القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

شعر المرأه.. بين التاج والعورة

بقلم عيد اسطفانوس

بادئ ذى بدء ننوه بأن هذا الطرح ليس نقدا ولا انتقادا لعقائد ولا مقارنات أو مقاربات بينها ، لأن طروحات من هذا القبيل ثبت أنها تدمر بيئة التعايش بين الأعراق فى مجتمعات هذه المنطقة ،هذه المنطقة الموبوءة بأناس سوغ لهم خيالهم المريض أن العقائد يمكن تفسيرها بالعقائد،

شعر المرأه.. بين التاج والعورة

وأن ماورد فى كتب مقدسة عند أصحابها يمكن تفسيره بما ورد فى كتب مقدسة عند آخرين ، وأن العقائد يمكن أن تنتقد كما تنتقد المؤلفات الادبية أو اللوحات الفنية، وهى وسيلة وضيعة لتعمد اهانة عقائد الناس ( أيا ما كانت ) ،وهو سلوك ينم عن اضطراب نفسى وضحالة فكرية ويغذى الكفر بمبدأ التساوى الإنسانى ويصدر أوهام كاذبة عن التمايز العرقى والاستعلاء العقيدى والقبلى لمجتمعات يحتلها الجهل والفقر والمرض،

أوهام تصدر للناس بغرض إلهائهم عن واقعهم المتردى والمتفجر بالتعصب والإنقسام والفقر والتخلف ، كما وأن معارك تفسير المقدس بالمقدس أصبحت معارك يومية طاحنة أشلاء قتلاها عرض

يومى على كل الميديا فى الجهات الاربع ، وبالطبع يزداد عمق الهوة واتساعها كل يوم بفعل فاعل لكنه فاعل خبيث يتجه بقوة نحو هدف أكثر خبثا وهو الوصول إلى نقطة النهاية وهو استحالة

العيش المشترك أو استحالة (العشرة) بين أعراق عاشت قرون طويلة منسجمة ولم يكن اختلاف العقيدة أو المذهب أو العرق يشكل كل هذا العمق السحيق وهذا الاتساع الهائل لهذه الهوة القاتلة.

وبإصرار وتمويل سخى ومشبوه يتم تدشين وتكريس مظاهر الانفصام بين الاعراق فى هذه المنطقة بدءا من الاسماء وحتى الأزياء مرورا بمفردات التعامل اليومى بين الناس ، وبالطبع هم يعلمون تمام العلم أنه

ــ أى الإنفصام ــ هو المرحلة التمهيدية اللازمة لبلوغ الهدف السامى أو نقطة النهاية أو الحل الحتمى وهو الانفصال ، لأن الهوة تعمقت واتسعت ولم يعد فى الامكان جسرها ، وقد وصلت مجتمعات إلى نقطة

النهاية وبلغت الهدف المنشود ، بلغته بإقتدار ورأيناه رأى العين ، رأينا الحل (الحتمى)فى السودان حيث نحرت الذبائح فى شوارع الخرطوم وأم درمان ابتهاجا بتوحيد القبلة ـ أى التخلص من الكفرة

والمشركين ـ واحتفالا بتقطبع اوصال اكبر وأغنى دولة عربية وأظنه لن يكون الاحتفال الاخير ، ورأيناه فى الصومال مثال صارخ مثير للشفقة والسخرية ورأيناه فى فلسطين ونعرف من هم مموليه ، وجارى ترتيب

سيناريوهاته (الحتمية) فى العراق وفى مصر وفى نيجيريا وفى مالى وساحل العاج وفى سوريا وليبيا واليمن وغيرهم قادمون على نفس الطريق ، ويبدأ فصل معاد ومكرر من المسرحية الهزلية الكاذبة الممجوجة عن

مؤمرات الغرب (الصليبى ) على (العرب والمسلمين) ،والحقيقة أن ما يحدث لهذه الامة من نكبات هو نفس الناتج الحتمى لنفس المعطيات أى التمويل السخى المشبوه بهدف بث الفرقة والانقسام والفرز بين

الاعراق فكيف لنفس المعطيات أن تخرج ناتج مغاير ، فعلى سبيل المثال لا الحصر هل كان يمكن للسودانيين أن يعيشوا معا متحدين مندمجين فى ظل تمايز عرقى واستعلاء دينى وفرز عنصرى وقهر ثقافى والإجابة بالطبع لا وألف لا.

وبالعودة لما يشى به العنوان وهو شعر المرأه فقد اخترناه كمثال حياتى يومى لتوضيح مدى الهوة السحيقة بين ثقافتين وعقيدتين ، ولانعرف كيف يمكن جسرها ، فبينما توضح الثقافة المسيحية ونصوصها

وأدبياتها الموروثة أن شعر المرأة تاج على رأسها يحق لها أن ترتديه وتفتخر به مزينا فى أى وقت ، فقط عليها ستره إتضاعا فى حضرة ملك الملوك صاحب التاج الأعظم (طبقا لتعاليم عقيدتها ) ، أو تستره كراهبة

ناسكة نذرت حياتها وكرستها للعبادة متنازلة برغبتها عن أى من مظاهر الافتخار الدنيوى ، وفى المقابل تقول تفسيرات نصوص فى القرآن الكريم وأحادبث وأدبيات كثيرة أن شعر المرأة عورة ــ ضمن عورات أخرى

فى جسدها ــ وسترها من الفروض ، وهنا نعيد التنويه بأننا لسنا فى معرض النقد أو الإنتقاص من عقائد لها معتنقيها المؤمنين بها لكن نستعرض واقع قائم يوضح مدى الفارق الهائل بين عقيدتين ليس فى الفروع

