شهر ديسمبر هو شهر الاحتفالات بأعياد الميلاد فى معظم دول العالم. وتختلف مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد على حسب كل بلد وتقاليدها. وفى العادة، تتضمن الاحتفالات فى العديد من البلدان تركيب وإضاءة أشجار
عيد الميلاد، وتعليق أكاليل عيد الميلاد المجيد، بالإضافة إلى تعليق جوارب عيد الميلاد وقصب الحلوى، ووضع البسكويت والحليب أسفل الشجرة. ومن التقاليد الأخرى أيضاً إرسال وتبادل بطاقات تهنئة عيد الميلاد.
وفى دولة أيسلندا، ثمة تقاليد بأن يقوم الناس بإهداء بعضهم البعض كتاباً، كهدية للاحتفال بأعياد الكريسماس، حيث يقومون بقراءة الكتب فى ليلة الرابع والعشرين من ديسمبر مع تناول قطع الشوكولاتة. وهذا التقليد معروف فى
اللغة الأيسلندية باسم (Jlabkafl) وتعنى طوفان كتب الكريسماس. فكلمة (Jl) فى اللغة الأيسلندية هى المقابل لأعياد الكريسماس. أما (bk) فتعنى الكتاب. ولفظ (fl) ترجمته باللغة العربية هى الطوفان. وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن
أيسلندا هى ثالث أكثر دول العالم تعلماً وقراءة، حيث يقول المثل الأيسلندى: أن تكون بدون حذاء أفضل من أن تكون بلا كتاب. وإدراكاً لأهمية الكتب كهدية، يتم لفها بورق عيد الميلاد وتزين بأقواس وشرائط كرة لولبية بطريقة الهدية العادية.
وأيسلندا هى واحد من أكثر البلدان غزارة فى الكتابة. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نذكر أن واحداً من كل عشرة مواطنين أيسلنديين ينشر كتاباً. واتساقاً مع ذلك، وإدراكاً لأهمية الحفاظ على هذه العادة المجتمعية،
وتعزيزاً لها فى نفوس الأفراد، ومع ثقافة متجذرة بعمق فى حب الأدب، كرست أيسلندا تقليداً سنوياً للعطلات، يطلق عليه اسم (Jlabkafl)، لإهداء الكتب فى جميع أنحاء البلاد وتقديرها. ويعد هذا اليوم بالنسبة للقراء
الأيسلنديين فرصة للاستمتاع بالعالم الفريد الذى تخلقه الكتب لكل قارئ، ومشاركة هذه العادة مع الأصدقاء وأفراد الأسرة المحبوبين. كذلك، يحرص الكُتاب على أن تصدر مؤلفاتهم قبيل هذه المناسبة، والتى تعتبر
عيداً سنوياً للقراءة. ومن هنا، ربما جاءت التسمية، وهى طوفان كتاب عيد الميلاد، وذلك عندما يحتفل القراء الأيسلنديون باندفاع الكتب المنشورة حديثاً قبل موسم الأعياد. ففى شهر ديسمبر من كل عام، تقوم دور
النشر فى أيسلندا بإصدار طوفان من الكتب الجديدة فى السوق، وتتلقى كل أسرة كتالوجاً مجانياً، يشرح بالتفصيل ويتعمق فى جميع العروض الجديدة. وهكذا، يتم إرسال الكتالوج إلى كل منزل ويلتهمه الجمهور تماماً عند وصوله.
كذلك جرت العادة فى أيسلندا أن يتم نشر جميع الروايات ذات الغلاف المقوى فى أكتوبر ونوفمبر، حتى تكون جزءاً من طوفان كتاب عيد الميلاد. وخلال هذا الطوفان، يحدث جزء كبير من المبيعات السنوية للروايات ذات الأغلفة الورقية. أما فى
بقية العام، فغالباً ما يشترى الناس كتباً صغيرة ذات غلاف ورقى أو يستخدمون المكتبات لتعويض ما فاتهم خلال موسم عيد الميلاد. فى المقابل، يبدو أن الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية ليست جزءاً كبيراً من سوق الكتب فى دولة أيسلندا.
ويبدو أن إهداء الكتب عادة متجذرة فى الثقافة الأيسلندية، حيث يقال إن مواطنى هذه الدولة الإسكندنافية اعتادوا أن يوزعوا الكتب على بعضهم البعض فى الأعياد منذ الحرب العالمية الثانية. ولا يزال الكتاب
أكثر هدايا أعياد الميلاد شعبية فى أيسلندا. وفى الواقع، فإن المواطن الأيسلندى يعتبر عيد الميلاد فاشلاً تماماً إذا لم يحصل على كتاب! حتى البرامج الإخبارية فى شهر ديسمبر، تتحدث عن أكثر الكتب مبيعاً
وأيها يتصدر القائمة. وفى أيسلندا، يفتح كل فرد هداياه عشية عيد الميلاد، وليس صباح يوم عيد الميلاد كما هو الحال فى العديد من البلدان الأخرى. لذلك، ينتهى معظم الناس فى المساء بالجلوس على الأريكة مع أحد
الكتب التى حصل عليها كل واحد منهم كهدية وقراءتها. إنه حقاً عمل مريح وساحر، خاصة إذا كان الثلج يتساقط والجو بارداً بالخارج. وفى الأيام التالية، يتحدث الناس عن الكتب التى حصلوا عليها ومدى استمتاعهم بقراءتها.
إن إهداء كتاب أمر يحتاج للكثير من التفكير بشكل أكبر من العديد من الأشياء الأخرى، لأنك تحتاج إلى مراعاة العديد من الاعتبارات عند الاختيار. إنها ليست مجرد هدية تُشعرك بالرضا، بل يجب تقديمها أيضاً
لأنك تعلم أن الكتاب يسهم بشكل كبير فى ثقافة المتلقى ومنظوره الأوسع للحياة. وقد يكون ذلك هو السبيل لمحاربة التطرف والتخلص نهائياً من لعنة الإرهاب فى بلادنا وفى العالم أجمع.. حفظ الله البشرية من كل سوء.