القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

داخل الكنيسة نرى رغبات الحياة وتابوهات الدين .. بقلم طارق الشناوي

بقلم طارق الشناوي

هل كل ما يعرض فى المهرجانات جائز التصريح بتداوله فى عالمنا العربى؟

داخل الكنيسة نرى رغبات الحياة وتابوهات الدين .. بقلم طارق الشناوي

الإجابة حتى الآن قطعا هى لا، هكذا تساءلت، وأجبت، وأنا أشاهد الفيلم الفرنسى الهولندى (بينيديتا) داخل المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) والتى تضم 24 فيلما، تجرى الأحداث فى الكنيسة خلال القرن السابع عشر،

المواقف الدرامية الخيالية تتكئ على ظل من الواقع، والشخصيات بها أيضا رائحة وعبق الزمن كما يشير الفيلم فى (التترات)، وتتخلل الشريط تلك اللقطات الجنسية، ليقرأ المشهد على نحو آخر آخذًا أبعادًا أخرى،

مع تقديم علاقات سحاقية، وإذا كانت الرقابة عندنا من الممكن أن تسمح ببعضها على مضض فى أفلام مع تخفيفها للحد الأدنى، فإنها إذا حدثت بالكنيسة يصبح الرفض مضاعفًا، مثلما سبق أن رأيناه فى أكثر من فيلم

مُنع عرضه فى مصر لم تعترض فقط الكنيسة المرقصية المقدسة، بل ينضم أيضًا الأزهر الشريف، هل يستمر المنع مع الزمن ليصبح أبديًا؟ الحياة علمتنا أنه لا توجد موانع للأبد، مع تغير المناخ العام هامش المنع يتقلص.

تذكرت فيلم (شفرة دافنشى) بطولة توم هانكس- أنتج قبل نحو خمسة عشر عامًا- حيث افتتح به مهرجان (كان)، والغريب أننى فى ذلك العام 2006 ذهبت للمهرجان بعد الافتتاح بأربع وعشرين ساعة لتواجدى فى دولة الإمارات

العربية لحضور حفل نادى الصحافة، ولكنى شاهدت الفيلم ليلتها فى إحدى دور العرض التجارية، مواكبًا للافتتاح، بإمارة الشارقة، ومترجمًا أيضًا للعربية، حيث كان الفيلم سيباع تجاريًا بعدها بيوم واحد فى العالم كله.

تباينت ردود الفعل وقتها تجاه الفيلم فى العديد من الدول العربية، عدد قليل منها صرحت به بعد دولة الإمارات مثل تونس، بينما صادرته لبنان. على المستوى العالمى، كان رد فعل (الفاتيكان) هو الرفض وطلب البابا من رعايا الكنيسة بأن الأفضل لهم ألا يشاهدوه، لم يتطرق لمبدأ منع العرض أو المصادرة أو حذف بعض المشاهد، فلم تكن أبدا تلك من بين الخيارات المتاحة.

بينما فى مصر وصل الأمر إلى مجلس الشعب وتبنى وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى موقفا متشددا، ولم يكتف بمنع العرض بل وطالب أيضا بمصادرة الكتاب الذى كان مترجما للعربية ويباع فى الأسواق قبلها ببضع سنوات، من الواضح أن فاروق حسنى كان يعبر عن التوجه السياسى للدولة، وهو ما تكرر بعدها بنحو سبعة أعوام عندما تمت مصادرة فيلم (نوح) فى عهد وزير الثقافة الأسبق دكتور جابر عصفور.

استندت الرقابة إلى أن هناك قرارًا بمنع تجسيد الأنبياء وأقيمت ندوات متعددة جاء فيها أن الأزهر والكنيسة معًا يرفضان السماح بالعرض وهو المصير نفسه الذى ينتظر (بينيديتا) من إخرج بول فيرهويبفن وبطولة فرجينيا افيرا ولامبرت ويلسون وشارلوت رامبلينج.

الحكاية فى القرن السابع عشر كما تشير الأحداث والتى لها ظل من الحقيقة، لا أعتقد أن أى مهرجان عربى من الممكن أن يعرض هذا الفيلم، لا أتكلم عن العرض العام ولكن برغم سماح الدول العربية بهامش فى المهرجانات يتجاوز ما هو متعارف عليه فى العروض التى توصف بالعامة، ربما يأتى العرض محدودًا وبلا شباك تذاكر، حتى لا يصطدم بالقانون.

فى الفيلم الفرنسى كل ما نراه ظاهريًا من تجاوزات يتجسد فقط لو حكمنا عليها من منظور أخلاقى مباشر، بينما تلك هى بالضبط أسلحة المخرج فى التعبير عن تحليله للإنسان فى علاقته مع الإله، كما أنه يتعرض لازدواجية المؤسسة

الدينية والتوجه الديكتاتورى الذى يحكمها بإصدار قرارات تتدثر عنوة بالدين فلا يجوز الاقتراب منها وتمحيصها، فهى تستمد قوتها من أنها لها صفة الألوهية، رغم أنها تنتهك الكثير من القيم السماوية التى نادى بها السيد المسيح.

البطلة فرجينا أفيرا تقع فى حب السيد المسيح عليه السلام، تعتقد أنها تقابله أيضا فى الحياة الواقعية وأنه يبادلها الحب، وكلما تعرضت لمأزق أو عدوان تجده بجوارها يدافع عنها ويقتل أعداءها وهى كلها صفات بشرية تتناقض مع السيد المسيح ولكن هكذا كان جنوح الخيال.

الهدف العميق هو تحليل عالم الإنسان واقعيا وخياليا عندما يصطدم بسلطة الكنيسىة المطلقة ولا يسمح بأى هامش ولو محدود بالنقاش ولا أقول الخروج عن المقدس ولكن فقط النقاش.

يأتى الحكم النهائى بحرق البطلة وهنا تخرج الأمور عن السيطرة، يثور الشعب ضد الكهنوت وينقذ البطلة ويقرر عقاب الكاهن الأكبر، وفى المشهد الأخير يجدها أمامه وكان كثيرًا ما يسخر منها عندما تحدثه عن رؤيتها للمسيح عليه السلام يسألها هل أدخل الجنة؟ وترد عليه هل أنت أيضا من الممكن أن تحلم بالجنة.

نعم الأمر يتجاوز فى بعض الأعمال الفنية حرية التعبير إلى ما يجب مراعاته عند الاقتراب من المعتقد الدينى وله قدسيته فى قلوب المؤمنين به، ولكن السؤال: هل مع الزمن المفتوح ما يمكن أن يظل ممنوعا، أم أن علينا من الآن تغيير أنماط وأسلحة المقاومة؟.

طارق الشناوي - المصرى اليوم
12 يوليو 2021 |