القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«صانع النجوم» .. بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدثت المقالة السابقة عن أ. د. فوزى إسطفانوس: الطبيب، الباحث، القائد البارع، الرمز العالمىّ الذى قدم أعمالاً جليلة فى الطب والتخدير، وبخاصة تخدير القلب والصدر، والذى

«صانع النجوم» .. بقلم  الأنبا إرميا

تمكن من إنشاء أول قسم فى العالم لتخدير جراحات القلب بمستشفى كليڤلاند كلينيك، وهو أحد المؤسسين لتخدير القلب والجمعية الدُّولية لتخدير القلب؛ كما تحدثت عن بعض جوانب

شخصيته العبقرية الفذة فى القيادة، ومحبته الفياضة لكل محتاج يلتقيه فى نصيحة وإرشاد من الأطباء الشباب، واهتمامه ورعايته لمرضاه، وتلبيته كل من يلجأ إليه لطلب مشورته عمومًا.

وقد وصلتنى مشاركة من أحد الأحباء الذين لهم معرفة وصلة وثيقة بدكتور فوزى إسطفانوس، أعقبتها مكالمة هاتفية، أبحرنا فيها بالحديث عن هذا العملاق، أذكر منها: أن د. فوزى كان عضوًا بمجلس إدارة مستشفى

كليڤلاند كلينيك، ثم رئيسًا لمجلس إدارتها؛ فبعد رحيل رئيس مجلس الإدارة آنذاك، أجمع أعضاء مجلس إدارة المستشفى على اختيار د. فوزى رئيسًا لمجلس الإدارة، وذلك لوجود مشكلات كثيرة تحتاج إلى شخصية

متميزة إداريًّا لم يجدوها إلا فى عملاقنا المصرىّ الراحل. وقد استمر أ. د. فوزى فى ذلك المنصب إلى أن حُلت جميع تلك المشكلات واستقرت الأوضاع. ومما يُذكر من طيب أعمال د. فوزى الإدارية، أنه أجرى

انتخابات لتعيين رئيس مجلس إدارة جديد، ولم يترشح هو، بل دعم ترشيح الصديق الأقرب إلى قلبه الذى كانت تجمعه براحلنا العظيم محبة كبيرة: د. لوب، أحد أشهر جراحى القلب العالميين آنذاك؛ وجاءت نتيجة

الانتخابات نجاحه، بل حين قرر د. لوب الانتهاء من خدمته والخروج إلى المعاش، دعم د. فوزى - ومعه د. لوب - أ. د. جاذ جروف لتولى المنصب، وبالفعل اختير رئيسًا لمجلس الإدارة. وقد حرَص د. جروف على حضور صلاة جناز د. فوزى، فى تأثر بالغ.

كان د. فوزى مؤثرًا جدًّا فى صُنع القرار؛ لحكمته ومنطقه وقدرته فى تفهم الأمور وحل المشكلات. وإلى جانب تلك المواهب الفذة، كانت له القدرة على جذب الآخرين إلى النجاح، حتى إنه أُطلق عليه فى كليڤلاند كلينيك لقب: Star Maker، أى صانع النُّجوم؛ فلقد

تجلت شخصيته فى اكتشاف المواهب، وكشف القدرات الدقيقة التى لا تراها العين العابرة غير الفاحصة، وقيادة تلك المواهب على طريق النجاح المهنىّ والإنسانىّ، ومنها: أ. د. ناجى ميخائيل، وأ. د. وائل برسوم، وأ.د. وجيه غَبريال، وآخرون كثيرون على مر الأجيال.

وكان رمزنا الراحل الجليل مؤثرًا فى كل شخص تعامل معه، إداريًّا أو إنسانيًّا؛ فهو الذى أسس مدرسة طبية ذاعت شهرتها عالميًّا فى كليڤلاند، تحمل شعار: المريض أولاً، تهدُف إلى العناية بالمريض، والتواصل به لبحث حالته

الصحية ومتابعتها خطوة بخطوة، فى اهتمام بالغ شديد الخصوصية بكل أحد!! ما جعل مستشفاه ينال المركز الأول فى أمراض القلب والمثانة لعَقدين من الزمان، وملاذًا لعديد من مرضى القلب من دُول العالم (ذُكر بإحدى المقالات: 133 دولة!!).

كذلك اهتم د. فوزى إسطفانوس بالتاريخ اهتمامًا كبيرًا حتى صار من أولى أولوياته؛ ولم ينصب اهتمامه به على تأسيسه لمؤسسة القديس مَرقس لدراسات التاريخ القبطى، وتأكيد دورها

الكبير فى جمع التراث القبطىّ ونشره وتوثيقه فقط، بل اهتم بالتأريخ الإنسانىّ؛ فقد ذُكر أنه عندما تُوفى صديقه د. لوب، قرر أبناؤه عقد مزاد لبيع مقتنياته، فما كان من د. فوزى

إلا أن حضر المزاد، واشترى عددًا كبيرًا جدًّا منها، بهدف الحفاظ على تاريخ د. لوب، منتويًا إعدادها وتأريخها، ثم إهداءها إلى مستشفى كليڤلاند كلينيك، غير أنه انتقل من هذا العالم.

وعلى الرغم من تلك الحياة الحافلة بالإنجازات الدُّولية، فإن د. فوزى إسطفانوس، كان شديد التواضع، فدائمًا ما كان يطلق على نفسه لقب: Mr. No Body!! فى محاولة منه للهرب من الكرامة التى كانت تلاحقه أينما كان وبعد كل

عمل يؤديه. وأذكر أننى حضرت حفل تكريم له، فرأيته مكتظًا بعدد كبير من الأغنياء، ومنهم سام ميللر، أحد أغنى أغنياء أمريكا الداعمين للإنجازات الإنسانية الكبيرة التى حققها د. فوزى وفريق العمل المتميز بالمستشفى.

ومما يُحفر لنَجمنا المِصرىّ الراحل فى الذاكرة، أنه كثيرًا ما كان يردد: على الإنسان أن يكون ذا جلد سميك Thick Skin، حين يضع نُصب عينيه هدفًا يريد تحقيقه، إذ به تتكون له الحماية والقدرة على تخطى الإساءة والنقد من الآخرين من أجل تحقيق ما يصبو إليه.

إن حياة د. فوزى إسطفانوس لَثرية وعميقة، مهنيًّا وإنسانيًّا، حياة امتلأت بمحبة الله فانعكست فى محبة الآخرين وأعمال جليلة للإنسانية بأسرها. و... والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
01 سبتمبر 2021 |