القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

هل مبدأ الاتكال على الله يتعارض مع التخطيط والتدبير لأمور حياتنا؟!

اعتاد موقع جريدة وطني أن يبحث مع قرائه ما يخص الحياة العملية والروحية للإنسان المسيحي، واليوم سوف نتحدث عن مبدأ الاتكال على الله، ولكن التدبير الحسن لأمور حياتنا واجب على الإنسان، لأن الله ميزه بالعقل والفكر، ولا يوجد تعارض بين مبدأ الاتكال على الله، واهتمام الإنسان بتدبير أموره حسنًا.

هل مبدأ الاتكال على الله يتعارض مع التخطيط والتدبير لأمور حياتنا؟!

أما التخطيط والاستعداد للمستقبل فأمر واجب على كل مسيحي حريص على التمتع بالحياة والأفضل بحسب القانون الإلهي القائل: فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا (غل6: 7)..

ومن هنا يطرح السؤال نفسه.. هل مبدأ الاتكال على الله يتعارض مع التدبير والتخطيط لأمور الحياة؟.. ولماذا وصف الله الرجل الذي قام ببناء مخازن جديدة بالغبي؟.. وهل علينا أن نترك أمر المستقبل لمشيئة الله؟.. وهل المسيحية ضد التطوير؟ وتوجه موقع جريدة وطني لمسؤولي الكنيسة لأخذ إجابات واضحة وصحيحة.

*التدبير الحسن واجب مسيحي

قال القس أنطونيوس سمير كاهن كنيسة العذراء والقديس باخوميوس بكوبري الناموس بالإسكندرية: التدبير الحسن لأمر ما هو إتمامه بعناية ودقة، ويعتمد التدبير الحسن على التفكير السليم والدراسة الدقيقة، ويرتبط التدبير الحسن بالتخطيط الجيد، والاستعداد لما قد يأتي به المستقبل من مفاجآت قد تعطل العمل.. سوف أشرح لكم اهتمام الكتاب المقدس بالعمل الجاد، وحثه أولاد الله على تدبير أمورهم :

*الله هو المدبر الأعظم

دبر الله للإنسان كل ما يلزمه للحياة على كرة الأرض قبلما يخلقه. فخلق له الماء والهواء والنبات والحيوان والأرض التي يمشي عليها، ونَظَّم له الكون بالقوانين التي تحكم الطبيعة، وتسمح له بالحياة الآمنة

على كوكب الأرض. لقد شهد الله لتدبيره السامي حين أتمَّ الخلقة في اليوم السادس قائلًا: وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا (تك1: 31).

إن الله هو المدبر الأعظم، الذي استخدم بحكمته كل أحداث التاريخ لتدبير خلاص وفداء الإنسان، وما زال الله يدبر خلاص كل نفس وفقًا لحكمته وإرادته الصالحة، وذلك بالرغم من الشر الذي

يحيط بالإنسان، لأنه المدبر الخلاص، كقول الكتاب: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ

يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ (مت2: 6). وقوله أيضًا: الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ (كو1: 25).

*الله يطالب الرعاة والمعلمين بتدبير أمور شعبه

وهب الله الخدام والرعاة في الكنيسة مواهب عديدة، وخصص منهم أناسًا للقيام بوظيفة التدبير والرعاية لأمور شعبه الروحية، كقوله: فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلًا رُسُلًا، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ (1كو12: 28).

وقد طالب الله هؤلاء المدبرين بالاجتهاد في تدبير احتياجات شعبه الروحية كقوله: أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ (رو12: 8). وطالب الله شعبه أيضًا

بتكريم هؤلاء الرعاة الذين يدبرون أمور كنيسته حسنًا قائلًا: أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلًا لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيم (1تي5: 17).

* رؤية الكتاب المقدس في العمل لحساب المستقبل

وفي نفس السياق، قال القمص أبرام جيد كاهن بكنيسة السيدة العذراء بعين شمس: الله خلق للإنسان عقلًا وفكرًا وحواسًا ليتمكن من استنتاج الأمور قبل حدوثها؛ فيمكنه توقع ما قد يأتي به الغد، ويستعد له.

لقد وبخ إرميا النبي من لا يستعمل ما وهبه له من حواس وفكر قائلًا: اِسْمَعْ هذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الْجَاهِلُ وَالْعَدِيمُ الْفَهْمِ، الَّذِينَ لَهُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ يُبْصِرُونَ. لَهُمْ آذَانٌ وَلاَ يَسْمَعُونَ (إر5: 21).

وقد مدح الرب يسوع المسيح من يستعد للشدائد والضيقات بحفظه وصايا الله وأقواله، قائلًا: فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. (مت7: 24- 25).

