القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

سعيد السني يكتب : فتنة أسوان وملف التعليم والرئيس القادم

جاءت "فتنة أسوان", وما صاحبها من قبلية متعصبة أطلت برأسها, كاشفة من جديد عن فشل ذريع ل"نظام التعليم" القائم, وانهياره التام.. فقد انطلقت الشرارة الأولى للفتنة من إحدى مدارس وزارة "التربية" والتعليم, بمشادة بين طلاب ينتمون لقبيلتين, وتلقفها مدرس إخواني, لم يتردد في أن يصب الزيت على النار, ويشعل مع "إخوانه المسلمين", نار الحرب بين القبائل, وكأننا عدنا إلى قرون سحيقة مضت, قبل العمران والمدنية

لست بصدد البحث في الأسباب المباشرة للفتنة, ولا كيفية علاجها الآني.. فلسوف تتكفل المجالس العرفية بهذه الامور.. لكن الأهم هو أجراس الإنذار والخطر التى تصم أسماعنا من آن لآخر, منذ

سقوط نظام مبارك عام 2011, على وقع ما نعيشه يومياً بدرجات متفاوتة, من تعصب قبلي وطائفي وفكري وديني, وفوضى وتطرف وعنف وتخريب وإرهاب.. واللافت هنا والمثير أن الفاعلين في كل الاحداث التي

نمر بها تقريباً, هم إما متعلمين من خريجي مؤسسات التعليم, أو شباباً جامعيين, أو طلاب مدارس كما حدث بفتنة أسوان.. وهذا كله, مع غيره من علامات الإنقسام والصراع الهدام, يوجب علينا

الانتفاض والثورة على نظامنا التعليمي.. مع التسليم بأن "التعليم" لايتحمل وحده مسؤلية فتنة اسوان أوغيرها مما نشير إليه.. لكن المسؤلية الأكبر تقع عليه بلاشك, لكونه مسؤلا بمراحله "قبل

الجامعية", في كل الدول المتحضرة, عن تربية وجدان المتعلمين على الانتماء وحب الوطن, وإعلاء قيم التسامح والتعاون والتحاب واحترام "الآخر" أيا كان, مع إقصاء قيم "التعصب" والانقسام والتنابذ والتناحر

فقد ساءت أحوال التعليم لدينا, طوال العقود الأربعة الماضية, تدريجياً بداية بمنتصف السبعينات تقريباً, مع دخولنا مختارين إلى بيت الطاعة الامريكي, بما أعلنه الرئيس الراحل أنور السادات, بعد

انتصار أكتوبر المجيد عام 1973, بأن 99% من أوراق اللعب, بيد أمريكا, وهو ما فتح الباب واسعا للتغلغل الأمريكي بشتى مجالات حياتنا ومنها التعليم من باب المنح والتمويل والتطوير, بالتوازي مع تراخي

الدولة في الوفاء بالتزاماتها المرافقية والخدمية, وتبني "سياسة الإنفتاح الإقتصادي", الموصوفة آنذاك بأنها "سداح مداح", بتعبير كاتبنا الصحفي المبدع الراحل أحمد بهاء الدين, وهي السياسة التي

ترافق معها إجتماعيا, تسلل قيم الفردية والانتهازية, وشيوع مبدأ "نفسي وليهلك الجميع من بعدي", والسلبية والأنا مالية.. تزامناً مع إطلاق "السادات" ليد جماعة الإخوان المسلمين, تنشط بالجامعات

ومؤسسات التعليم الرسمي, تعيث فيها تجنيداً للطلاب واستلاباً لعقولهم, وأفئدتهم, وتخريباً لها بالفكر المتطرف, وبذور الإرهاب الذي أودى بحياة السادات نفسه عام 1981.. ولأن "التعليم" لاينفصل عن

المجتمع, وتوجهاته الساسية والإقتصادية.. فكان طبيعياً أن ينحدر التعليم "قبل الجامعي" الذي يضم أكثر من 18 مليون "متعلم", والجامعي الحكومي الذي ينتظم فيه نحو مليونان و200 ألف طالب, إلى الدرك الأسفل من الإنهيار

