرون إلا من الناحية الفنية. ومن ناحية أخرى، يتمتع مجدى بأفكار مبتكرة، وهو جراح جيد جداً».
ثم أضافت: «البراعة من سمات الجراح الجيد جداً».كانت قدرته على التحمل هائلة، يمكنه العمل لأيام وليالٍ متواصلة. وكان ينتهى فى الساعة الثالثة صباحاً، وكان ينام بضع ساعات قبل أن يبدأ يومه الجديد فى هيرفيلد أو مستشفى القلب الوطنى.
فى المساء، بعد أكثر من الوفاء بالتزاماته تجاه خدمة الصحة الوطنية، كان يعمل فى عيادة هارلى ستريت، أو مستشفى برينسيس جريس، أو هيلسايد، كان دائماً هادئاً ويتمتع بأقصى قدر من التركيز، دون أن يرتكب أخطاء أو يفقد أعصابه مع
زملاء العمل بسبب قلة النوم. حتى بعد ليلتين بلا نوم، كان قادراً على مناقشة البيانات المتعلقة ببعض المشاريع التى كنا على وشك تقديمها، لقد أدت قوته الخارقة وهدوؤه إلى نزع سلاح الجميع، وأنا بالطبع لم أكن استثناءً، لقد حافظ على
هذا الهدوء التام قبل كل شىء فى غرفة العمليات، حدث رد فعل مميز فى اليوم الذى مزّق فيه باولو، وهو زميل إيطالى «رشيق» من نابولى، عند فتح صندوق لإعادة الجراحة، البطين الأيمن للمريض، والوريد الأجوف العلوى، والشريان الأورطى بمنشاره.
لقد كانت هذه كارثة غير مسبوقة، وكان الدم يسيل على الأرض، وتم استدعاء مجدى. ارتدى عباءة وقفازات أخذ مكان الجراح، توقعت أن تُفتح أبواب الجحيم لباولو، لكن مجدى لم يتفوه بكلمة واحدة، بأصابع يده اليسرى قام
بسد الثقوب على عجل، وبيده اليمنى تمكن من وضع الخيوط والمضىّ قُدماً فى وقت قياسى، ولم يقل إلا عندما كانت حالة المريض مستقرة: «اليوم يا باولو، لقد كنت شقياً جداً!». هذه الحادثة عززت إعجابى المتزايد بالرجل.
ورغم أنه كان هادئاً تماماً فى غرفة العمليات، فإنه لم يكن يتحمل أدنى ضجيج، لأنه -على حد قوله- يمنعه «من التفكير».
بالنسبة له، لم تكن الجراحة عملية ميكانيكية بسيطة. كان عقله يعمل بشكل مستمر، ويغربل التفاصيل ويتنبأ بالنتيجة المحتملة. ولم يكن من غير المعتاد بالنسبة له أن يُنهى العملية قبل استكمال جميع الأهداف التى حددناها، فيقول: هذا المريض لن يتحمل أكثر من ذلك، من الأفضل له أن يخرج حياً، ولا يهمه إذا لم تكن العملية مثالية إلى هذا الحد، وهو الأمر الذى لم يكن أساتذتى الأمريكيون الكماليون ليتبنوه.
أثبتت النتائج أنه على حق.بعد فترة وجيزة، انتقلت إلى مستشفى هيرفيلد كمساعد سريرى، لذلك رأيت عمليات زرع الأعضاء التى أجراها مجدى، تم إجراء 14 حالة فى عام 1980 بعد الوقف المفروض على زراعة القلب فى المملكة
المتحدة بسبب النتائج الضعيفة، وقد تم إجراء إحدى عشرة حالة أخرى فى عام 1981، مع زيادة طفيفة متوقعة فى عام 1982، وسرعان ما أدركت أن النتائج لم تكن مُرضية لأنهم كانوا لا يزالون يتبعون البروتوكولات المستخدمة قبل
تقديم السيكلوسبورين، لقد كانت وصفة للعدوى المدمرة، كما علمت من أيامى فى كلية الطب فى فيرجينيا. لذلك، فى ذلك الخريف، تم استخدام الدواء العجيب لأول مرة، ودعت التعليمات إلى إعطاء جرعة تحميل سخية قبل
العملية، ومن ثم جرعات صيانة كبيرة لمنع الرفض، لم يتم بعد تقدير التأثير الضار للسيكلوسبورين على الكلى بشكل كامل، وفى وقت قصير جداً أصيب المتلقون بفشل كلوى حاد، واحتاج البعض إلى غسيل الكلى فى لندن، ولم
يعودوا منها أبداً، استقال مسجلا الزرع (كبار المقيمين) فى تتابع سريع، لم تكن لدىّ أى خبرة فى استخدام السيكلوسبورين، ولكنى كنت أعرف شيئاً عن أشياء أخرى، لذلك شعر مجدى بالارتياح لقبول عرضى للمشاركة الفعالة فى عمليات الزراعة.
ويُنهى الكاتب مقاله عن د. مجدى بسؤال: ما هو أمل السير مجدى فى المستقبل؟ إنه تحقيق ما يطلق عليه التسامح المناعى، لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وربما يتعين علينا الانتظار لفترة أطول. ونقلاً عن ونستون س. تشرشل، أشار د. مجدى يعقوب إلى أن الإنجازات الحالية «ليست بداية النهاية، ولكنها ربما تكون نهاية البداية».