فقط بل فى صلب العقائد بدءا من طبيعة المسيح وحتى تعدد الزوجات مرورا بالفوبيا التى تصنعها الميديا الخبيثة عن رموز وتعابير مثل الكنيسة والصليب والتثليث والتنصير والتبشير والأسلمة وغيره ، حيث

يتم استغلال هذه المفردات بذكاء وخبث شديدين فى تعميق وتوسيع الهوة التى هى عميقة ومتسعة أصلا وقد أصبحت بحرا من الكراهية والتعصب ، حيث يتم دائما التعمية على مبدأ الإختلاف ونفيه وكأنه خطيئة

لايجب أن يوصم بها أحد مع أنه كان سمة غالبة وسنة مؤكدة سادت فى عصور نهضة زالت مع زوال فكر التنوير والقبول الغير مشروط للآخر، حيث عاش الناس أعراق واديان وثقافات ومذاهب مختلفة عاشوا تحت المظلة

الأم السابقة على كل التفرعات وهى مظلة الإنسانية ، ومع انحدار وانحسار مبادئ سامية لفلاسفة ومفكرين وفقهاءعظام قدامى ومحدثين كابن رشد وابن عربى ومحمد عبده والسنهورى وطه حسين والجابرى وابن

أركون وغيرهم كثيرين الذين احترموا وعظموا السنه الالهيه التى احتفت بجواز اختلاف البشر دينا وعرقا ولونا وثقافة بل نصت على ذلك نصوصا لاتحتمل التأويل ، نقول انحسرت دعوات هؤلاء المجددين ووصلنا

إلى محطات التخلف والانقسام والإظلام وفقه البادية حيث تسود اليوم مبادئ ابن تيمية والمودودى ومعهم المتفيقهين الجدد الذين دمروا مستقبل شعوب هذه المنطقة ،وما صعود أسهم الأصوليات اليمينية

المتعصبة فى أوربا إلا رد الفعل المتوقع والحتمى على الجانب الآخر بعد فشل كل المحاولات اليائسة البائسة المتخبطة لما يسمى بالحوار أوالتقريب أوالتعايش بين الأديان أو المذاهب ،وكلها فشلت فشلا

ذريعا لأن الهدف غائم ، فالعقائد هى الايقان بأمور وجدانية لا ترى ومستقرها القلوب لذا فان محاولات مواءمتها أو مقاربتها أو تطويعها هو هزل لكنه هزل خبيث يهدف لتحويل الهوة إلى هاوية وكان الأجدر

أن يتم التركيز على مبدأ الاختلاف الحتمى المشروع حيث يجب أن يعيش الناس مختلفون، مختلفون فى العقائد شركاء فى الوطن ، مختلفون فى اللون شركاء فى الانسانية ، مختلفين فى المذهب شركاء فى المستقبل ،

مختلفين فى هذا وذاك وتلك شركاء فى هذا الكوكب الذى استخلفهم الخالق فى إعماره .ومع أن الجميع وخصوصا أتباع الاديان السماوية يعتقدون فى وجود واحد لاشريك له (مالك ليوم الدين ) أى اليوم الذى تصدر

فيه الاحكام الحقة النهائية من القاضى العادل الأوحد فلماذا إذن يغتصب المتطرفون اختصاصه ويتعجلون إصدار أحكام الكفر والشرك على الآخرين المختلفين مستخرجين نصوص من سياقها ومدعين التفويض الإلهى

والوكالة الإلهية ، والحقيقة أنها وكالة مزورة فهم وكلاء لآخرين يضخون أموالا بوفرة لهذا الغرض وهم ــ أى الممولين ــ فى انتظار العائد المجزى وهو الحفاظ على أنظمة قمعية لا تستطيع الاستمرار إلا

فى بيئة بائسة من الجهل والتعصب والعنف والانفصام والانقسام والصراع ، بيئة رعايا لا مواطنين ، رعايا حريتهم وأرزاقهم هبة من ولى الأمر الذى لا يجوز الخروج عليه ،والويل كل الويل لمن يفكرون فى ذلك فسياط الفتاوى جاهزة لتلهب ظهورهم.

وبالقياس على نموذج التاج والعورة لانعتقد أنه يوجد حلول وسط يمكن ابتداعها لجسر هذه الهوة لكن يمكن إقامة معابر عليها ، وذلك يتطلب مؤمنون عن قناعة بمبدأ الإختلاف ، مؤمنون بحتمية العيش

المشترك فى مجتمع متعدد الأعراق والاديان والمذاهب والثقافات وهو مانراه فى كل المجتمعات الناهضة المتوحدة التى تحترم حرية وكرامة واختيارات كل إنسان ، أما البديل فهو مانراه فى

المجتمعات المحيطة من فوضى وتشرذم وعنصرية وتمييز وقهر وفقر وقتل وحرمان ،والمصريون يعرفون تمام المعرفة أن ما أنجزوه طوال نصف القرن الماضى كان تحت راية الوحدة والتنوع بنوا سدا عاليا

وخاضوا حربا ضروس وقاموا بثورة فريدة ، ولأن من حولنا يعون تماما أن قوة المصريون فى وحدتهم وتنوعهم المثرى أعراق وأديان وثقافات وأن جذور حضارة كامنة تحت جلودهم على وشك أن تنفجر وتطيح

بأنظمة وأفكار بالية عفا الزمن عليها ، نعم من حولنا يخشون عاصفة عاتية آتية ربما تستطيع جسر الهوة القاتلة التى صنعتها أنظمة التخلف والبداوة فى هذه المنطقة المنكوبة وإذا حدث فهى نهايتهم المحتومة .

عيد اسطفانوس

عيد اسطفانوس
01 يوليو 2022 |