الكهوف الفكرية الإخوانية

إجمالاً.. فإلى جانب أسباب أخرى ليس هنا مجالها, كان رفع السادات للحظر عن "الإخوان", هو بداية الازدهار لهم.. فيما كانت عقود مبارك الثلاثة, هي العصر الذهبي.. إذ تغولوا بمؤسسات التعليم كافة, سيما وأن مرشدهم المؤسس

وإمامهم حسن البنا, كان يعمل مدرسا بالأصل, وكان يولي أهمية كبرى للمدارس في نشر فكر الجماعة أو "دعوته", ويعول على علماء الازهر لتسخيرهم بنشر الدعوه, وهو ما يفسر لغز إستئثار جامعة الازهر بالنصيب الأكبر من الإجرام الإخواني

لانجافي الحقيقة إذا خلصنا, إلى أن قادة "الإرهاب" اليوم ومشعلي الفتن بأنواعها, هم أنفسهم صنيعة الإخوان بجامعات السادات, وأن قسماً كبيراً من المتطرفيين دينياً والإرهابيين, بمن فيهم الممارسين للتخريب والعنف بالجامعات حالياً, هم ممن تربوا في الكهوف الفكرية الإخوانية, بعد السيطرة عليهم وتجنيدهم من مدارس عصر مبارك, الإعدادية والثانوية بالتعليم العام والأزهري, وحتى الآن

وإذا كنا نركز على الجانب الآني لنتاج الإنهيار التعليمي, وأعني التطرف الديني, والنزوع إلى العنف في تسوية الخلافات على شاكلة ما جرى بأسوان, والإرهاب الذي يهدد سلامة المجتمع وبنيان الدولة.. فإن

هذا يرجع إلى أن "ملف التعليم" هو أخطر الملفات التي يتعين الالتفات إليها في الفترة المقبلة, فقد عانى طويلا من الإهمال وغياب الرؤية والأهداف التربوية, واعتماد الوزراء المتعاقبين منذ بدايات عقد

التسعينات - إلا نادراً- على الفهلوة, والعشوائية, والتعامل الجزئي باختزال التعليم ونظامه ومشكلاته, في امتحانات ونظام الثانوية العامة, دون رؤية كليه, فضلا عن تغير السياسات بتغير "الوزراء",

وتصريحاتهم الرنانة التي تسبغ أوصافاً على استراتيجيات للتعليم, وخطط غير مسبوقة, ومؤتمرات, وكل هذا بلا عائد اللهم إلا مزيد من التدهور للمناهج, والفوضي, والتلاشي التام للعملية التعليمية

بمدارسنا, بحيث صارت الدروس الخصوصية - لمن يقدر عليها- هي التعليم الموازي, ناهيك عن العشوائية وغياب البعد التربوي تماما, ومن ثم إكتساب أبنائنا لقيم التطرف والتعصب الأعمي سواء للقبيلة أو الطائفة أو الجماعة

ومادمنا على أبواب الإنتخابات الرئاسية.. فمن المهم إدراك أن أي أجندات للعمل بالمرحلة المقبلة, ومهما كان تميزها أو تفردها, لن تفلح وحدها, في النهوض بمصر, مالم يتم إصلاح التعليم جذريا وعلاج

مشكلاته.. فالإصلاح التعليمي كفيل ببناء الفرد المتحرر فكريا ذو الشخصية المتكاملة البناءه, بما يحمي مستقبل البلاد وإنجاح الخطط التنموية.. وليس مهما إن كان "التعليم" يحتل مكانه الملائم

بالبرنامج الانتخابي لمرشحي الرئاسة, فكم من برامج لم تتعدى كونها عبارات إنشائية.. لكن الأهم أن هو أن يتدارك الرئيس القادم الأمر ويتبنى "ملف التعليم" بأسلوب علمي مدروس, حتى يحفظ لمصر توحدها في قادم الأيام

"التحرير "

16 ابريل 2014 |