القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

الراهب القبطى الذى حفظ آثار مارمينا للكنيسة القبطية

د. مينا بديع عبد الملك

أستاذ الرياضيات بهندسة الإسكندرية

تذكر الكنيسة اليونانية بالإسكندرية أن للشهيد المصرى القديس مينا المُلقّب بالعجايبى دور هام فى حماية اليونانيين فى أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن هنا اتجهت أنظار الجالية اليونانية بالإسكندرية إلى

الراهب القبطى الذى حفظ آثار مارمينا للكنيسة القبطية

أهمية ضم منطقة القديس مينا الأثرية بمريوط إلى كنيستهم تكريماً وتقديراً لدور القديس مينا معهم. فالمنطقة يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادى، فبعد استشهاد القديس مينا حُمل جسده وتم دفنه فى صحراء

مريوط والتى يطلق عليها بدو المنطقة اسم أبو مينا أو منطقة القديس مينا، حتى قام البابا أثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون بإقامة كنيسة هناك، وعندما ضاقت بالمصلين قام البابا ثاؤفيلس البطريرك 23 بإقامة كنيسة أكبر.

لكن كان هناك راهب يقظ يخاف على ممتلكات الكنيسة القبطية وهو الراهب مينا البراموسى المتوحد الذى كان يقيم فى طاحونة هواء بمصر القديمة الذى صار فيما بعد البابا كيرلس السادس (1902 1971) البطريرك 116 كان يسعى للإقامة فى

صحراء مريوط ويهتم بإعادة تعمير منطقة مريوط ويعيد للمنطقة تاريخها القديم بعد أن تخربت فى القرن العاشر الميلادى ثم تم اكتشافها عام 1905 على يد عالم الآثار الألمانى كارل- ماريا كاوفمان. فكان الراهب مينا المتوحد

يفضى بهذا الحلم الذى كان يجول بمخيلته لكل أحبائه وزواره ممن كانوا يفدون للطاحونة لنوال البركة منه. وكان الكل يخرج من عنده مندهشاً من نبرات اليقين التى كانت تزين حديثه عن حلم إقامة الدير يوماً ما دونما يأس من

طول زمن الحلم. وكان رواد جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية يؤكدون أن الراهب مينا المتوحد كان يعتبر هذا الأمر بمثابة تكليف من السماء، لذا فهو ملتزم بكل الأمانة بهذا التكليف، ومن ثم كان إيمانه بتحقيق الأمل قوياً.

فنراه يرسل خطاباً فى فبراير 1937 إلى الأستاذ محروس مرجان المحامى وعضو مجلس إدارة جمعية أصدقاء الكتاب المقدس بالقاهرة عقب مقال نشره الأستاذ محروس فى يناير من نفس العام برسالة المجلة التى كانت تصدرها جمعية

أصدقاء الكتاب المقدس وأوضح فى المقال قيام الجمعية برحلة إلى دير مارمينا الأثرى بصحراء مريوط وإقامة الصلاة واحتفالية بالقديس مينا العجايبى فى ذلك المكان المقدس والذى يُعتبر أول صلاة تقام فى هذا المكان

منذ تخريب المنطقة فى القرن العاشر الميلادى. وقد عبّر الراهب مينا المتوحد فى خطابه للأستاذ محروس المحامى عن مدى إعجابه وفرحته بما جاء فى المقال من أخبار سارة حيث وصف كاتب المقال المنطقة الأثرية فاشتاقت

نفس راهب الطاحونة لقرب اليوم الذى يتم فيه تعمير الدير. فقال الأب مينا المتوحد فى خطابه لعضو الجمعية: (قرأت مقالكم عن أطلال مدينة مينا الأثرية باشتياق كبير فأنا من محبى القديس مينا وأتمنى لو توسطت الجمعية

لدى الأب البطريرك ليسمح لى بتعمير هذا الدير. ولا أطلب أى مساعدة من البطريركية سوى الحصول على تصريح). وبالفعل توجه الأستاذ محروس مرجان وعدد من أعضاء الجمعية لمقابلة البابا البطريرك لاقناع قداسته بتعمير

دير مارمينا بمريوط. لكن البابا رفض الطلب!! وكان هذا البطريرك هو البابا يوساب الثانى البطريرك 115. ثم ذهب الأستاذ محروس مرجان والأستاذ حافظ داود سكرتير عام الجمعية (فيما بعد الأب مرقس داود كاهن كنيسة

مارمرقس بشبرا) إلى كنيسة الملاك القبلى حيث أستفسروا عن الطريق المؤدى للطاحونة التى يعيش فيها الراهب مينا المتوحد، وصعدوا الجبل وتقابلوا مع الراهب المتوحد حيث أبلغوه بمسعاهم عند البابا وبنتيجة

المقابلة. لكن الراهب لم يتأثر بفشل المحاولة وأكد لهم أن الرب سيدبر الوقت والطريقة التى يعود بها الدير الأثرى إلى الوجود. وخرجوا من الطاحونة وكلهم أمل فى تحقيق الحلم، مبهورين من الإيمان القوى الذى كان يتحلى به هذا الراهب الناسك.

