منذ بدء تاريخ البشرية كان الإنسان في احتياجٍ ضروري لتسجيل أحداث حياته الشخصية، والاقتصادية، والدينية، والسياسية، لذا فوجود التقاويم أصبح ضرورة ملحة لوجود المجتمعات، وبدون التأريخ وأجهزة ضبط

الوقت يكون من المستحيل تسجيل الأحداث على اختلاف أنواعها، وبدون التقاويم لن يستطيع المجتمع إنجاز مهامه اليومية، وهذا جزء من الكل، فـ التقويم هو أكثر بكثير من مجرد أداة نفعية لتنظيم الحياة الاجتماعية
فالتقويم هو نظام عد زمني لحساب تواريخ الأيام وكذلك تنظيمها لأغراض اجتماعية أو دينية أو تجارية أو إدارية. يتم ذلك بناء على معايير مختلفة في التقويم المختلفة ويتم في كل من تلك التقاويم إعطاء أسماء معينة لفترات من الزمن، عادة تكون ايام او اسابيع او اشهر اوسنوات وعادة ما تكون
تلك الفترات (مثل الأشهر والسنين) متزامنة مع دورة الشمس فى السماء أو بالأدق موقع الارض في مدارها حول الشمس أو متزامنة مع ميلاد ونهاية القمر
كما أن هناك تقاويم تعتمد على دورتى القمر والشمس معاً، ولكن ليس بالضرورة أن تعتمد كلها على الشمس والقمر، ولكن ليس بالضرورة أن تعتمد كلها على الشمس والقمر، فهناك تقاويم تعتمد على كواكب اخرى معينة، وغيرها مالا يعتمد على أي عامل واضح.
وقد وضعت العديد من الحضارات والمجتمعات تقاويم، كانت في العادة مستمدة من التقاويم الأخرى يتم اتخاذها كنموذج لإعداد نظمها الخاصة التي تناسب احتياجاتها.
ان علم التقويم (الكرونولوجي Chronology) هو التسلسل الزمني للأحداث، وهذا العلم غاية في الصعوبة، وكمفهوم مشترك لوقت تدفق الأحداث البشرية، والطبيعية غالبًا ما يتم استثمار التقويم في معاني إيديولوجية تتجاوز
التنظيم الزمني للمجتمع، وتتحمل في بعض الأحيان أهمية كونية، وغالبًا ما كان تصميم وحساب التقاويم القديمة إنجازًا فكريًا، وعلميًا يتضمن تقنيات حسابية، وبعض المعرفة بعلم الفلك، وبالتالي كان التقويم في
كثيرٍ من النواحي جزءًا تأسيسيًا لما يُسمى بـ الثقافة، هذا بالرغم من أنه غالبًا ما يتم التقليل من التقويم باعتباره فضولًا تقنيًا، مفيدًا فقط لكتابات الكُتاب والمؤرخين القدامى بغرض تحديد التسلسل الزمني
والتأريخ للأحداث المختلفة، ويتضح لنا عدم مقدرة غير المتخصصين في الدراسات الفلكية الربط بين التقاويم، وذلك لكثرة الاختلافات بينها في السنين، والشهور، والأيام، وهذا لعدم اشتراك تلك التقاويم معًا في نفس
أنواع السنين قمري كانت، أو شمسي، أو نجمي، أو قمري شمسي، ولفهم تعدد واختلاف التقاويم، ومحاولة التوصل إلى توافق بين التقاويم معًا على أساس حسابي فلكي تقابلي يتطلب جهد كبير ومشقة في عملية البحث للوصول الى النتائج الصحيحة.
عيد الميلاد
التقاويم تستخدم في العمليات الحسابية التي ينتج عنها تحديد المواسم والأعياد لدى الطوائف المختلفة، مثل عيد الميلاد المجيد، وتكمن صعوبة العمليات الحسابية في ربط علم الفلك بالأعياد الكنسية، والتي تأتي في أوقات
متعلقة بنصوص كتابية من الكتاب المقدس، أو كتابات الأباء، أو التقليد الكنسي، والتي تحتاج إلى معرفة الأزمنة، والأوقات التي يأتي فيها مواسم الأعياد لعمل الاستعدادات اللازمة لمثل هذه المواسم من طقوس، وأصوام وغيرها
في الوقت الحالي ظهرت لنا على الساحة مشكلة اختلاف أوقات الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد لدى الكنيسة الشرقية، والكنيسة الغربية، مع العلم أن هذه المشكلة قديمة منذ القرن السابع عشر الميلادي، إلا إنها انتشرت بسبب استخدام الانترنت بشكل عام، ووسائل التواصل الإجتماعي بشكل خاص، مما ترتب عليه حدوث لغط شديد في الموضوع دون التدقيق في التفاصيل التي ادت إلى هذا الاختلاف،
طريقة حساب عيد الميلاد المجيد
في البداية نتعرف على التقاويم التي تستخدم لتحديد عيد الميلاد المجيد لدى الكنيسة الشرقية (القبطية)، والكنيسة الغربية، فالكنيسة القبطية تستخدم تقويم الشهداء القبطي، والكنائس الغربية تستخدم التقويم الميلادي الغريغوري المُعدل عن التقويم الميلادي اليوليوسي.
