محمود طفل عمرة 14 سنه له ملامح جميلة طفولية هادئة. ظهر محمود مع الأستاذ عمرو الليثي في لقاء قصير، وبالرغم من حديثة القليل الا انه أستطاع التعبير عن الامة العميقة بالكلمات والدموع. فهو يعاني من فقدان الأب لسبب الوفاة،
وفقدان الأم لسبب تخليها عن امومتها وخوفها من زوجها الحالي، وفقدان العائلة. وأكثر ما يعانية محمود هو ادراكة و وعية التام لرفضها له. فبحسب كلماتها على لسان عمه "محمود بالنسبة لي مات ارموه في أي حته". أمه طردته
خوفاً من زوجها الحالي وعندما طلب منها ان تستبقية رفضت. اهل والدته لم يقبلوه وأهانوه وآذوه بالكهربة والضرب بل وجعلوا منه شحاذا في الشوارع، وجعلوا من الأرصفة مسكنا له. لم يكن له سوى عمه الذي حاول رعاية محمود بقدر استطاعته.
مايكل آوور لاعب كرة قدم أمريكي. ولد لأم تدمن المخدرات والجنس ولها أطفال لا تعرف عددهم او من والد كل طفل. ظل ينتقل بين دور الرعاية و في كل مرة كان يهرب إلى سكن والدته ولكن
الدولة كانت تودعة لدار الرعاية حرصاً عليه من والدته. وبالرغم من ان مايكل آوور كان يتميز بمهارات رياضية وبنيان جسدي ضخم، إلا انه و لسبب عدم استقرارة في الحياه اعتقد انه
بلا موهبة و غير ذكي حتى انه رُفض من المدارس. ظل مايكل هكذا حتى قابل أسرة تبنته وتبدلت حياته للتمام حتى حصل على منحة تعليمية لتفوقة الرياضي وأصبح من مشاهير كرة القدم الأمريكية.
مشكلة محمود ليست انه معاقب لدرجاته السيئة او سلوكه غير المهذب، لكن مشكلته ان المصدر الطبيعي الذي كان يجب ان يمده بالأمان والحب اصبح مصدرا ألم وتخلي وضياع. فعلاقتنا بوالدينا ليست
"مجرد" علاقة طبيعية فطرية لا يوجد فيها اختيار، ولكنها العلاقة الأكثر تأثيراً في حياتنا وشخصياتنا وهى المحدده لمعظم استجابتنا لأحداث الحياة. لذا، محمود يعاني من تشوه عميق
للمفاهيم سيؤثر على حياته بالكامل. ففي العمر الذي يجب ان يشعر فيها ببلوغه وتطوره، هو يبحث عن مأوى ويرفض الحياة. بالإضافة إلى انه ظهر على الشاشات بانكسار وبكاء في مشهد مهيب محزن ومخجل.
قصة محمود لها أبعاد عديدة وقد تكون مصدر بحث لأكثر من موضوع واتجاه، وحتماً هناك العديد مثل "محمود" من الأولاد والبنات ممن ممن نتجوا عن اتصال جسدي بين اشخاص لا تعي قيمة وقدر الأطفال ولا أهمية الرعاية الأسرية. ولكن لا يجب ان يمر هذا الحدث مرور الكرام.
يجب علينا كمجتمع وكافة مؤسسات الدولة ان ننتبه إلى أهمية تفعيل الأنظمة التشريعية و المؤسسية والرعوية التي تهتم بالأطفال الذين ظلمتهم الحياه كمحمود. فهم لازالوا ثروة بشرية قيمة. يجب
ان يكون لدينا نظام رادع للأشخاص الذين يستهترون بقيمة وحياة الأطفال سواء بعدم تقديم رعاية مناسبة او بالإيذاء الجسدي واستخدام وسائل حادة وخطرة في التربية او باستغلالهم في أعمال
الشحاذة أو أي أعمال مهينه تؤثر على سلامهم وكيانهم الأنساني. كما يجب ان نهتم بالتكوين النفسي والاجتماعي للطفل وأسرته ضماناً لوقف دائرة الإيذاء والعنف و لتحقيق لأكبر توازن أسري و
مجتمعي ممكن. و على جانب آخر، يجب ان نخلق أنظمة اجتماعية لمساندة السيدات من الأرامل و المطلقات لتقديم الدعم النفسي والمجتمعي والمادي حتى لا تشعر السيدات بالضغط والرضوخ لمجرد الاحتياج المادي.
الاهتمام بالطفل والحرص على تهيئة البيئة اللازمة لنموه (خاصة توفير أسرة شبه سوية) هو أكبر وقاية من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تهدد أي مجتمع. كما ان سلامته خط احمر لا يقبل التهاون تحت اى سبب أو لأي صفة. فكما انه لا غني عن الأسرة بصفتها المصدر الأولى لاحتضان وتنمية الطفل ورعايته، لا غنى عن نظام صارم يضمن للطفل حقة عندما يغيب عنه الأمان او يتعرض للخطر.
قصة محمود قد تكون ليست الأولى من نوعها في المجتمع وقد يكون هناك قصص أكثر مأسوياً، ولكن يجب ألا نعتاد الألم أو نقبل الجرم وكأنه جزء طبيعي من الحياه. واما عن محمود، فأرجوا له ان يجد المأوي البشري المناسب ليشعر بالقبول وقيمته الإنسانية التي تفوق أي اعتبار.