القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«السيارة تعطلت.. والأب دفن نجله ثم لحق به».. تفاصيل جديدة عن رحلة صيادي الصقور بمطروح

قبل أيام، تحديدًا الأحد الماضي، خرج رمضان بوحتيته صياد صقور في العقد الخامس من عمره، برفقة نجله شاهين رمضان، 13 عامًا، وشقيقه مساعد أبوحتيتة الشاب العشريني، في رحلة صيد معتادة.

«السيارة تعطلت.. والأب دفن نجله ثم لحق به».. تفاصيل جديدة عن رحلة صيادي الصقور بمطروح

على بعد 200 كيلو من منزلهم الكائن بقرية بنجر في برج العرب، أعدوا العدة وجهزوا ما يحتاجونه من زاد لرحلة تستمر لثلاثة أيام على الأكثر. في الصباح ودَّع رمضان ونجله شاهين عائلتهم الصغيرة، طبعت الأم قبلة على جبين طفلها، وودعت الأب وداعًا حارًا، وكأن قلبها علِم بما يخبئه لهم القدر.

في منطقة غرد الرماك، الواقعة على طريق الواحات بصحراء مرسى مطروح، نصب رمضان وشقيقه مساعد خيمة الصيد، وأعدوا العدة لبدء موسم الصيد حيث تجارة العائلة ومصدر دخلهم الأساسي، مر اليوم الأول والثاني بسلام، وفي اليوم الثالث، الأربعاء، انقطعت أخبارهم ولم يستطع أي من أبناء العائلة أن يتواصل معهم، هنا بدأ الشك والخوف يعرف طريقه لقلوب عائلة أبوحتيتة.

تدوينة على فيس بوك، أطلقها أحد أبناء العائلة طلبا لمساعدة القبائل في البحث عن رمضان وشقيقه ونجله، في ساعات قليلة كانت القبائل تغزو الصحراء بقرابة 250 سيارة دفع رباعي، يجردون الصحراء شرقا وغربا بحثا عن أي أثر للوصول إلى الثلاثة المفقودين.

يحكي محمد صالح الصريحي، أحد أبناء قبائل مطروح، والمسؤول عن تنسيق عملية البحث عن المفقودين: وصلنا خبر غياب الثلاثة يوم الأربعاء مساء، في الصباح هب أبناء القبائل للمساعدة، صنعوا بسياراتهم عاصفة في الصحراء، كنت أتولى عملية التنسيق بين المجموعات التي خرجت للمساعدة، شكلنا فرق بحث وكلا سار في طريق غير الأخر حتى نقلص الوقت.

لا أحد يعلم ما حدث بالضبط، تكهنات هنا وهناك عن تفاصيل ساعات الرعب والجوع والعطش التي عاشها الثلاثة في قلب الصحراء، لكن وفقا لـالصريحي، في تصريح خاص بـالمصري اليوم: لم يكن أحد معهم ليطلعنا على

الحقائق بشكل قاطع، لكن ما تم استنتاجه من خلال قصاصي الأثر من أبناء القبائل أن عاصفة هبت في اليوم الثالث لهم، وخرج أحد الصقور عن الخيمة وطار في السماء، فما كان من رمضان أن صحب شقيقه ونجله في

سيارتهم وهرعوا لملاحقة الصقر، وغاصوا في الصحراء على مسافة تقرب من 100 كيلو متر عن خيمتهم التي نصبوها، ليدخلوا حيز جغرافي لا تغطيه شبكات المحمول وحل عليهم الليل فضلوا الطريق ومكثوا في مكانهم فترة من الوقت.

في الشدة تظهر المعادن وهو ما حدث بالفعل مع قبائل مطروح التي تركت أحوالها بحثا عن جيرانهم، يقول الصريحي: واصلنا الليل بالنهار، كان الجميع يبذل كل ما في وسعه للوصول إلى المفقودين، لكن قضاء الله كان أقرب.