1. تقويم الشهداء القبطي:
وضع هذا التقويم مسيحيو مصر (الأقباط)، وذلك ليكون تقويم محلي لهم، وبداية هذا التقويم في السنة التي أعتلى فيها الإمبراطور دقلديانوس الحكم حيث حدد المصريون المسيحيون بدء تاريخهم بيوم 29 أغسطس سنة 284 ميلادي
يوليوسي، وسنة الشهداء هي نفس السنة المصرية بأسماء شهورها وعدد أيامها، ولكن تم تعديل التقويم المصري الذي يتبع النظام النجمي ليكون في الشهداء بالنظام الشمسي المدني الذي تتكون مدة السنة فيه من 365 يوم،
وربع (وهذا التعديل أدى إلى تغيير في طول السنة في التقويم المصري القديم النجمي، وأصبح لا يرتبط بظاهرة الشروق الإحتراقي لنجم الشعرة اليمنية بعد هذا التعديل) فصار عدد أيام السنة 365 يوم في السنة البسيطة
لمدة ثلاث سنوات ثم السنة الرابعة الكبيسة 366 يوم، وتقويم الشهداء هو التقويم الرسمي للكنيسة المصرية، والمستخدم في الطقوس، وكذا في الحسابات الخاصة بالأعياد، فنجد إنه يحدد يوم عيد الميلاد المجيد يوم 29
كيهك، وذلك منذ الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وهذا اليوم يتقابل مع يوم 25 ديسمبر من التقويم اليوليوسي وظل هذا التقابل معًا حتى عام 1582 ميلادي يوليوسي، وهذا العام هو الذي حدث به التعديل الغريغوري للتقويم اليوليوسي.
2. التقويم الميلادي اليوليوسي اليولياني (الشرقي)
يعرف هذا التقويم باسم التقويم الميلادي اليوليوسي، واليولياني (نسبة إلى يوليوس قيصر الإمبراطور الروماني) الذي قام بتعديل السنة الرومانية في عام 45 ق.م بمساعدة الفلكي المصري سوسيجين
(سوسيجينوس) من الإسكندرية، فقام بإصلاحه سنة 45 ق.م، حيث أضاف إلى الشهور بعض الأيام لتصبح السنة 365 يوم وربع يوم، بحيث يصبح عدد أيام ثلاث سنوات متتالية 365 يوم في السنة البسيطة، وفي السنة الرابعة 366
يوم في السنة الكبيسة، كما أنه يُعرف بالتقويم الميلادي الشرقي لأن بلاد الشرق تستخدمه في حساباتهم، مثل الروم، والروس، والسريان، والأرمن، وظل هذا التقويم مستخدم حتى 1582م حتى تم تعديله بالتقويم الغريغوري.
3. التقويم الميلادي الغريغوري (الغربي)
يعرف هذا التقويم بالميلادي الغريغوري (الجرجوري)، أو الغربي، وهذه التسميات تمييزاً له عن التقويم الميلادي اليوليوسي، ويسمى بهذا الاسم نسبة إلى البابا إغريغوريوس الثالث عشر بابا روما، ويتبع هذا التقويم نظام التقاويم
الشمسية التي تتكون مدة السنة فيها من 365 يوم وربع بحيث يصبح عدد أيام السنة 365 يوم في السنة البسيطة لمدة ثلاث سنوات ثم السنة الرابعة الكبيسة تكون 366 يوم، وبذلك يكون متشابه مع جميع التقاويم التي تسير على نفس هذا النظام الفلكي.
