القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

سرُّ إشراق السير «مجدى يعقوب»: PPHH.. بقلم فاطمة ناعوت

بقلم فاطمة ناعوت

كانت سعادتى هائلة حين نهض هذا الرجلُ العظيم ليصافح ابنى المتوحّد عمر بتواضع، هامسًا في أذنى: تذكّرى أن المتوحدين عباقرة!، فأومأتُ بالموافقة والدمعُ يترقرقُ في عينى وأنا ألمحُ فرحة ابنى

سرُّ إشراق السير «مجدى يعقوب»: PPHH.. بقلم  فاطمة ناعوت

بمصافحة هرم إنسانى بحجم السير مجدى يعقوب. كنا في أسوان في ضيافة رجل الأعمال الوطنى منير غبور على هامش افتتاح فندق سونستا النوبة الذي يُشرق على ضفاف نيل أسوان الجميل، وتم بناؤه على الطراز النوبى البديع.

من المصادفات النادرة أن تلتقى بالبروفيسور مجدى يعقوب في مناسبة!، فهو عازفٌ عن شؤون المجتمع، منخرطٌ في علاج القلوب.

لن تراه إلا بمعطف العمليات الفيروزى. فهو لا يخرجُ من غرفة عمليات إلا ليدخلَ أخرى، ولا ينفُضُ يدَه من ورقة بحثية إلا بدأ في غيرها. فارسٌ نبيل يقضى يومَه وليلَه يُداوى ويُطبِّب ويبحثُ ويُطوِّر ويتعلّم

ويُعلّم ويصنع كوادرَ جديدة تُنقِّبُ عن إكسير القلوب المُتعبة. يهربُ من الأضواء والتكريمات؛ لأنه يعتبرُ أن كل لحظة يقضيها في حوار تليفزيونى أو على منصّة تكريم مخصومةٌ من وقت جراحة قد تُبرئ طفلًا يتألم.

وهذا عيدُ ميلاد مجدى يعقوب، فهل من قبيل المصادفات الطيبة أن يتفقَ مع اليوم العالمى للتسامح (16 نوفمبر)؟!.. تلك هي فلسفة المصادفة التي انتخبت للتسامح رجلًا نذر عمرَه من أجل قلوب المتعبين.

حين سُئل مجدى يعقوب عن سر نجاحه قال: Passion وهو الشغف بما تعمل، Persistence وهو الإصرار على إتمام الرسالة رغم المشاق، وأخيرًا، Humbleness أي التواضع. وجُماع ما سبق هو: PPH. وليسمح لى السير بأن أضيف H أخرى: Humanity الإنسانية، لنحصل على خلطة مجدى يعقوب كاملة: PPHH.

لهذا الرجل خفقةٌ في كلِّ قلبٍ مصرى، وصورةٌ على كل جدار. له مكانٌ على منصّات العلم في أرجاء العالم، ومبضعُ جراحة على كلّ طاولة تُطيّبُ قلبٍ موجوع. له حلمٌ في صدر كلِّ

إعلامى يودُّ استضافته في لقاء، وله ومضةُ عدسة في كلِّ كاميرا تلاحقُ إنجازاته الطبية لصالح الإنسان. لكنه هاربٌ من الضوء، زاهدٌ في الحديث، عازفٌ عن الدروع والأوسمة.

إنه مشغولٌ بضبط إيقاع قلب طفل يكادُ يفارقُ الحياة قبل أن يدركها، أو قلب رجل تتضرّعُ أسرتُه إلى الله لكى يعودَ إليها، أو قلب أمٍّ يبكى أطفالُها في انتظار عودتها إليهم.

هو المايسترو الذي منحه اللهُ عصا قادرةً على ضبط إيقاع القلوب على نغمة الحياة. تأتى إليه القلوبُ الكسيرةُ وقد ضرب إيقاع قلوبِها بعض نشاز أفسدَ موسيقى الجسد، فيعيدُ

المايسترو دوزنة الخفقِ، ليتّسقَ مع أوكتاڤ الحياة. لا نلمحُ ضحكتَه إلا بين أطفالٍ يتحلّقون حولَه يُمطرونه بالقُبلات والعناقات، لأنه ضبطَ إيقاع قلوبهم الموجوعة على

نغمة التمام. ولا نلمحُ فرحتَه إلا لحظة خروجه من غرفة العمليات وقد أنقذ إنسانًا من الموت.. فيما عدا هاتين اللحظتين، لا نلمحُ في ملامحه إلا هدوء القديسين وصمت العلماء.

وفى مقابل هاتين اللحظتين في حياة مجدى يعقوب، هناك لحظتان أخريان في حياة مئات الآلاف من المرضى الذين دُوِّنت أسماؤهم في سجلات مركز مجدى يعقوب لعلاج أمراض القلب.

لحظتان فريدتان في عمر كلِّ مريض منهم.. لحظةٌ تعسةٌ كسيرةٌ فاقدةٌ للأمل، مع دخول المركز بقلب عليل لا يكاد يقوى على الحياة، ولحظةُ فرحٍ وأمل وانطلاق مفعم بالحياة مع الخروج من المركز بقلب سليم قوى يرسم لصاحبه غدًا مشرقًا حاشدًا بالعمل

والنجاح. ما بين اللحظتين الفارقتين في عمر كل مريض ثمّة عقل يفكّر، وقلب يحبُّ، ويد تحمل مشرطًا مغموسًا في بوتقة العلم والحب، من أجل تحويل اللحظة الأولى إلى اللحظة الثانية، من أجل تحويل التعاسة إلى فرح، واليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.

قائمة المرضى في مركز مجدى يعقوب لا تعرف شيئًا اسمه: غنىّ وفقير، مسلم ومسيحى، أبيض أو أسود، إلى آخر تلك التصنيفات العبثية، كل ما تعرفه تلك القائمة وترتّبت على أساسه أولوياتها هو أن هناك قلبًا موجوعًا يجب أن يُشفى.

سافر البروفيسور مجدى يعقوب من أسوان إلى القاهرة لينقذ حياة ابنة بائع شاى من بسطاء القاهرة، لم تستطع السفر لأسوان لتدهور حالتها. أجرى لها العملية مجانًا ودفع من جيبه تكاليف ما بعد

العملية من متابعة وأدوية وأشعات وفحوص. هذا هو مجدى يعقوب، معجزة مصر الطيبة، وأحد أهراماتها البشرية الشاهقة، أسطورة الطب الذي قالت الملكة إليزابيث وهى تمنحه لقب فارس Sir: إنه هدية مصر

للعالم.. فطوبى لمصر بكَ، وطوبى للعالم بعلمك الرفيع وروحك النبيلة. وفى عيد ميلادك أقول لك: كل سنة وأنتَ في ملء الصحة والفرح مثلما تهب الصحة لأطفالنا المرضى بإذن الله، وتمنح الفرحَ لأمهاتهم وآبائهم.

f.naoot@hotmail.com

فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
24 نوفمبر 2022 |