التقط الشاب جميل القاسمي طرف الحديث وبصفته أول من وصل إلى مكان السيارة الخاصة بالثلاثة المفقودين بدأ في سرد تفاصيل ما حدث: كنت أول من وصل إلى السيارة الخاصة بهم، من الوهلة الأولى بدا أن شيئا ما حدث، على

بعد 100 كيلو متر من خيمة الصيد التي نصبها رمضان وشقيقه وجدنا السيارة، أنا على خبرة بالمناطق التي لا تضم شبكة لاسلكية وينقطع فيها الإرسال بحكم كوني صياد طيور وقصاص أثر، فكان ذلك أول الخيط للبحث عن المفقودين.

يضيف القاسمي في تصريح لـالمصري اليوم: أول ما التقطته كان خط سير السيارة حيث تركت السيارة أثار عجلات وقمت بتقصي الأثار خلال عملية البحث، وكان الدليل على أننا

نسير في الطريق الصحيح عندما أخبرنا أحد الصيادين أنه رأى الثلاثة قبل يوم، أي يوم الثلاثاء، واعطاهم صفيحة بنزين وأرشد عن الاتجاه الذي ساروا فيه، تتبعت الوصفة

التي أعطاني إياها إلى أن وصلت للسيارة وكانت على مسافة تقترب من 100 كيلو متر، يبدو أنهم تاهوا في الصحراء وضلوا طريقهم ومن ثم تعطلت السيارة إذ حاولنا أن نقودها ولكن لم تتحرك.

كانت السيارة أول أثر يصلون إليه، ووجدوا بقايا العشاء الأخير للثلاثة وأثار رماد النار، يقول القاسمي: هنا بدأنا في الترجل من السيارات لنبدأ رحلة البحث على الأقدام من خلال تتبع آثار الأقدام.

على بعد 10 كيلو مترات وجدنا أول جثة وكانت للطفل شاهين، دفنه والده في الرمال ومن ثم وضع فوقه بعض الحطب حتى يستطيع العثور على جثمانه مرة أخرى، بعد قرابة 5 كيلو وجدنا جثة الأب مسجى على ظهره في قلب الصحراء.

كان الأمل ما زال يغلف قلب قصاص الأثر القاسمي عندما وجد السيارة، ظن أن العثور على الثلاثة قريبا وما هي إلا ساعات للوصول إليهم، لكن عندما رأى جثة الطفل بدأت الهزيمة تتسلل إلى روحه: كانت اللحظة الأصعب، والأكثر

حزنا في حياتي، أعرف قسوة الصحراء جيدا، فأنا من أبنائها، لكن لم أظن أنها لن ترحم طفلا لم يرى الحياة بعد، بدأ قصاصي الأثر الآخرين في البكاء، رأيت رجالًا تهابهم الصحراء تغرق عيونهم الدموع، كان مشهدًا قاسيًا

إلى أبعد الحدود، حافظت على رباطة جأشي وواصلت عملية البحث أملا في أن أجد الأب الأكثر قوة على التحمل باقيًا على قيد الحياة، لكن ما هي إلا دقائق حتى وجدناه ملقى في الصحراء متوفيًا وبجانبه شقيقه صاحب العشرين عاما.

لم يكن الأمر يسيرا، كان المئات من أبناء القبائل يبحثون عنهم، فجأة الحزن خيم على الجميع، وكأنه سكينًا ضرب في قلوبنا، لم نعرف كيف نتصرف في الأمر، الطفل ووالده وعمه متوفون، لقوا حتفهم جوعا وعطشا، وفشلت كل محاولاتنا في أن نجدهم قبل فوات الاوان ولكن قدر الله فوق كل شيء. يقول القاسمي.

كانت الخطوة التالية في أخبار العائلة، لكن لم يقوى القاسمي على تلك الخطوة، فأثر الصمت، وترك تلك المهمة للجمع الغفير الذي شد الرحال بحثا عن الحياة في قلب الصحراء.

المصرى اليوم
03 اكتوبر 2022 |