*من لا يعمل لمستقبله يتحمل مسؤولية تراخيه

يمدح الناس الإنسان الذي يستعد للمستقبل، ويصفونه أنه صاحب رؤية مستقبلية، ويؤيد الوحي الإلهي الاستعداد للمستقبل بعدم إضاعة الفرصة للعمل في الوقت المناسب، لئلا يأتي وقت لا يستطيع الإنسان العمل فيه، كقوله: مَنْ يَجْمَعُ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ ابْنٌ عَاقِلٌ، وَمَنْ يَنَامُ فِي الْحَصَادِ فَهُوَ ابْنٌ مُخْزٍ (أم10: 5).

وقد وصف الوحي الإلهي من لا يستعد في الوقت الحاضر لمستقبله الروحي (في مثل العذارى) بالجهل قائلًا: أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا (مت25: 3). وأكد المثل أيضًا حرمان هؤلاء العذارى الجاهلات من التمتع بالعرس السماوي.

وقرر الله أن يأكل الإنسان خبزه بالكد والعرق، ومن وقتها أخذ أبونا آدم يعمل في الأرض كل يوم منتظرًا أن تخرج له ثمارها؛ وهكذا صار العمل أمر ضروري في حياة الناس حتى يهيئوا لأنفسهم طعام الغد.

وبناء على هذا المبدأ أمر معلمنا بولس الرسول المؤمنين بالاقتداء به قائلًا عن نفسه: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ (أع20: 34). وقد علم أيضًا

الوحي الإلهي على فم هذا الرسول العظيم بضرورة العمل قائلًا: فَمِثْلُ هؤُلاَءِ نُوصِيهِمْ وَنَعِظُهُمْ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ، وَيَأْكُلُوا خُبْزَ أَنْفُسِهِمْ (2تس3: 12).

*شبهات وهمية

يخطئ البعض في ظنهم أن بعض نصوص الكتاب تتعارض مع الاستعداد للمستقبل بالعمل والتدبير الحسن.

يدعي البعض أن قول الرب بعدم الاهتمام بالغد قول يتعارض مع العمل للمستقبل.. النص الإنجيلي: فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ (مت6: 34).. ويجب أن ندرك أن كلمة يهتم قد تأتي في سياق الحديث بأكثر من معنى كما يلي:

المعنى الأول: هو الحرص والهمة والحماس على إتمام عمل ما؛ كما وردت في قول الكتاب: صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ. وَأُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هذِهِ الأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالًا حَسَنَةً. فَإِنَّ هذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ (تي3: 8).

المعنى الثاني: هو القلق والخوف من معاناة قد تحل بالإنسان في المستقبل؛ وهو ما جاء في النص موضوع التساؤل كقوله: فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ (مت6: 34).

بمراجعة سياق الحديث في هذا الإصحاح بدقة، نجد أن كلمة لا تهتموا قد وردت بالمعنى الثاني أي: الخوف والقلق من المستقبل.. عبارة يكفي اليوم شره والتي وردت بعد عبارة فلا تهتموا بالغد؛ تؤكد أن المعنى الثاني هو المقصود.

إن الرب في هذا النص لم يعف الإنسان من ضرورة الكد، وتحمل المشقات في العمل يوميًا، ولكنه يحذر من القلق والخوف مما سيأتي به الغد لأنه مجهول لديه؟

فيا أحبائى .. أليس من الأفضل أن يتعب المرء في العمل اليوم، حتى ولو كان من أجل الغد؟! ولا يقلق لأجل المجهول.

لقد أمر الحكيم الاقتداء بالنمل الذي يعمل في الصيف استعدادًا لفترة الشتاء، التي لا يمكن العمل فيها بحرية قائلًا: النَّمْلُ طَائِفَةٌ غَيْرُ قَوِيَّةٍ، وَلكِنَّهُ يُعِدُّ طَعَامَهُ فِي الصَّيْفِ (أم30: 25).

موضوع سياق حديث الرب في الإصحاح السادس من إنجيل القديس متى: قول الرب بعدم الاهتمام بالغد جاء ضمن سياق الحديث عن التثقل بالهموم، خوفًا من عدم توفر ما يلزم الإنسان من قوت وكسوة في وقت لاحق (الغد) كقوله: لِذلِكَ أَقُولُ

لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ (مت6: 25).. إن

الدارس لحديث الرب سيجد أن الرب لم يتعرض لضرورة عمل الإنسان لسد احتياجاته اليومية، لكن قوله: يكفي اليوم شره، إشارة ضمنية لتحمل الإنسان مشقات وضيقات اليوم، والتي عبر عنها الكتاب بكلمة شره أي ما في اليوم من تعب ومشقات أثناء العمل.