تم تعديل التقويم الميلادي الغريغوري عن التقويم اليوليوسي، وذلك في عام 1582م على يد البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما حيث استعان هذا البابا بكل من لويس ليليو، وكريستوف كلافيوس في
إصلاح التقويم القديم اليوليوسي وذلك لكي يدوم الإعتدال الربيعي (أي دخول الشمس برج الحمل) في يوم 21 مارس (آذار)، لإنه في ذلك الوقت تغير موعد الإعتدال الربيعي، والذي كان قد تم تحديده في
يوم 21 مارس خلال القرن الرابع الميلادي كما هو مذكور في إنعقاد مجمع نيقية المسكوني، وببحث الأسباب التي أدت إلى تغيير دخول الشمس لبرج الحمل، وحدوث الإعتدال الربيعي في غير موعده المحدد،
إتضح للعلماء أنه يوجد خلل بسيط في المدة الزمنية لقياس طول السنة الشمسية، حيث كان مقدر طول السنة الشمسية حتى ذلك الوقت 365 يوم وربع يوم أي 6 ساعات بالتمام (= 365.25 يوم طول السنة الشمسية المدنية).
بحساب المدة بالتحديد لطول السنة، والذي أقره العلماء القائمين على التعديل في القرن 16م بأن طول السنة عبارة عن: 365 يوم و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية (= 365.2422 يوم طول السنة الشمسية المدارية)، أي يوجد هناك فرق بين طول المدة
الزمنية للسنة الشمسية قدره 11 دقيقة، و14 ثانية (=0.0078 يوم)، وهذا الفرق مع مرور الزمن منذ القرن الرابع الميلادي (موعد إنعقاد مجمع نيقية)، وحتى القرن السادس عشر الميلادي (موعد التعديل عام 1582م)، وصل إلى حوالي عشرة أيام.
وافق البابا غريغوريوس بابا روما على إجراء هذا التعديل في ذلك الوقت، وتم تحديد وقت لتنفيذه حيث يتم حذف 10 أيام الزائدة من التاريخ في السنين، وكان الوقت المحدد للتعديل يوم الخميس 4 أكتوبر
1582م، وتم البدء في التنفيذ حيث تم حذف 10 أيام من التاريخ بحيث نجد يوم الخميس 4 أكتوبر 1582م اليوم التالي له أصبح الجمعة 15 أكتوبر 1582م، وبذلك يكون قد تم حذف العشرة أيام الزائدة، وهي من يوم 5
أكتوبر حتى 15 أكتوبر 1582م، فهذه الأيام غير موجودة في التقويم، ولكن هذا الحذف تم في هذا التقويم فقط دون غيره فنجد إن يوم الخميس 4 أكتوبر 1582ميلادي غريغوري يتقابل مع يوم الخميس 4 تشرين الأول 1582
ميلادي يوليوسي، واليوم التالي له الجمعة أصبح 15 أكتوبر 1582 ميلادي غريغوري، بينما ظل الجمعة 5 تشرين الأول 1582 ميلادي يوليوسي كما هو، فصار الفرق بين التقويمين في ذلك الوقت 10 أيام، وهي الأيام المحذوفة.
ان عملية إصلاح التقويم لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمر البحث، والدراسة عن كيفية تفادي حدوث مثل هذا الخطأ الناتج من زيادة 11 دقيقة، و14 ثانية على مر السنوات التالية في المستقبل، فبعد الدراسة
توصل العلماء إلى إنه سيتكون 3 أيام في كل 400 عام وهي ناتج المدة الزائدة في طول السنة الشمسية 11 دقيقة، و14 ثانية، كما أن العلماء وضعوا الحل لهذه المشكلة عن طريق حذف 3 أيام كل 400 سنة، عن طريق
إختيار السنة القرنية (أي التي تمثل نهاية القرن وبداية القرن الجديد) مثل سنة 1600، و1700، 1800، 1900، وهكذا فهذه السنين القرنية هي سنوات كبيسة، لإنها تقبل القسمة على 4 حيث يأتي الكبيس دائماً في
السنة الرابعة، ومعنى إن هذه السنوات سنوات كبيسة فعدد أيام شهر فبراير 29 يوم، فقرر العلماء أن تصبح هذه السنوات القرنية سنوات بسيطة، ولا يتم إضافة يوم الكبيس إليها، وهذا يتم في 3 قرون من كل 4
قرون، وذلك لتجميع 3 أيام كل 400 سنة، أما السنة القرنية الرابعة فيتم إضافة يوم الكبيس إليها كما هو، ولا يتم حذفه، وبذلك يتم حذف 3 أيام كل 400 سنة دون الإحتياج إلى عمل تصحيح التقويم مرة أخرى كما حدث في عام 1582م.