أيضاً كتب الراهب مينا المتوحد سنة 1958 رسالة إلى د. منير شكرى (1908 1990) رئيس جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية فى ذلك الوقت كشف فيها عن لقاء مهم تم عام 1943 يختص بقرب تحول الحلم إلى

حقيقة. فجاء فى رسالته هذه: (أكتب لك هذه الرسالة فى ساعة متأخرة من الليل لكى أبشركم ببشرى مُفرحة لكم ولجميع أعضاء جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية. فقد عرفنّى اليوم الأستاذ عوض

الله ابراهيم عضو المجلس الملى العام، وكذا الأستاذ يوسف جرجس سكرتير البطرخانة، أنه تقرر ترميم هيكل الكنيسة الموجود بدير مارمينا بمريوط. ومن عظيم سرورى وفرحى بذلك الخبر لم أستطع

أن أنام قبل أن أسطر لكم هذه الرسالة. وربما تستغرب من ذلك، ولكن لو علمت السبب لِما أستغربت. أعلم يا إبنى العزيز أنه فى سنة 1943 حضرت إلى الإسكندرية وتوجهت لمقابلة طيب الذكر المرحوم

الأستاذ بانوب حبشى (1913 1956) وعرضت عليه فكرة إقامة الشعائر الدينية والسكن بدير مارمينا، ففرح جداً وسعى جهده لدى مدير الآثار. وأنتم أول من تعرفون ما قام به من خدمات فى سبيل انتشار اسم مارمينا).

وعن هذه الواقعة يخبرنى والدى الأستاذ بديع عبد الملك (1908 1979) خبير رسم الخط الفرعونى والرسومات الفرعونية بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية مع الأستاذ بانوب حبشى مفتش الآثار بالمتحف، أنه فى يوم

من أيام عام 1943 حضر إلى المتحف راهب طويل القامة ونحيف وتبدو عليه إمارات الزهد والنسك وكان يحمل فى يده اليمنى شنطة بسيطة، وطلب منهم مخاطبة جهات الآثار المختلفة حتى يتمكن من الإقامة بمنطقة القديس مينا

الأثرية بمريوط وإقامة الشعائر الدينية، فوعدوه بذلك. وقام الأستاذ بانوب حبشى بمخاطبة مدير المتحف القبطى بالقاهرة وأيضاً هيئة الآثار المصرية بالقاهرة. وفى أثناء تداول المناقشات للوصول إلى

الموافقات التى استغرقت سنوات كانت السماء قد أعلنت إرادتها النهائية باختيار الراهب مينا المتوحد أسقفاً للإسكندرية طبقاً للتقاليد الكنسية العريقة التى استقرت فى الكنيسة منذ القرن الرابع الميلادى

ومن ثم أخذ لقب بابا وبطريرك الكرازة المرقسية فى 10 مايو 1959 باسم البابا كيرلس السادس ليكون البطريرك 116. وفى يوم الجمعة 26 يونيو 1959 توجه البابا كيرلس السادس إلى صحراء مريوط وبصحبته أتوبيس يقل أعضاء

جمعية مارمينا بالإسكندرية وأتوبيس آخر من الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية وبعض السيارات الخاصة، وتحت سرادق أقيم بالمنطقة الأثرية أقام البابا كيرلس السادس الشعائر الدينية بالمنطقة الأثرية ذلك

الحلم الذى كان يراوده. ومن حُسن حظى إننى كنت بصحبة والدى الأستاذ بديع عبد الملك وحضرت تلك الشعائر الدينية المُبهجة وأنا أبلغ من العمر 9 سنوات، فكنت منذ طفولتى المبكرة شاهداً على أعمال هذا البطريرك

القديس وإيمانه القوى. وفى يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 بعد أن رأس البابا كيرلس السادس الشعائر الدينية بالمنطقة الأثرية، توجه قداسته على بُعد ثلاثة كيلومترات من المنطقة الأثرية وبصحبته أعضاء جمعية

مارمينا بالإسكندرية وأيضاً أبناء الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية وبعض من أبناء الإسكندرية وقام قداسته بوضع حجر أساس الدير حيث قام والدى الأستاذ بديع عبد الملك بطلب من البابا كيرلس السادس

بكتابة تاريخ وضع حجر الأساس على اللوحة الرخامية، وكنت أيضاً أحد شهود هذا الأحتفال الرائع وأنا أبلغ من العمر 9 سنوات وأربعة أشهر. وهكذا تحقق الحلم الذى صار واقعاً. وصارت المنطقة مزاراً سياحياً وأيضاً مزاراً للصلاة ونوال البركات.

وطنى
22 يونيو 2022 |