القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

اشكالية الأسقف العام وآليات تكوين العقل والوجدان القبطى [4]

بقلم كمال زاخر موسى

كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بحسب التاريخ والتأسيس واحدة من الكراسى الخمس الكبرى، مع اورشليم وانطاكية وروما والقسطنطينية، لكنها ولأسباب عديدة خرجت من التصنيف المسكونى لتكافح البقاء فى مناخات

اشكالية الأسقف العام وآليات تكوين العقل والوجدان القبطى [4]

متتالية معاكسة ومناوئة، واستطاعت أن تحفظ الوديعة بعناء وجلد حين خبأت كنوزها التى مازال العالم المسيحى يعتمدها كمراجع فى محاور ايمانه أساسية، وقد ضفرتها الكنيسة فى سطور وممارسات ليتورجيتها العبقرية.

ومنذ الإرهاصات الأولى ـ المعاصرة ـ التى شهدتها فى حبرية البابا كيرلس السادس عبر الحراك الذى صنعه وقاده الأنبا صموئيل لتمد مظلة رعايتها للأقباط فى بلاد المهجر والذى لم يتوقف بعد رحيلهما، البابا والأسقف، بل تنامى وامتد فى حبرية

البابا شنودة الثالث وحتى الآن. اجتذبت الكنيسة بشكل حثيث بعض من غير المصريين، خاصة فى قارتى افريقيا وأسيا، فى علامات واضحة أنها تسير فى مسار استعادة وجودها المسكونى الفعلى والرعوى، وليس فقط المشاركة فى الفعاليات والمؤسسات المسكونية.

وفى كل الأحوال صار لها رعايا فى العديد من دول العالم، وفى بعضها ولد فى معموديتها اجيال متتالية حتى الجيل الرابع وربما الخامس، وهم اعضاء كاملى العضوية فيها، ومنهم من اختير للخدمة الكهنوتية، حتى إلى درجة الأسقف. لنجد

انفسنا أمام سؤال هل يحق لأبناء الكنيسة خارج مصر الترشح ومن ثم الاختيار لموقع البابا البطريرك؟، وهل سيتم تدويل هذا الموقع بين ابناء الكنيسة كما هو حادث فى كنيسة روما وقد ذهب فيها موقع البابا إلى بولندا والأرجنتين مؤخراً؟.

ونجد انفسنا أمام هذا التطور الطبيعى لامتداد مظلة الكنيسة خارج مصر، ومع التطورات التى تشهدها بالداخل والتى تفرضها مناخات التغير الجيلى وتعدد الاحتياجات الرعوية، والتى تحمل العديد من الأسئلة

حول طبيعة خدمة الكنيسة وآلياتها وحدود ما هو كنسى وما هو مدنى، وما تشهده من اختلاف فى ضبط مصطلحات الرعاية بين ما هو متوارث ومستقر وبين ما هو مستحدث فرض نفسه بحكم اختلاف طبيعة الحياة واقتحام

الفضاء الافتراضى مع الثورة الرقمية والمعرفية وما يحملانه من تحديات معرفية تواجه الأجيال الجديدة وتحتاج لمفاتيح جديدة تفتح ابواب المعرفة الكنسية الأصيلة وتحميها من تيارات تشويهها بمسميات مختلفة.

وفى الخارج تواجه الكنيسة اشكالية خضوعها للقوانين المدنية الحاكمة للعلاقات والمؤسسات العامة والخاصة والملزمة لمواطنيها ولكل من يقيم فيها، الأمر الذى يلزمها بوجود قانون أساسى يقدم للإدارة

هناك، وينظم العلاقات البينية داخلها، ويتطلب تطوير ادارة الكنيسة وضبط ايقاعها المالى والاجتماعى ليتفق وقوانين تلك البلاد، وثقافات رعيتها المختلفة عما استقر فى الداخل، ومن ثم اعادة ضبط

حدود وصلاحيات الأسقف، وتقنين الدور العلمانى الذى يتولى ادارة شئون الكنيسة غير الروحية أوالعقائدية، وذلك من خلال وضع اللوائح الكنسية الملزمة لتلك الكنائس من قبل مجمع الاساقفة ومجلس الأراخنة.

بين الداخل والخارج وما يشهده العالم من تطورات متلاحقة تجد الكنيسة القبطية نفسها أمام حاجة ملحة لمراجعة هيكلها الإدارى والتدبيرى بما يدعم قدرتها على اداء رسالتها، ويأتى موقع الأسقف فى مقدمة المواقغ التى تحتاج إلى اعادة

هيكلة، تأسيساً على قاعدتين اساسيتين؛ الأولى ما لدى الكنيسة من ثوابت كتابية انجيلية، وقوانين مجمعية مسكونية ومكانية مستقرة بشأن توصيفه ومسئولياته وصلاحياته وأداءاته وانهاء خدمته، والثانية التطورات التى طرأت على دوائر خدمته.

وقد انتبهت الكنيسة القبطية لهذا فى العصر الحديث، حين استحدثت رتبة الأسقف العام، وكان بكورتها اسقفى التعليم والخدمات الإجتماعية، الأنبا شنودة والأنبا صموئيل (1962م.)، واستمرت فى تطبيقها هذا بعد أن صار اسقف التعليم

بطريركاً، برسامة اسقف للشباب ـ الأنبا موسى ـ ثم رسامة العديد فى رتبة الأساقفة العموم دون تحديد المهام الموكلة إليه، وهو الأمر الذى استمر مع إقامة الأنبا تواضروس بطريركاً. وهى تجربة تحتاج إلى تحليل مضمون ومن ثم

تقييم موضوعى، خاصة فيما يتعلق بضوابط الإختيار، والصلاحيات، ومساواته بأسقف الإيبارشية، وتأثيره على اداءات الهرم الهيراركى، خاصة رتبة الإيغومانس (القمص) ودوره التدبيرى، ثم ضمانات حمايته من العزل التعسفى وعودته إلى ديره.

وعندما قرر قداسة البابا كيرلس استحداث رتبة الأسقف العام، قيل وقتها أنه جاء بناء على اقتراح القمص صليب سوريال، مهندس تلك الفترة، ليحقق رغبة البابا فى مكافأة الراهبين

اللذين تم رسامتهما، لموقفهما ودورهما الداعم للدفع باسم الراهب القمص مينا التوحد فى قائمة المرشحين للبطريركية، حتى صار فيما بعد البابا كيرلس السادس. وبحسب رؤية صاحب

المقترح فإن رسامة الاسقف العام لا تحتاج إلى موافقة مطارنة واساقفة مجمع الكنيسة، باعتبار أن الاسقف العام معاون للبابا، وفى دائرة مقره البابوى، خاصة وأن الراهبين كانا محل

توجس شيوخ المجمع آنذاك. وهو الأمر الذى أوجد للباباوات اللاحقين منفذاً لرسامة موالييهم. فإذا صح هذا التأويل فهو يضاف الى الأسباب التى توجب مراجعة وتقييم هذا الموقع، موقع الأسقف العام.

كمال زاخر موسى - أقباط متحدون
07 سبتمبر 2021 |