لذلك فقد تم تنفيذ هذه الخطة الموضوعة للتصحيح على مدار السنوات التي جاءت بعد عام 1582م، وحتى الأن حيث تم تحديد السنوات القرنية التي سيتم حذف اليوم منها، والأخرى التي سوف تظل كما هي دون حذف، ونجد أن
السنوات القرنية التي تم تحديدها لحذف يوم الكبيس الذي بها في القرون التي بعد عام 1582 فهي عام 1700م، 1800م،1900م، فقد تم حذف يوم الكبيس من هذه السنوات القرنية، بينما ظل عام 2000 كما هو دون حذف يوم الكبيس منه،
وبذلك يكون قد أصبح عدد الأيام الفرق بين التقويم الميلادي اليولياني، والتقويم الميلادي الغريغوري حتى الوقت الحاضر 13 يوم، وهي عبارة عن 10 أيام التي تم حذفها معاً في التصحيح عام 1582م بالإضافة إلى 3
أيام التي تم حذفها من الثلاث السنوات القرنية الماضية، فأصبح الفرق الأن 13 يوم، وهذه الـ 13 يوم في الوقت الحالي هي الأيام التي تمثل سبب الفرق بين موعد عيد الميلاد لدى الغربيين 25 ديسمبر، وعيد الميلاد
لدى الشرقيين 7 يناير = 29 كيهك، وليس كما يعتقد البعض أن سبب الأختلاف هو سبب إختلاف العقيدة، فكما هو واضح هنا أن السبب فلكي ناتج عن التعديلات التي حدثت، وهكذا سيظل الأمر سائراً كما تم وضع القواعد
المحددة له بحذف 3 أيام تلقائياً من كل 400 سنة حتى يصح الحساب، فإن استمر الأمر على ذلك فسيتداخل موعد عيد الميلاد في أيام الرفاع (الإفطار) قبل الصوم الكبير، نتيجة إختلاف الحسابات الفلكية، والتقاويم في المستقبل.
في حالة الاتجاه نحو التصحيح للوضع الحالي نستخدم الحسابات الحالية في طول السنة الشمسية المدارية (365 يوم و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية = 365.2422 يوم) لتعديل تقويم الشهداء القبطي بدلاً
من طول السنة الشمسية المدنية (365 يوم وربع يوم أي 6 ساعات بالتمام = 365.25 يوم) المستخدمة في الوقت الحالي، (وللتأكيد هنا تقويم الشهداء القبطي يتبع النظام الشمسي، وليس النجمي
المستخدم في المصري القديم)، وفي حالة التعديل يتم حذف الأيام الزائدة في تقويم الشهداء القبطي منذ بدايته وحتى الآن والتي تقدر بحوالي 13 يوم في وقتنا الحالي، ليصبح تقويم الشهداء
القبطي متبعاً النظام الشمسي المداري بطوله المعلوم، وبذلك يتم الاتفاق في العيد بين يوم 29 كيهك القبطي بعد الحذف ليتقابل مع يوم 25 ديسمبر الغريغوري كما كانا يتفقان معاً قبل تعديل عام 1582م.
وفي هذه الحالة لا يتم تعديل أي شئ من الطقوس، أو الأعياد، أو القراءت اليومية حيث إنه سيتم قراءة ما يوجد في القطمارس، أو السنكسار أو أي شئ حسب الترتيب المتبع حالياً، الشئ الوحيد الذي
يتغير هو مقابلة يوم المناسبة الدينية مع اليوم المعروف لدينا في التقويم الميلادي الغريغوري فقط، على سبيل المثال عيد استشهاد الشهيد العظيم مارجرجس يوافق يوم 23 برمودة القبطي، ويتوافق
في وقتنا الحالي مع يوم 1 مايو في التقويم الميلادي الغريغوري، بعد التعديل سيظل يوم عيد استشهاد مارجرجس يوم 23 برمودة القبطي وسيتقابل مع الميلادي الغريغوري في يوم 18 أبريل بدل من 1 مايو
المعروف لدينا حالياً وهكذا في باقي الأعياد والمناسبات ستتحرك في موعد تقابلها مع التقويم الغريغوري بمقدار الأيام المحذوفة فقط، ولا يتطلب ذلك إعادة طباعة الكتب الكنسية وغيرها كما هو مشاع حاليًا.
وفي حالة الموافقة من الكنيسة على التنفيذ يتم تحديد الوقت المناسب لحذف الأيام الزائدة في الوقت الحالي، وكذا تطبيق خطة الحذف للأيام التي ستتجمع في المستقبل حتى لا نحتاج إلى إجراء أي تعديلات اخرى مستقبلاً.