*يظن البعض أن الاتكال على الله هو التواكل

قال القمص سوريال جاد كاهن بكنيسة العذراء والأنبا كاراس بعزبة الهجانة بمدينة نصر، أن تلك الموضوع له العديد من المحاور ولكن سوف اتكلم معاكم في كلمة الاتكال على الله إن الاتكال على الله يعني الإيمان

بكلامه، والثقة به كمعين وسند ومدبر في الشدائد والأمور الصعبة، التي لا يقدر على اجتيازها الإنسان وحده كقوله أيضًا: فِي يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ. اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى

اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ؟(مز56: 3- 4). إن الاتكال على الله لا يتعارض مع العمل كقوله اَلْفَرَسُ مُعَدٌّ لِيَوْمِ الْحَرْبِ، أَمَّا النُّصْرَةُ فَمِنَ الرَّبِّ (أم21: 31).

*الاتكال على الله لا يتعارض مع التدبير الحسن

إن كلمة الاتكال لا تعني مطلقًا التواكل، والتي يقصد بها التكاسل والتراخي، وإلقاء مسئولية العمل على شخص آخر، وخير دليل على ذلك أمر الوحي الإلهي لمن اتّكل على الله بالعمل بأمانة قائلًا: اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ (مز37: 3). نلاحظ في النص السابق أن الوحي الإلهي أمر بفعل الخير بعد قوله: اتكل على الرب.

كما يدعي البعض أن المسيحية ضد التطوير واستثمار الطاقات، معتمدين على وصف الرب.. الرجل الذي قام ببناء مخازن جديدة بالغباء.

وجاء نص المثل: وَقَالَ لَهُمُ انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ. وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا قَائِلًا: إِنْسَانٌ

غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلًا: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا، أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي

أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي

وَافْرَحِي! فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا ِللهِ (لو12: 15- 21).

* بناء مخازن جديدة أمر جيد

كشف الله ليوسف الصديق حلم فرعون عن السبعة سنوات الآتية، والتي يعم فيها الرخاء، والسبعة التالية، والتي يعم فيها الجفاف والمجاعة.

ولكن يوسف بنعمة إلهية خطط، ودبر تدبيرًا حسنًا لإنقاذ شعب مصر والعالم من الموت بالمجاعة، وذلك ببناء مخازن حتى يتمكن من تخزين قمح كثير. وهكذا أنقذ أرض مصر من المجاعة كقول الكتاب: وَخَزَنَ يُوسُفُ قَمْحًا كَرَمْلِ الْبَحْرِ، كَثِيرًا جِدًّا حَتَّى تَرَكَ الْعَدَدَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدَدٌ (تك41: 49).

*أسباب لوم الرب لذلك الرجل

لا يلوم الرب في هذا المثل من يُوَسِّع مخازنه، لكن اللوم يقع على ذلك الرجل لأمرين أولهما هو طمعه بحسب قوله في بداية المثل: انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ،

فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ. والأمر الثاني هو: اعتقاد هذا الرجل أن غناه المادي هو الذي يُؤِّمِن له الحياة

السعيدة، وقد فندّ الرب هذا الاعتقاد الخاطئ بإعلانه حرمان ذلك الرجل من التمتع بخيراته الكثيرة بسبب موته في ذات الليلة، التي تخيل أن خيراته الكثيرة هي الضمان والأمان لحياته.

وأشار القمص سوريال، يتخذ البعض من توبيخ الرسول يعقوب في رسالته من يثقون في نجاح خططهم للمستقبل حجة على رفض الإيمان المسيحي للتخطيط والدراسة.

النص الإنجيلي: هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: نَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا إِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ تِلْكَ، وَهُنَاكَ نَصْرِفُ سَنَةً وَاحِدَةً

وَنَتَّجِرُ وَنَرْبَحُ. أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ.

عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ. وَأَمَّا الآنَ فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ (يع4: 13- 16).

ولكن لا يلوم معلمنا يعقوب الرسول الإنسان الذي يخطط للغد، ولكنه يلوم من يثق في قدراته بصورة مبالغ فيها، إلى حد الافتخار بما سوف ينجزه في الغد ناسيًا أو متجاهلًا سلطان الله ومشيئته، وتدخله في ممالك البشر كقول الكتاب: فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ.

واختتم حديثه، إن العيب ليس في العمل لحساب المستقبل، ولكن العيب هو في هدف ونوعية العمل.. أما من لديه المقدرة أن يتعب في العمل والتدبير الحسن والتخطيط لأمور حسنة، فهو إن لم يفعل ذلك يحسب له ذلك خطية،

كقول الكتاب: فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ (يع4: 17) وعلينا نتسائل إن كان التخطيط للمستقبل أمر نافع لأمور هذه الحياة أليس من الأولى التخطيط للحياة الأبدية.

وطنى
14 يونيو 2022 |